الدواء.. أزمة مستمرة على حساب المرضى
رند الحسين رند الحسين

الدواء.. أزمة مستمرة على حساب المرضى

ضمن مسلسل الأزمات المتواصل الذي تتسارع وتيرته يوماً بعد يوم، تعود أزمة الدواء لتتصدّر المشهد جنباً إلى جنب مع أزمة الوقود والمواصلات.

فقد صدرت يوم الأربعاء الماضي نشرة أسعار جديدة للأدوية، ارتفعت على إثرها أسعار حوالي 20 صنفاً من الدواء، بما فيها الصادات الحيوية الأساسية كالأزيثرومايسين والأوغمنتين والليفوفلوكساسين، وأدوية الغدة وأحد أنواع أدوية القلب، وأدوية معالجة الصرع، وبعض أدوية الكورتيزون وغيرها.

الحجج نفسها

في محاولة لفهم أسباب الارتفاع، لفت عضو مجلس نقابة الصيادلة محمد نبيل القصير- لصحيفة الوطن- إلى «الصعوبات التي تواجهها المعامل المصنعة للأدوية في ظل الظروف الحالية، وخصوصاً ما يتعلق بتأمين المحروقات للمعامل، والصعوبات التي تواجهها في هذا الصدد، إضافة إلى صعوبات استيراد المواد الأولية الداخلة في إنتاج الأدوية، نتيجة العقوبات الاقتصادية الجائرة على سورية» مشيراً إلى أنّ نسبة الارتفاع تراوحت بين 22-26% وهي نسبة قليلة بحسب قوله، وقادرة على «سد الفجوة لدى صاحب المعمل، ومساعدته في أن يستمر في عملية الإنتاج»، مضيفاً: «إنه من واجبنا الوطني أن نستمر في توفير الدواء الوطني» في إشارة واضحة إلى أن توفير الدواء لن يتم دون ارتفاعٍ للأسعار!

لم تحل الأزمة!

الواقع يقول: إن ارتفاع الأسعار لم يحل أزمة انقطاع الدواء، حيث ما زالت بعض أصناف الأدوية مقطوعة، بعضها لأن سعرها لم يرتفع، وبعضها الآخر تأثر بأزمة الوقود!
فقد توقف عدد من مستودعات الأدوية عن بيع وتوصيل الأدوية للصيدليات بسبب أزمة البنزين، كذلك خفّضت العديد من المستودعات عروضها للصيادلة، ما أثر بشكل مباشر على حركة البيع في الصيدليات، وجعلها تشهد ركوداً مضاعفاً!
يقول أحد الصيادلة: «لا نبيع الدواء في الصيدلية بقدر ما نقوم بتعديل أسعار الأدوية، وهذا بحد ذاته يخفف من حركة البيع، حيث يعاني العديد من المرضى من عجز في قدرتهم على شراء الدواء بعد تعديل سعره، فيضطرون إما لاستبداله ببديل أرخص أو الاستغناء عنه كليّاً، ما يضع صحة الناس وحياتهم على المحك، حيث يلجأ العديد منهم في ظلّ تردّي الوضع الغذائي إلى تعويض النقص لديهم بأدوية المتممات، والتي كانت سابقاً محصورة بفئة كبار السن، ولكن سوء التغذية اضطر حتى الشباب والصغار بالعمر إلى اللجوء إليها».

ارتفاع مستمر خارج النشرة المعلنة

الجدير بالذكر، أن صدور نشرة الأسعار الجديدة لم يوقف عمليات ارتفاع أسعار الأصناف الأخرى التي لم يرتفع سعرها في النشرة!
تقول إحدى الصيدلانيات لقاسيون: «خلال الأيام التالية لصدور النشرة تم إرسال تعديلات للأسعار إلى حوالي عشر شركات أدوية، بالإضافة إلى ارتفاعات في أسعار أغذية الأطفال كالبرينتولاك الذي أصبح سعره 5000 بدلاً من 4000. كذلك ارتفعت أسعار بعض المتممات الغذائية بنسبة تزيد عن 100% حيث ارتفع سعر أحد هذه المتممات من 4800 إلى 10000 ليرة خلال أقل من 8 أشهر فقط».
وتضيف الصيدلانية: «قمنا بعملية تعديل الأسعار لأدوية بعض الشركات حوالي ثلاث أو أربع مرات خلال سنة واحدة فقط، والمشكلة في نشرة الأسعار الأخيرة هي أنّ الارتفاع لم يشمل كل الدواء، ما يعني أنّنا على موعد مع نشرة ثانية وثالثة، ومع أزمات انقطاع جديدة للدواء، ريثما تصدر تلك النشرات!»

كغيره من الأسواق تحكماً واستغلالاً

أزمة الأدوية ربما تكون أعمق وأشمل من موضوعة رفع الأسعار كذريعة وتبرير لقلة المعروض من الأدوية أو فقدانها، برغم نتائجها السلبية على صحة المواطنين بالنتيجة!
فسوق الدواء كغيره من الأسواق بشبكاته وأدوات التحكم فيه، والمستفيدين منه بالمحصلة من أصحاب الأرباح، وكذلك حال الانفلات في هذه السوق على مستوى السعر والنوع والمواصفة والمصدر، مع فارق نوعي، أن المتضرر من هذا السوق، وهو المريض، لا يدفع الضريبة على المستوى السعري فقط، بل ويدفعها على حساب صحته أيضاً!
بالمقابل، تتعامل الحكومة مع هذه السوق، تماماً كما تتعامل مع غيره من الأسواق، بما في ذلك تسويق التبريرات والذرائع له، مع ترك المتحكمين فيه من أصحاب الأرباح ليسرحوا ويمرحوا كما بدى لهم، بغاية الحصول على أعلى هامش من الربح الممكن، وبغض النظر عن الضريبة على المستوى الصحي التي يدفعها المواطن المريض!
فالتغني الرسمي المكرر بأن الإنتاج المحلي يغطي نسبة 90% من الاحتياجات المحلية في هذه السوق قد سقطت عدة مرات، وما زالت تسقط مع استمرار حال فقدان بعض الأدوية، بغض النظر عن كل الذرائع المساقة لتبرير هذا الفقدان!
فآليات رفع الأسعار التي تطال الأدوية بين الحين والآخر، بمبرراتها وذرائعها المختلفة، لم تكن كافية للجم السوق والمتحكمين فيها عن استمرار استغلالهم المضاعف للمرضى المحتاجين، مع كل الإهمال واللامبالاة الحكومية تجاه هذه السوق، وتجاه المواطنين وصحتهم!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1101
آخر تعديل على الخميس, 22 كانون1/ديسمبر 2022 14:57