السورية للتجارة.. أكبر تاجر يستجدي التجار!
عادل ابراهيم عادل ابراهيم

السورية للتجارة.. أكبر تاجر يستجدي التجار!

منذ عام تقريباً، في شهر تشرين الأول 2021، صرح وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بما يلي: السورية للتجارة بـ 1600 صالة هي أكبر تاجر على الأرض، وستعمل على كسر الاستغلال، التركيز خلال هذه المرحلة سيكون بالكامل على السلع الأساسية التي يحتاجها المواطن وبأقل ما يمكن من الأسعار.

فماذا حل بمضمون التصريح أعلاه بعد هذه الفترة؟!
الجواب أتى على الصفحة الرسمية لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك على شكل استجداء للتجار للتعاون مع السورية للتجارة!

تفاصيل رسالة الاستجداء الرسمية!

فقد ورد بتاريخ 9/1/2023 على صفحة الوزارة ما يلي:
انطلاقاً من مبدأ تأمين انسياب المواد والسلع الأساسية الضرورية في الأسواق، لاسيما ضمن صالات ومراكز البيع التابعة للسورية للتجارة وطرحها بأسعار معتدلة كجهة تدخل إيجابي على المواطنين وخاصة في ظل هذه الظروف الاقتصادية القاسية. وعليه فإن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك تدعو كافة الفعاليات الاقتصادية للتعاون مع المؤسسة السورية للتجارة وعدم الإحجام عن بيعها المواد التالية:
أولا: كامل حاجتها من كافة المواد الغذائية الأساسية المنتجة محلياً (زيوت– سمون– كونسروة– حبوب– بقوليات وأية مواد أخرى) بسعر التكلفة مضافاً إليها هامش الربح المحدد لحلقة المنتج فقط.
ثانيا: كامل حاجتها من كافة المواد الغذائية الأساسية المستوردة (سكر- أرز– زيوت وسمون نباتية– معلبات تونة وسردين– حليب– متة) بسعر التكلفة مضافاً إليها هامش الربح المحدد لحلقة المستورد فقط.
من الواضح أن الدعوة إلى التعاون أعلاه هي بالحقيقة استجداء للمنتجين والمستوردين كي يؤمنوا حاجات المؤسسة من بعض المواد والسلع، كي تقوم بدورها كجهة «تدخل إيجابي»، إن تمكنت من ذلك فعلاً؟!

إمكانات السورية للتجارة والتساؤلات المشروعة

لا شك أن عدد صالات ومنافذ البيع التابعة للسورية للتجارة كبير، مع امتلاكها ميزة الانتشار في كافة المحافظات، وغالبية المدن والبلدات أيضاً.
بالإضافة إلى ذلك فإن رقم الأعمال السنوية كمبيعات للمؤسسة يعتبر رقماً كبيراً لا شك، خاصة وأنها تحتكر بيع المواد المقننة والمدعومة لمستحقي الدعم (أرز- سكر) وغيرها من المواد الغذائية التي يتم توزيعها تقنيناً.
كذلك يحسب في عائداتها السنوية واردات استثمار بعض مولاتها وصالاتها من قبل القطاع الخاص، وخاصة تلك الموجودة في بعض المناطق والأسواق المستقطبة لحركة البيع.
لكن هل يكفي كل ذلك لاعتبارها أكبر تاجر في السوق؟
وهل يمثل ما سبق الدور الإيجابي المنشود من المؤسسة لمصلحة المواطنين؟

ابتلاع دور التدخل الإيجابي

لقد تآكل دور السورية للتجارة على مستوى التدخل الإيجابي اعتباراً من لجوئها إلى الموردين من القطاع الخاص (منتجين ومستوردين) لتزويدها بالمواد والسلع كي تبيعها عبر صالاتها ومنافذها بشكل رئيسي، وتكرس هذا التآكل بعد التراجع الذي أصاب منتجات القطاع العام الصناعي (الغذائي وغيره) التي يباع جزء منها عبر صالات ومنافذ المؤسسة أيضاً، ومع وقف عمليات الاستيراد لبعض السلع والمواد لحسابها مباشرة، وصولاً إلى الوضع الحالي الذي جير فيه القطاع الخاص كل صالات ومنافذ بيع المؤسسة لمصلحته، بل وكل نتائج أعمالها الرقمية على مستوى المبيعات له الحصة الأكبر من الأرباح المضمونة فيها.
فكل السلع والمواد التي يتم بيعها عبر السورية للتجارة مصدرها موردو القطاع الخاص، وإذا ما أحجم هؤلاء الموردون عن تزويد المؤسسة بالسلع فإنها ستقف عاجزة لا حول لها ولا قوة، فلا كثرة منافذها وانتشارها ستفيدها، ولا احتكارها لتوزيع المواد المقننة المدعومة سيعتبر ميزة لها، خاصة وأن هذه المواد يتم تأمينها عبر موردي القطاع الخاص غالباً!
يضاف إلى ما سبق أن بعض صالاتها الهامة والموجودة في المناطق التجارية الحساسة يتم استثمارها من قبل القطاع الخاص أيضاً.
فالقطاع الخاص عملياً هو المتحكم بالمؤسسة والسوق، وبما يحقق مصلحته أولاً وآخراً، على حساب المؤسسة، كما على حساب المستهلكين!
فواقع الحال يقول إن الأسعار في السورية للتجارة أعلى من أسعار السوق، وجودة المواد والسلع فيها أدنى من جودة مثيلاتها في السوق.
فأين التدخل الإيجابي لمصلحة المواطن في كل ذلك، طالما تم ابتلاع دور المنافسة مع القطاع الخاص (بالسعر والمواصفة)، مع الفرصة الإضافية لهذا القطاع للاستفادة من بيع المزيد من السلع والمواد عبر صالات المؤسسة المنتشرة، مع ضمان أرباحه منها طبعاً؟

بدلاً من الاستجداء!

إن الإمكانات المتوفرة للمؤسسة، كما سبق أعلاه، تعتبر ميزة لا يتم استثمارها كما يجب، أو كما هو مفترض، كي تقوم فعلاً بدورها المرسوم كجهة تدخل إيجابي لمصلحة المستهلكين، وكي تكون فعلاً أكبر تاجر في السوق، وليس ادّعاءً خلبياً!
فلكي تتمكن المؤسسة من التخلص من تحكم الموردين من القطاع الخاص بها وبالسوق، وتقوم بدورها الإيجابي، وبدلاً من رسائل الاستجداء أياً كانت صيغتها، ربما من الأفضل العمل على تحسين شروط عملها، وذلك ممكن بحال توفر النية الجادة في ذلك رسمياً عبر:
إعادة الاعتبار لما تبقى من قطاع الدولة المنتج (الصناعي والزراعي والغذائي)، وتذليل صعوباته ومعيقاته، مع تخفيض تكاليفه، وخاصة ما يتعلق بهوامش النهب والفساد فيه، بحيث يصبح مصدر توريد رئيسي للسلع والمواد المنافسة فعلاً بمنافذ السورية للتجارة.
تذليل صعوبات ومعيقات القطاع الخاص الوطني المنتج، وتأمين مدخلات ومستلزمات عمله وإنتاجه، وخاصة حوامل الطاقة، بما يساعد في خفض تكاليفه، كي تكون سلعه المنتجة من روافد التشكيلة السلعية في المؤسسة.
أن تقوم المؤسسة باستيراد بعض المواد والسلع، غير المنتجة محلياً، مباشرة لحسابها، دون الاضطرار لاستجداء الموردين بهوامش أرباحهم.
أن تستعيد استثمار جميع صالاتها من قبلها ولحسابها.
وغيرها من النقاط بما يتعلق بإدارة عملها، وبما يحقق مصلحة المستهلكين كدور إيجابي.
مع عدم إغفال بعض السياسات العامة والهامة الأخرى المتعلقة مثلاً بالأجور والتعويضات والحوافز و..
فهل من نية وقرار رسمي يعيد للمؤسسة دورها الإيجابي فعلاً، بدلاً من الادعاء والاستجداء؟!
أم إن السياسات المحابية لمصالح أصحاب الأرباح ستبقى هي السائدة، وبالتالي فإن الامر لن يقف لاحقاً عند حدود الاستجداء كما يجري الآن، بل قد يصل إلى حد التخلي عن المؤسسة نفسها بجميع منافذها وصالاتها لمصلحة القطاع الخاص، وليس عن دورها فقط!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1105
آخر تعديل على الإثنين, 16 كانون2/يناير 2023 09:53