على أبواب رمضان.. لهيب الأسعار يستعر!
سوسن عجيب سوسن عجيب

على أبواب رمضان.. لهيب الأسعار يستعر!

اعتاد المواطنون على التباينات السعرية النسبية في الأسواق، وبين محل وآخر، بل بين ساعة وأخرى، كما اعتادوا على التصريحات الرسمية الخلبية التي تتحدث عن مراقبة الأسواق ومتابعتها، كذلك اعتادوا على الذرائع المساقة (رسمياً وغير رسمياً) تبريراً للزيادات السعرية على السلع والخدمات، اعتباراً من ذرائع العقوبات والحصار، مروراً بتبريرات تذبذب سعر الصرف، وصولاً إلى ما آلت إليه الأسعار من توحش!

فالارتفاعات السعرية مستمرة دون توقف، وحيتان الاستفادة منها (كبار أصحاب الأرباح) أتتهم فرصة ذهبية استثماراً بكارثة الزلزال مؤخراً، التي رفعوا بسببها الأسعار، وكذلك بدأ استثمارهم بموسم رمضان القادم منذ الآن، حيث بدأت الأسعار تسجل عتبة جديدة ارتفاعاً، تمهيداً واستقبالاً له، وخاصة للمواد والسلع الغذائية، مع استمرار اللامبالاة الحكومية، المجيرة لمصلحة هؤلاء بالنتيجة!

بين الحديث الرسمي والواقع!

في حديث لوزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك لصحيفة الثورة بتاريخ 20/2/2023 قال حول أولوية المواد التي سيتم استيرادها: «إن الأولوية هي بالدرجة الأولى للمواد الغذائية وتصنيعها كالبقوليات من حمص وعدس وفاصولياء وسواها وكذلك الزيت النباتي، كاشفاً عن إمكانية انخفاض أسعار تلك المواد بنسبة لا تقل عن 25٪ عند توفرها خاصة وأنها ستخضع لقرار تخفيض التكاليف ما يعني انخفاض حكمي في سعر بيعها للمستهلك».

لكن الإمكانية التي تحدث عنها الوزير لم تتحقق حتى الآن، وربما لن تتحقق أبداً، بل ما جرى على العكس منها تماماً، بدليل استمرار الارتفاعات السعرية على المواد والسلع الغذائية في الأسواق، بما في ذلك الأساسية التي أشار إليها الوزير!

كذلك فقد اجتمعت اللجنة الاقتصادية بتاريخ 23/2/2023، وقد حضر الاجتماع أيضاً رؤساء وممثلو اتحادات غرف الصناعة والتجارة والزراعة والسياحة، ومن جملة ما خلص إليه الاجتماع أن المجتمعين بحثوا: «مجموعة من الأفكار والخيارات لجهة توريد وتأمين مختلف السلع والمواد الأساسية وفق الأولويات والأكثر حاجة وضمان توافرها بالكميات المطلوبة وانسيابها إلى السوق المحلية بأسعار مناسبة وتذليل كل العقبات والصعوبات خصوصاً مع اقتراب حلول شهر رمضان المبارك».
بالمقابل فإن واقع السوق يقول إنه مع اقتراب شهر رمضان بدأت الأسعار تستعر بلهيبها على المواطنين وجيوبهم، وعلى حياتهم بالنتيجة!

أسعار السوق تكسر العتبات صعوداً!

على سبيل المثال فقد تم تحديد سعر كيلو شرحات الدجاج بحسب النشرة التموينية بتاريخ 25/2/2023 بـ33500 ليرة، وهو أعلى من ذلك في الأسواق، حيث وصل في بعض المحال إلى 40000 ليرة، وسعر الجوانح تم تحديده بـ16500 ليرة بينما تجاوز في الأسواق سعر 18000 ليرة، وعلى ذلك يمكن القياس على بقية الأسعار وفروقاتها بين النشرات الرسمية وواقع السوق.

فلحوم الغنم والعجل، التي أصبحت من منسيات الاستهلاك بالنسبة للغالبية المفقرة من السوريين، تخطت كل ارقامها القياسية السابقة، فقد تجاوز سعر هبرة الغنم 85 ألف ليرة، فيما تجاوزت أسعار هبرة العجل 56 ألف ليرة.

اللبن الرائب بسعر 4000 ليرة وما فوق، والجبنة البلدية تجاوزت 20 ألف ليرة، وسعر طبق البيض 25 ألف ليرة.

أما الرز فالحد الأدنى له تجاوز 6000 ليرة، بينما وصل السكر إلى 7000 ليرة، والبن 48 ألف ليرة وما فوق.

وما ينطبق على أسعار السلع الغذائية أعلاه ينطبق كذلك على أسعار الخضار والفواكه، والمعلبات، والبقوليات، وغيرها من الغذائيات الأخرى!

مع الأخذ بعين الاعتبار أن جميع الأسعار أعلاه غير مستقرة، كما أنها تسجل تبايناً نسبياً بين سوق وآخر، وبين محل وآخر، وهي ما زالت مستمرة في سباقها نحو كسر عتبات جديدة نحو الأعلى، وبما يضمن لحيتان الأرباح هوامش ربح إضافية، على حساب ومن جيوب المواطنين، وعلى مرأى ومسمع الحكومة والرسميين، بل ومع منحهم المزيد من التسهيلات والامتيازات والإعفاءات تحت مسميات وذرائع مختلفة، بما في ذلك تذليل الصعوبات في عمليات التوريد، التي تم الاتكاء عليها في اجتماع اللجنة الاقتصادية سابق الذكر!

اللامبالاة الرسمية تجاه احتياجات الغالبية المفقرة!

من المفروغ منه أن زيادة الأسعار، وكثرة عوامل الاستغلال فيها، فاقم ويفاقم على السوريين بغالبيتهم المفقرة، أزماتهم المعيشية والخدمية، وخاصة على مستوى تأمين احتياجاتهم الغذائية، التي أصبح تأمينها ولو بحدودها الدنيا، ضرباً من ضروب الاستحالة، ليس بسبب عوامل الاستغلال فقط، بل بسبب تدني الأجور وضعف القدرة الشرائية بالمقارنة مع الأسعار، وفي ظل استمرار اللامبالاة الرسمية تجاه ضروراتهم واحتياجاتهم، والحرص المستميت على مصالح أصحاب الأرباح، دائماً وأبداً، تماشياً مع السياسات الليبرالية المطبقة، بنموذجها الأكثر تشوهاً وقبحاً!
فعلى سبيل المثال وبرغم الكارثة، وزيادة الاحتياج للمواد والسلع الغذائية، فإن حركة الصادرات لهذه المواد والسلع لم يتغير!

فقد بين عضو لجنة تجار ومصدري الخضار والفواكه بدمشق، بحسب صحيفة الوطن بتاريخ 23/2/2023، إن: «حركة الصادرات من الخضار والفواكه لم تتأثر نتيجة الزلزال الذي أصاب بعض المناطق المنكوبة في محافظات اللاذقية وحماة وحلب، وإن الحركة مازالت اعتيادية كما كانت قبل حدوث الزلزال، ولم تحدث أية زيادة أو نقصان بعدد البرادات التي تذهب إلى دول الخليج والعراق، موضحاً أن ما بين 10 و15 براداً يذهب يومياً إلى دول الخليج، في حين أن عدد البرادات التي تذهب إلى العراق بحدود 5 برادات فقط».
فكارثة الزلزال، بمآسيها، لم تزلزل أولويات الحكومة بحرصها على ضمان استمرار مصالح كبار الناهبين والمستغلين من أصحاب الأرباح، ضاربة بعرض الحائط الاحتياجات الغذائية للمفقرين، وكأن شيئاً لم يكن بالنسبة إليها!

البصل مثال آخر عن اللامبالاة!

وتعقيباً على ما يثار حول مادة البصل قال عضو لجنة تجار ومصدري الخضار والفواكه بدمشق: «إن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك فرضت على التاجر بيع كيلو البصل بالجملة بـسعر 5,5 آلاف ليرة وبالمفرق بـ6 آلاف ليرة، وهذا السعر المفروض يعتبر غير منطقي والتاجر يخسر عند بيع المادة بالسعر المحدد، لذا نشهد قلة في المادة في السوق وعدم التزام من الباعة بالسعر المحدد من وزارة التموين».

وربما تجدر الإشارة بهذا الصدد، وتأكيداً على اللامبالاة الرسمية تجاه المفقرين واحتياجاتهم الغذائية، أن الحكومة في عام 2022 سمحت بتصدير البصل، ما أدى تضافراً مع أسباب أخرى، إلى تجاوز سعر الكيلو خلال الفترة القريبة الماضية عتبة 14 ألف ليرة، وصولاً إلى ندرته في الأسواق، والآن سمحت باستيراده لصالح السورية للتجارية، كي ترمم جزءاً من احتياجات السوق المحلية، على أن يباع بالسعر المحدد أعلاه 6 آلاف ليرة، لكن ذلك لم يتم حتى الآن، بالرغم من الوعد الرسمي بأن ذلك سينجز قبل نهاية الشهر الحالي!

مع العلم أن القائمين على عمليات التصدير والاستيراد، والمستفيدين منها، بما في ذلك ما يتم باسم السورية للتجارة أو غيرها من الجهات الحكومية الأخرى، هم نفسهم شريحة كبار أصحاب الأرباح (المحبيين من الحكومة)، وهم نفسهم المتحكمون في آليات عمل السوق (توريداً وتوزيعاً- كماً ونوعاً وسعراً) لجميع المواد والسلع فيه، والمتضررون من كل ذلك هم عموم المفقرين، وصولاً إلى نسبة فاقعة ومتفاقمة من الجوع والعوز المعمم عليهم، استغلالاً ونهباً وفساداً، بسبب السياسات الظالمة المطبقة، ولمصلحة الشريحة المحبية!!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1111