قرار رسمي جديد يساهم في زيادة الأسعار.. ويبررها!
أصدرت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك القرار رقم 501 تاريخ 14/2/2023 والذي يقضي بتحديد سعر ليتر المازوت الموزع للفعاليات الاقتصادية، من قبل شركة محروقات والشركات المزودة الأخرى، بـ5400 ليرة.
فهل سيساهم هذا القرار في دوران عجلة الاقتصاد، وخاصة الإنتاج (الصناعي والزراعي)، أم سيعيقها، وكيف سينعكس على مصلحة المواطن؟!
تبريرات وتوضيحات رسمية!
ورد على صفحة الوزارة الرسمية بتاريخ 14/2/2023 توضيحاً حول القرار يقول: «جميع الفعاليات الاقتصادية التي تقدم بيانات كلفتها، تقول إنها اشترت المازوت بسعر عشرة آلاف ليرة أو أكثر. وتأمين المازوت وفق الكلفة الفعلية للمازوت والتي تبلغ حالياً ٥٤٠٠ ليرة سوف تخفض بيانات الكلفة وبالتالي ستخفض الأسعار ولا ترفعها».
وقد ورد أيضاً على الصفحة الرسمية بتاريخ 15/2/2023 ما يلي: «لقد كان المازوت الاقتصادي يباع من قبل الشركات الخاصة بسعر ٥٤٠٠ ليرة سورية بينما يباع من قبل شركة محروقات بسعر ٣٠٠٠ ليرة لنفس الفعاليات. ولم يكن أي طرف من الطرفين قادراً على تغطية كل الفعاليات لوحده. وبالتالي نجد أن مصنعاً يشتري بسعر أقل من مصنع مماثل في منطقة أخرى وهذا خلق فوضى كبيرة وعدم عدالة بالتوزيع وتكاليف الإنتاج. وهذا استدعى توحيد السعر. وبما أن سعر المازوت الذي يباع من القطاع الخاص هو بالكلفة، فقد اعتمدت اللجنة الاقتصادية ومجلس الوزراء مبدأ البيع بالكلفة للطرفين المزودين وهو قابل للزيادة والنقصان بشكل دوري وفق أسعار النفط المشتراة ووفق سعر الصرف».
فهل سيخفض القرار كلف الإنتاج فعلاً؟
وهل ستتحقق العدالة المطلوبة منه افتراضاً؟
وهل تكفي التوضيحات والتبريرات أعلاه للتغطية على سلبياته؟!
الذرائعية وإنهاء الدعم كلياً!
التوضيح والتبريرات أعلاه تعتبر ذرائعية، وفيها الكثير من الانفصال عن الواقع!
فقد تم اعتماد سعر الكلفة الأعلى للمادة وفقاً لأسعار الشركات الخاصة الموردة لها، في تغييب للكلفة الأخفض وفقاً للأسعار الحكومية، بما في ذلك كلفة كميات المادة ذات المنشأ المحلي!
ما يعني من الناحية العملية أن الجزء المتبقي من الدعم السعري على المادة، الذي كانت تستفيد منه الفعاليات الاقتصادية بمخصصاتها المستلمة من شركة سادكوب على اعتباره من منشأ محلي، قد تم سحبه نهائياً بموجب القرار الجديد أعلاه، بدلاً من مساعي زيادة المخصصات من المنشأ المحلي، أو من التوريدات الحكومية، وبتكاليفها المنخفضة!
ولعله كان من الأجدى، ضمن تبريرات العدالة ومنع الفوضى في الكلفة وفي الأسعار بالنتيجة، أن يتم توحيد سعر المادة بالكلفة الحكومية الأخفض، بدلاً من توحيده بالكلفة الأعلى للشركات الخاصة!
لكن ذلك لن يتم طبعاً، كي لا تتأثر هوامش ربح الشركات الخاصة المحظية الموردة للمادة، مع إضافاتها بذريعة الحصار والعقوبات، بل وبما يضمن استمرار هذه الهوامش!
فالقرار بترجمته العملية المباشرة يتضمن إنهاء دعم مادة المازوت بشكل كلي لجميع الفعاليات الاقتصادية، بما في ذلك القطاعات الإنتاجية وهي الأهم، على العكس من كل الحديث الرسمي الذي يتحدث عن دعم الإنتاج ومستلزماته، وتقديم التسهيلات له!
الارتباط بسعر الصرف المتذبذب!
والأسوأ من ذلك، بحسب ما ورد في التوضيح الرسمي، أن السعر الموحد أعلاه «قابل للزيادة والنقصان بشكل دوري وفق أسعار النفط المشتراة ووفق سعر الصرف»!
ما يعني مزيداً من الفوضى السعرية بالنتيجة ارتباطاً بتذبذب سعر الصرف، على اعتبار أن المشتقات النفطية مُدخل رئيسي في حساب التكاليف من قبل جميع الفعاليات الاقتصادية (الصناعية والزراعية والخدمية)!
ليس ذلك فقط، بل إن تذبذب سعر الصرف، وخاصة في ظل مساره المتصاعد، يعزز لدى الفعاليات الاقتصادية مبررات هوامش الأمان في حساب تكاليفها، والمتمثلة بالإضافات السعرية عليها، بما يضمن لها عدم الوقوع بالخسارة بالحد الأدنى، وهو ما يجري عملياً!
فالقرار وفقاً لما سبق سيساهم بالمزيد من الفوضى السعرية، ولن يحدها!
الاعتراف بالسوق السوداء واستمرار الاضطرار لها!
بالإضافة إلى كل ما سبق أعلاه فهناك اعتراف رسمي بعدم القدرة على تأمين حاجات الفعاليات الاقتصادية من المادة، بالإضافة إلى الاعتراف بالكلف المقدمة منها بما يخص سعر المازوت في السوق السوداء، الذي يتجاوز 10000 ليرة لليتر.
فالكثيرون من أصحاب الفعاليات الاقتصادية، وخاصة الإنتاجية (الصناعية والزراعية)، يتمنون الحصول على احتياجاتهم التشغيلية من المادة، سواء عبر سادكوب أو عبر الشركات الخاصة، ووفقاً للسعر الرسمي المعتمد، لكن ذلك لم يتم حتى الآن، بالرغم من كل الوعود الرسمية، وبالرغم من الزيادات السعرية على المادة التي تتم بين الحين والآخر بهذه الذريعة!
فعدم تأمين الاحتياجات اللازمة للفعاليات الاقتصادية من مادة المازوت، وليس المخصصات المسقوفة، وبمواعيد توزيع مرتبطة بالمتوفر من كميات، يعني الدفع بهم إلى السوق السوداء رغماً عنهم، واستمرار الوضع على هذا النحو يعني الحفاظ على مصالح القائمين على هذه السوق، وكأنه شكل من أشكال تقاسم الحصص بين كبار أصحاب الأرباح!
والحال كذلك فإن الاضطرار للجوء إلى السوق السوداء وبأسعارها سيستمر، ما يعني استمرار ارتفاع الكلف على هذه الفعاليات، أي استمرار الزيادات السعرية بالنتيجة، وليس تخفيضها!
مزيد من السلبيات على حساب الإنتاج والمواطنين!
إن زيادة الأسعار على مستلزمات الإنتاج، وخاصة المشتقات النفطية، سيرفع التكلفة، وبالتالي سيرفع أسعار المنتجات من السلع والمواد في الأسواق، في الوقت الذي تعاني منه هذه الأسواق سلفاً من التراجع في معدلات الاستهلاك، ارتباطاً مع تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، وبسبب تزايد عوامل الاستغلال والنهب والفساد، التي تتسبب بالمزيد من الرفع السعري في الأسواق!
فالقرار أعلاه لن يساهم في دوران عجلة الإنتاج (الصناعي والزراعي) بل سينعكس سلباً عليها، وسيزيد من صعوبات الإنتاج والعملية الإنتاجية، وكذلك على كل الفعاليات الاقتصادية التجارية والخدمية، والأهم أن كل السلبيات من ذلك ستكون على شكل ارتفاعات سعرية على السلع والمواد والخدمات في الأسواق، مع سقوف مفتوحة لها ارتباطاً بتذبذب سعر الصرف، والتي ستدفع نحو المزيد من تخفيض معدلات الاستهلاك بالنسبة للمواطنين مكرهين، على اعتبار أن كل الهوامش السعرية المضافة، تحت كل المسميات والمبررات والذرائع، سيتم تحصيلها من جيوبهم بالنتيجة، وعلى حساب ضرورات حياتهم المعيشية والخدمية، في حلقة مفرغة لم ولن يتم كسرها وفقاً للتوجهات الحكومية وقراراتها، وتوافقاً مع استمرار السياسات الليبرالية المتبعة!
التوقيت دائماً مناسب للمستفيدين من السياسات الليبرالية!
لعل كل ما سبق فيه إجابة عن التساؤل المطروح استهجاناً، من قبل المواطنين والفعاليات الاقتصادية على حد سواء، حول توقيت القرار بهذه الظروف، وفي ظل الكارثة المستجدة المتمثلة بالزلزال؟!
فالتجربة العملية طيلة السنين الماضية، بما في ذلك سنوات الحرب والأزمة، وأخيراً على أثر كارثة الزلزال، أكدت أن السياسات الليبرالية، وبالتالي التوجهات والقرارات الحكومية المستندة إليها، غير معنية بالظروف، مهما كانت قاهرة وكارثية، وغير حريصة على مصالح الغالبية المفقرة ولو زاد فقرها وعوزها، أو على استمرار الإنتاج من عدمه، بل وحتى على المصلحة الوطنية، بقدر عنايتها واهتمامها وحرصها على استمرار مصالح القلة الثرية من كبار أصحاب الأرباح المستفيدة منها فقط لا غير، والمتغولة على حساب البلاد والعباد، نفوذاً ونهباً وفساداً!
مضمون غير معلن في مسيرة تخفيض الدعم الظالمة!
من ضمن ما تم رصده من نتائج سلبية إضافية للقرار أعلاه، أن سعر مادة المازوت المحدد كتكلفة بـ5400 ليرة لليتر، تم تعميمه على «المازوت المباشر» المخصص للمواطنين بسقف 50 ليتر عبر تطبيق «وين» لكل أسرة، دون إعلان أو توضيح رسمي عن ذلك!
فالمواطنون الذين كانوا يحصلون على كمية مسقوفة 50 ليتر بسعر 3000 ليرة لليتر، وبقيمة إجمالية تبلغ 150 ألف ليرة، لترميم حاجتهم من مازوت التدفئة بعد طول انتظار (بحسب أعداد المكتتبين، وبحسب المتوفر من كميات مخصصة لهذه الغاية في بعض الكازيات المعتمدة)، أصبح إجمالي المبلغ مقابلها 270 ألف ليرة الآن!
فإذا كان السعر السابق، والبالغ 3000 ليرة لليتر، يتضمن بعض الدعم للأسر، فقد تم إنهاؤه أيضاً، ودون إعلان هذه المرة، حيث تم اعتبار هذه الأسر من الفعاليات الاقتصادية على ما يبدو.. هكذا!
فمسيرة تخفيض الدعم الحكومي نحو إنهائه مستمرة دون توقف، سواء تم الإعلان عن الخطوات والإجراءات المتعلقة بهذه المسيرة الظالمة، أم لم يتم ذلك!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1110