قطع الأمل بالتحسن الكهربائي والتيئيس منه!
تفاقمت أزمة الكهرباء بشكل كبير، وخاصة خلال الشهرين الماضيين منذ نهاية العام الماضي وحتى الآن، وتلاشت معها كل وعود التحسن التي سبق أن قطعها بعض الرسميين، بل وزاد عليها إغلاق أي أمل بالتحسن خلال الفترة المقبلة أيضاً!
ومع تفاقم أزمة الكهرباء زادت حاجة المواطنين للبدائل، وخاصة اللجوء إلى مولدات الأمبير وجشع مستثمريها، وبالتالي ارتفعت التكاليف على المواطنين المضطرين للجوء إلى خيار الأمبيرات أضعافاً مضاعفة!
لا أمل بالتحسّن!
باتت ساعات التقنين الكهربائي أكثر من جائرة، ففي بعض البلدات والمدن والقرى لا تتعدى فترة الوصل الكهربائي نصف ساعة خلال الـ24 ساعة، وفي بعضها الآخر يستمر القطع إلى أيام متتالية، والذرائع والتبريرات الرسمية حاضرة دوماً- حجم التوليد المنخفض المرتبط بالتوريدات النفطية، وبالأحمال الزائدة والضغط على الشبكة!
والمشكلة بالنسبة للمواطنين لم تعد مقتصرة على عدم الوفاء بالوعود الرسمية التي كانت تقول إنه مع نهاية العام الماضي وبداية العام الحالي سيكون هناك تحسن بالكهرباء، بل وفوق كل ذلك تم إغلاق كل بوابات الأمل بالتحسن الكهربائي خلال الفترة المقبلة أيضاً!
ففي تصريح لمدير كهرباء دمشق عبر إذاعة نينار إف إم بتاريخ 12/1/2023 قال إنه سيكون هناك معاناة خلال العشرين يوماً القادمة نتيجة الأحمال الزائدة على الشبكة، مع ربطه للتقنين الكهربائي بالكميات المتوفرة وبالأحمال، وبأنه عند ارتفاع درجات الحرارة واستقرارها سيتحسن التقنين الكهربائي في دمشق وحتى لو بقيت الكمية ذاتها لدينا.
التصريح أعلاه يعني أن واقع أزمة الكهرباء سيستمر طيلة فصل الشتاء، وتوقع التحسن مرتبط بقدوم فصل الربيع ودرجات حرارته المرتفعة، أي إن أمر المعاناة لن يقتصر على مدة الـ20 يوماً التي تحدث عنها مدير كهرباء دمشق، بل ستمتد هذه المعاناة إلى ثلاثة أشهر قادمة بالحد الأدنى!
فإذا كان هذا هو الواقع الكهربائي بالنسبة لدمشق، فإن الوضع في بقية المحافظات والمدن أسوأ بأشواط بدون أدنى شك!
على ذلك فإن الأمر لم يعد مقتصراً على إغلاق بوابات الأمل بتحسين الطاقة الكهربائية، بل مع جرعات يأس وتيئيس رسمية من أي تحسن فيها أيضاً!
انتعاش تجارة الأمبيرات
هذا الواقع المجحف بالتقنين، مع اليأس من التحسن الكهربائي، كان فرصة مناسبة لمستثمري وتجار الأمبيرات، الذين زادوا من مستويات استغلالهم للمضطرين لاستجرار الكهرباء من مولداتهم!
ففي مدن وبلدات وقرى ريف دمشق، على سبيل المثال، ومع تفاقم أزمة الكهرباء في ظل التقنين الجائر بساعات الوصل، ومع إغلاق أي أمل بالتحسن في الطاقة الكهربائية، زاد انتشار مولدات الأمبير بشكل كبير مؤخراً، وارتفعت أسعارها الاستغلالية!
أما في المدن والبلدات التي استقر فيها الاستثمار بمولدات الأمبير مسبقاً، وثبت كضرورة لا غنى عنها، فقد ارتفعت معدلات استغلال حاجة المواطنين لها، وخاصة مع مبررات عدم توفر المشتقات النفطية المشغلة للمولدات، واضطرار مستثمريها لتأمينها عبر السوق السوداء، وبأسعارها الاحتكارية المرتفعة!
والنتيجة أن التكاليف التي يتحملها المواطنون شهرياً جرّاء اضطرارهم للجوء إلى مولدات الأمبير أصبحت أكثر من مرهقة، فهي تتراوح بين 50-150 ألف ليرة شهرياً، حسب كمّ الاستجرار، وعدد ساعات الربط اليومية مع المولدة، وبحسب المنطقة أيضاً!
والسؤال المشروع هنا حول مصدر المشتقات النفطية اللازمة لتشغيل مولدات الأمبير التي زاد عددها وتوسع انتشارها؟!
فالكميات التي تحتاجها مولدات الأمبير من المشتقات النفطية كبيرة جداً، ومع ذلك يتم تأمينها عبر السوق السوداء!
فما هذه السوق السوداء التي تفوق بإمكاناتها إمكانات الدولة، في ظل استمرار ذرائع الحكومة حول عدم التمكن من تأمين المشتقات النفطية اللازمة لتشغيل محطات التوليد؟!
الحق المشروع والتعلق بالآمال الموءودة!
لا شك أن المبلغ أعلاه كتكلفة شهرية يعتبر فوق إمكانية الغالبية المفقرة، التي ما زالت معلقة بآمال التحسن الكهربائي، عسى تتخلص من اضطرارها للخضوع إلى استغلال أصحاب مولدات الأمبير، وهي آمال مشروعة، باعتبار أن الحصول على الطاقة الكهربائية عبر الشبكة الرسمية ومن محطات التوليد المملوكة للدولة يعتبر حقاً مشروعاً لكل المواطنين!
فهذه المحطات بتكاليف إنشائها وصيانتها وإصلاحها وإعادة تأهيلها وتشغيلها، مع شبكاتها ومراكز التحويل، بل ومع أجور موظفيها وعامليها، من كبيرهم إلى صغيرهم على مستوى المسؤوليات، كلها مقتطعة من جيوب المواطنين، وعلى حسابهم، بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، ولا منة للحكومة في ذلك!
لكن بمقابل ذلك يتم وأد هذا الحق المشروع رسمياً وعلى التتابع، سواء من خلال تخفيض الدعم على الطاقة الكهربائية، والتي يعتبر التقنين أحد أشكاله الأكثر فجاجة وظلماً، أو من خلال مسيرة خصخصة هذا القطاع المبطنة والمعلنة، والتي تعتبر تجارة الأمبيرات أحد أشكالها الأكثر استغلالاً!
تجارة أمبيرات بدون مولدات.. معضمية الشام مثالاً!
الفاقع في أمر العوز للطاقة الكهربائية هو انتشار تجارة الأمبيرات بدون وجود مولدات في بعض المناطق، مع كل عوامل استغلال الحاجة طبعاً!
أما كيف ومن أين تأتي الكهرباء التي تتم التجارة بها استغلالاً لحاجات المواطنين في هذه المناطق، فهذا بعلم الغيب، وأولي الأمر من الفاسدين والمستغلين طبعاً؟!
ففي بلدة معضمية الشام في ريف دمشق هناك ما يسمى خط كهرباء ذهبي معفى من التقنين على مدار الـ24 ساعة، وهو مستثمر تماماً كتجارة الأمبيرات، لكن بدون مولدة، وذلك بحسب بعض المواطنين، أي بدون الحاجة للمشتقات النفطية وأسعارها عبر السوق السوداء، وبدون تكاليف الإصلاح والصيانة!
فبحسب بعض أهالي المدينة هناك مشتركون وعدادات وقواطع خاصة بكل منهم، مع وجود قارئين لهذه العدادات ومحاسبين وواصلي تيار، والمبلغ الذي يتم تقاضيه من المشتركين بحدود 5000 ليرة عن كل كيلو واط ساعي مستجر، وبحساب شهري يتراوح بين 50- 80 ألف ليرة، طبعاً هذا المبلغ لتشغيل الضروري فقط، كالإنارة والشواحن على مدار الساعة، أما بحال الاضطرار لتشغيل بعض الأدوات الكهربائية الإضافية، مثل الغسالة أو البراد وغيرها، فإن الفاتورة الشهرية قد تتجاوز مئات الآلاف!
والأمر على هذا النحو في معضمية الشام يظهر وكأن هناك شركة كهرباء خاصة بها وبمشتركيها، مع طواقمها العاملة، والمواطن المضطر هو الضحية طبعاً!
ومثل هذا الخط المعفى من التقنين يتيح الفرصة للسؤال المشروع عن إمكانية توفير الكهرباء للمواطنين في البلدة على مدار الساعة، مع إسقاط كل ذرائع حجم التوليد والأحمال الزائدة، وغيرها مما يتم اجتراره رسمياً!
وليبقى السؤال عن الخط الذهبي ذاك بدون إجابة شافية، لا من حيث كونه معفى من التقنين على مدار الـ24 ساعة يومياً، ولا حول كيفية وصوله مع تفرعاته للمشتركين في أحياء البلدة، ولا عن كيفية المحاسبة على كم الاستجرار خلاله لصالح شركة كهرباء ريف دمشق افتراضاً، خاصة مع تلك المبالغ التي تتم جبايتها من المشتركين شهرياً، والأهم من هو المحظي الذي يتمتع بالنفوذ الكافي للاستفادة من هذا الخط المعفى لحسابه، استغلالاً وفساداً، وعلى حساب المضطرين من المواطنين في البلدة!؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1105