تعويض التفرغ.. والموارد الذاتية للجامعات!
عادل ابراهيم عادل ابراهيم

تعويض التفرغ.. والموارد الذاتية للجامعات!

أصدر رئيس مجلس الوزراء قراراً بتاريخ 15/12/2022 يقضي بمنح أعضاء الهيئة التعليمية المتفرغين في الجامعات الحكومية والجامعة الافتراضية السورية والمعهد العالي لإدارة الأعمال والمعهد العالي للدراسات والبحوث السكانية تعويض تفرغ إضافي شهري من الموارد الذاتية في كل منها.

يبدو القرار الحكومي أعلاه من حيث الشكل إيجابياً ويصب بمصلحة أعضاء الهيئة التعليمية، وتبدو الحكومة من خلاله حريصة على مصلحة هذه الشريحة وحقوقها!
لكن ماذا عن المضمون، وهل من جديد فعلي فيه؟!

لا جديد.. ومشكلة هزالة الأجر لا تحلها متمماته!

من الناحية العملية لا جديد في مضمون القرار الحكومي أعلاه، فهو قرار دوري يصدر سنوياً وفقاً لقانون التفرغ رقم /7/ لعام 2006 الذي سبق أن أُقر بحسب مواده منح تعويض التفرغ وتعويض التفرغ الإضافي لأعضاء الهيئة التعليمية.
فالحكومة، بإصدارها للقرار أعلاه، لم تأت بأي جديد على الإطلاق بما يخص حقوق أعضاء الهيئات التعليمية في الجامعات الحكومية، لكنها حرصت أن تبدو أنها أضافت جديداً بهذا الشأن، من خلال إعادة عرض نسب التعويض الممنوح.
فقد تضمن القرار الحكومي نسبة تعويض التفرغ من الراتب الشهري المقطوع، حيث يتم منح تعويض 100% لعضو الهيئة التدريسية أو البحثية، وتعويض 50% لعضو الهيئة الفنية، وتعويض 25% للمعيد، على أن يبدأ صرف تعويض التفرغ الشهري الإضافي اعتباراً من 1/1/2023 على أساس الراتب الشهري المقطوع في العام 2022، مع التذكير بعبارة «من الموارد الذاتية»!
فماذا تعني النسب أعلاه كتعويض على أساس الراتب المقطوع في العام 2022؟
إنه يعني بكل بساطة أن أصحاب الحقوق سيحصلون على تعويضات شهرية هزيلة توازي هزالة أجورهم!
فأجر بدء التعيين لحملة شهادة الدكتوراه مثلاً هو 112 ألف ليرة، وسقف الأجر هو 156 ألف ليرة، أي إن الأجر مع التعويض بنسبة 100% يصبح بأحسن الأحوال بحدود 300 ألف ليرة فقط لا غير، وذلك لأعضاء الهيئة التدريسية المتفرغين والواصلين إلى سقف أجر فئتهم، أي من أصبح منهم بعمر 60 عاماً وما فوق ربما!
فهل هناك عجب بعد ذلك من تراجع أعداد أعضاء الهيئات التدريسية في الجامعات، والاضطرار رسمياً لتمديد سني خدماتهم إلى حدود 75 عاماً لترميم جزء من فجوة الحاجات العددية اللازمة في كل جامعة حكومية؟!
فالمشكلة الأساسية هي في الأجر الهزيل والتطفيشي نفسه بالمقارنة مع تكاليف ضرورات الحياة، والتي لن تغطيها متممات الأجر بحال من الأحوال، مهما بلغت نسبها!

التحلل الرسمي من المسؤوليات

ربما ما يجب الإشارة إليه هو أن كتلة الإنفاق على التعويض المنصوص عنه قانوناً أعلاه، يتم تمويلها من الموارد الذاتية للجامعات، كما غيره من النفقات الكثيرة الأخرى التي تم تحميلها لهذه الموارد!
فالحكومة قد حللت الخزينة العامة للدولة من جزء هام من التزاماتها وواجباتها المالية المفترضة تجاه التعليم والعملية التعليمية في القطاع الحكومي، توافقاً مع سياسات تخفيض الإنفاق العام، وتكريساً لتقليص وتهميش دور الدولة وابتلاعه تباعاً!
فماذا يعني ذلك، وكيف سينعكس على الجامعات بعملها وأدائها، وعلى الطلاب وخدماتهم، بل وعلى سياسات الاستيعاب ومعدلات القبول الجامعي أيضاً؟

جيوب الطلاب هي الموارد!

المصادر الأساسية للتمويل الذاتي للجامعات الحكومية كموارد مالية تتأتى من:
التعليم المفتوح والتعليم الموازي بشكل رئيسي، أي من الطلاب المقبولين في هذه الأنظمة التعليمة الجامعية المأجورة (رسوم تسجيل ورسوم مواد وغيرها).
بالإضافة إلى بعض الموارد الأخرى المتمثلة برسوم تسجيل الطلاب في التعليم العام.
أو من بدلات استثمار الندوات الجامعية وبعض الأكشاك الخدمية داخل الحرم الجامعي، والتي يتم تحصيلها مع هوامش ربحها من جيوب الطلاب أيضاً!
وبمعنى أكثر مباشرة فإن الموارد الذاتية للجامعات يتم تحصيلها وجبايتها بشكل مباشر أو غير مباشر من جيوب الطلاب، على حسابهم وحساب ذويهم بضرورات حياتهم ومعاشهم وخدماتهم!

أوجه صرف كثيرة وكبيرة بكتلتها!

أما أوجه صرف هذه الموارد فمن المفترض أن تتوجه إلى:
تأمين مستلزمات العملية التعليمية وتجهيزاتها، وصيانتها وترميم نواقصها كلما تطلب الأمر ذلك.
مكافآت التفرغ السنوي لأعضاء الهيئة التدريسية والتعليمية في الجامعات.
مكافآت الإشراف على رسائل الماجستير والدكتوراه ومشاريع التخرج وعضوية لجان التحكيم والمجالس الجامعية.
نسبة محددة من عائدات التفرغ لتوزّع على العاملين الإداريين والمخبريين في الجامعات.
ونسبة أخرى لتطوير وإغناء مشاريع البحث العلمي.
ونسبة لأعمال الترميم الخاصة بالمخابر والمرافق الجامعية.
وغيرها من النثريات الكثيرة الأخرى.
وهذه الضرورات الهامة كأوجه صرف تعتبر كبيرة بحجم نفقاتها المترتبة، وهناك عجز فيها على مستوى الجامعات الحكومية غالباً!

التوازن المطلوب والخيارات المحدودة!

في ظل محدودية الموارد الذاتية بسبب التحلل الحكومي من المسؤولية، بالتوازي مع واقع زيادة الإنفاق على الضرورات بسبب انفلات الأسعار بذرائعه ومبرراته الكثيرة، تبدو المعادلة مستحيلة على مستوى التوازن المطلوب بين الإيرادات والنفقات لهذه الموارد، وبما يضمن الحقوق والالتزامات بالنتيجة!
فما هي الحلول المعمول بها لإعادة هذا التوازن عملياً؟!
إن الخيارات بهذا الشأن مقتصرة على شقين:
إما بزيادة الموارد من خلال زيادة أعداد المقبولين في أنظمة التعليم المفتوح والموازي المأجورين، وهو ما يجري عليه العمل وخاصة في التعليم الموازي، حيث بلغت نسبة القبول في التعليم الموازي للعام الحالي 50%، أي تخفيض أعداد المقبولين في التعليم الحكومي المجاني عاماً بعد آخر، مع زيادة الرسوم الخاصة بأنظمة التعليم المأجورة هذه (للتسجيل وللمواد)!
أو بمزيد من ضغط الإنفاق على المستلزمات والتجهيزات، وعلى عمليات الترميم المطلوبة للمرافق والمخابر الجامعية، أي مزيد من ترهلها وصولاً إلى إنهاكها وتوقفها أو خروجها عن الخدمة، وهو ما جرى ويجري، ولعل مثال واقع بعض المخابر في الكليات العلمية دليل فاقع على ذلك!
وهذا وذاك من الخيارات يعتبر كارثياً على مصلحة الطلاب، وعلى العملية التعليمية برمتها، وعلى التعليم الحكومي المجاني الذي يتم تقليصه عاماً بعد آخر، على حساب الغالبية المفقرة العاجزة عن تحمل تكاليف أنظمة التعليم المأجورة!

السياسات التدميرية

إن تكريس التحلل من المسؤوليات المالية للدولة عبر نمط التمويل الذاتي للجامعات من مواردها الذاتية، حتى على مستوى حقوق أعضاء الهيئات التعليمية في الجامعات الحكومية بالتعويضات وبعض متممات الأجر الأخرى، مع تكريس إبعاد الدولة عن دورها الاجتماعي في التعليم الحكومي الجامعي المجاني من خلال زيادة أعداد المقبولين في أنظمة التعليم الحكومي المأجور، وفي ظل استمرار سياسات الاستيعاب والقبول الجامعي، والسياسات التعليمية الطبقية والتطفيشية، وسياسات تخفيض الإنفاق العام، وجملة السياسات الاقتصادية الأخرى، وخاصة السياسات الأجرية، فإن واقع قطاع التعليم الجامعي الحكومي سيستمر في الانحدار والترهل أكثر فأكثر، كحال بقية قطاعات الدولة الهامة الأخرى!
ولا حلول لاستعادة دور الدولة على مستوى العملية التعليمية وقطاعها، أو على بقية القطاعات والمستويات الهامة الأخرى، إلا من خلال إنهاء جملة السياسات التدميرية المتبعة بجوهرها الليبرالي، التمييزي والطبقي الفج، التي طالت موبقاتها كل قطاعات الدولة، سعياً نحو إنهائها أو تخصيصها!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1101
آخر تعديل على الخميس, 22 كانون1/ديسمبر 2022 14:59