معضلة التأمين الصحي لن تحل إلا بزيادة الأجور!
عادل ابراهيم عادل ابراهيم

معضلة التأمين الصحي لن تحل إلا بزيادة الأجور!

بعد الارتفاع الذي طال أسعار الأدوية مؤخراً بدأت معاناة المؤمن عليهم صحياً بالازدياد والتفاقم نتيجة عدم وضوح كيفية التعامل مع تغطياتهم التأمينية من قبل مقدمي الخدمات، وخاصة الصيدليات، ومن قبل شركات إدارة الخدمات الطبية، ومن قبل شركات التأمين!

فالتغطية التأمينية من المفترض أنها دون سداد أية مبالغ إضافية من قبل حاملي بطاقات التأمين، مع منافع خارج المشفى بمبلغ 200 ألف ليرة، وتشمل (المعاينات- التحاليل- الأدوية- الأشعة)، لكن هذه المنافع تآكلت بعد رفع الأسعار التي طرأت على الأدوية خلال العام الماضي والحالي، بحيث لم تعد تكفي لتغطية أسعار الأدوية فقط، وخاصة لأصحاب الأمراض المزمنة، التي تزيد تغطيتهم السنوية بمبلغ 50 ألف ليرة فقط!
وأمام هذه المشكلة المستمرة والتي تتفجر بين الحين والآخر بما يخص الضمان الصحي للعاملين في الدولة نتساءل عن مشروع التأمين الصحي للمتقاعدين، هل سيرى النور، ووفق أية اشتراطات؟!

هيئة الإشراف على التأمين

مقابل هذا الواقع المستجد على الشأن التأميني بما يخص التغطية وصعوباتها، فقد أكد مدير هيئة الإشراف على التأمين، في حديث لصحيفة الوطن بتاريخ 22/1/2023، أنه: «فيما يخص قسط التأمين الصحي لموظفي الدولة، ستكون هناك دراسة عميقة وتفصيلية لضمان استمرارية عمل الهيئة بالتغطية الصحية، مشيراً إلى أنه أمام هذا الارتفاع وثبات قسط التأمين «70 ألف ليرة»، سنوياً لا يمكن أن تتحمل الهيئة هذا التضخم الهائل سواء بالأدوية أم العمليات الجراحية أو الخدمات الطبية والمخابر».
فيما قال عبر إذاعة المدينة إف إم بتاريخ 25/1/2023 إن: «رفع تغطية التأمين أمر وارد دون زيادة على موظفي القطاع العام، وسنقوم باتخاذ إجراءات لرفع سقف التغطية على الأدوية».
فهل يعني حديث مدير هيئة الإشراف على التأمين حول عدم إمكانية تحمل الهيئة للتضخم الهائل في ظل ثبات قسط التأمين، وبعد ذلك يؤكد على إمكانية رفع تغطية التأمين دون زيادة على الموظفين، ربطاً مع حديثه عن اتخاذ إجراءات لرفع سقف الأدوية، أن ذلك قد يكون على حساب تخفيض التغطيات الأخرى (العمليات الجراحية- المخابر- الأشعة- المعاينات- التحاليل)؟
الأمر لم يحل بشكل نهائي حتى الآن، مع ما يعنيه ذلك من صعوبات يدفع ضريبتها أصحاب الحقوق من المؤمن عليهم، وخاصة المرضى المزمنين!

المشكلة بالأجور

مما لا شك فيه أن طموح المؤمن عليهم أن تتم التغطية التأمينية لهم بنسبة 100% لكل احتياجاتهم الطبية دون سقوف، ودون صعوبات ومعاناة، لكن ذلك ليس بالأمر الممكن في ظل استمرار السياسات الأجرية الظالمة!
فماذا تعني التغطية بمبلغ 200 ألف ليرة سنوياً لقاء (المعاينات- التحاليل- الادوية- الأشعة)، وفي ظل موجات الارتفاعات السعرية المستمرة التي طالت جميع هذه المفردات؟
وماذا يشكل مبلغ مليون أو مليوني ليرة بحال الاضطرار لدخول مشفى وإجراء عمل جراحي؟!
مقابل ذلك تجدر الإشارة إلى أن 3% من الأجر شهرياً كاقتطاع لقاء الضمان الصحي من المفترض أنها نسبة متوازنة، لكن المشكلة ليست بهذه النسبة، بل بما تمثله واقعاً في ظل تدني معدلات الأجور!
فمبلغ 3000 ليرة مقتطعة شهرياً، بحال كان الأجر الشهري 100 ألف ليرة، وبمعدل 36000 ليرة سنوياً، هو مبلغ أقل من ضئيل مقابل الحديث عن ضمان صحي شامل بدون معاناة وصعوبات!
فالمشكلة ليست بالنسبة المقتطعة شهرياً أعلاه، بل بالأجر الهزيل نفسه، الذي من المفترض أن يكون عادلاً وبما يتناسب مع متطلبات المعيشة بحدودها الدنيا، والذي يجب ألا يقل عن 1,5 مليون ليرة بالحد الأدنى، وبالتالي فإن النسبة أعلاه تصبح شهرياً 45 ألف ليرة، وسنوياً 540 ألف ليرة، ما يعني إمكانية جدية للوصول إلى تغطية تأمينية صحية شاملة دون منغصات، وبكرامة مصونة للمؤمن عليهم، بعيداً عن أوجه الفساد، وبما يضمن حقوق مقدمي الخدمات، ولشركات التأمين أرباحها طبعاً!
لكن ذلك من المستحيلات من كل بد في ظل استمرار سياسات تجميد الأجور المعمول بها، مع بقية السياسات الظالمة!

المتقاعدون أشد بؤساً

كذلك يستمر الحديث عن التأمين الصحي للمتقاعدين، فقد بين مدير هيئة الإشراف على التأمين أن: «هناك مشروعاً مقترحاً لمنح كل المتقاعدين تأميناً صحياً والبالغ عددهم قرابة 800 ألف متقاعد، مضيفاً أن أصحاب الأمراض المزمنة هم الأكثر طلباً للتأمين، وبالتالي يحكم على العقد بالخسارة، ومع خسارة هذا العقد سيرتفع قسط التأمين السنوي إلى مبالغ خيالية»، وأكّد أن: «هذا الأمر سيزيد خسارة العقد وستكون المؤسسة العامة للتأمين ملزمة بزيادة قسط التأمين السنوي، ما سيضعف قدرة المتقاعد على الاشتراك، ولن يشترك بالعقد إلا من سيضمن كلفة خدمة طبية وكلفة أدوية مزمنة أكثر من قسط التأمين نفسه».
وقد أشار إلى أنه: «في حال لم يكن عقد تأمين المتقاعدين إلزامياً يشمل الجميع ويحقق تكافلاً بين الخطر الجيد والرديء أي بين الصحيح والعليل، لن ينخفض قسط التأمين، وسيزيد العبء على المتقاعد والخسارة على مؤسسة التأمين وسنصل إلى نقطة لن نستطيع تلبية خدمة التأمين الصحي».
إن حديث مدير هيئة الإشراف على التأمين ربما فيه الكثير من الوضوح!
فعدد المتقاعدين كبير ومغرٍ بالنسبة للاستثمار في ضمانهم الصحي، بما يحقق افتراضاً الأرباح المضمونة لشركات التأمين ولمقدمي الخدمات الطبية، لكن ذلك مشروط بأن يكون إلزامياً على كامل هذا العدد من المتقاعدين!
أما غير ذلك فالتأمين الصحي لهذه الشريحة يصبح خاسراً، وبالتالي فلن تتم تلبية الخدمة لهم!
الأمر الذي يعيدنا إلى نفس المشكلة المتمثلة بالأجور المتدنية، وهذه المرة بأجور المتقاعدين الأقل هزالة، على الرغم من زيادة حاجتهم للتأمين الصحي مع تقدمهم بالسن!
وخلاصة القول فإن مشكلة التأمين الصحي ستبقى مستمرة وستتفاقم، مع مفرزاتها فساداً والتفافاً على الحقوق، بحال لم تتم إعادة النظر بسياسات الأجور، وبما يتوافق مع متطلبات المعيشة والخدمات الضرورية، لمن هم على رأس عملهم، وللمتقاعدين على السواء!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1107
آخر تعديل على الثلاثاء, 31 كانون2/يناير 2023 09:00