حماية الليرة تبدأ بإنهاء السياسات التي تضعفها!
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

حماية الليرة تبدأ بإنهاء السياسات التي تضعفها!

قالت صحيفة الوطن بتاريخ 13/12/2022، إن مصــرف سوريـــة المـــركـــزي تــدخل بتاريخ 12/12/2022 في سوق الصرف في مختلف المحافظات السورية حيث تم تسجيل تراجع لقيمة الدولار بما يقارب وسطياً ٢٠٠ ليرة سورية لكل دولار في السوق غير النظامية، وذلك في أول يوم تداول بعد العطلة.

فهل من الممكن التعويل على إجراءات المصرف المركزي، أو جملة السياسات النقدية المتبعة، من أجل الحد من تراجع قيمة الليرة أمام الدولار، ومن الآثار والنتائج التضخمية الكارثية التي تدفع بالمزيد من السوريين نحو الجوع والعوز، وبالبلاد نحو الفوضى وتكريس التقسيم؟!

«مصدر مصرفي» يصرح!

وقد نقلت الصحيفة عن «مصدر مصرفي» إن: «تدخل المركزي طوال يوم أمس كان على مراحل وسيتواصل اليوم أيضاً وقد يكون التدخل بسيطاً أو حاداً وفقاً لمعطيات السوق، وقد يستمر هذا التدخل لأيام عدة إلى أن يتحقق الاستقرار في سعر الصرف ويضع حداً للمتلاعبين والمضاربين بالعملة الوطنية».
وبحسب «المصدر المصرفي» أيضاً: «فإن اختيار وقت التدخل يحدده المركزي الذي يتابع بشكل آني ما يحصل في السوق من مضاربات ويتخذ قراره بالتدخل في الوقت الذي يراه مناسباً، مؤكداً أن قيمة الليرة ستستمر بالتحسن طوال الفترة القادمة، ومتمنياً على التجار تخفيض الأسعار بالتوازي مع تحسن قيمة الليرة».
فهل من جديد فعلي وملموس بعد هذا التدخل؟!

الآليات المتبعة ولمصلحة من!

ما لم تتم معرفته، او التصريح به من «المصدر المصرفي»، هو تفصيلات وآليات تدخل المركزي في سوق الصرف، وكيفيتها!
فهل تم ذلك من خلال:
زيادة عرض الدولار، عبر جلسات البيع مثلاً؟
مزيد من التقييد لحركة الليرة، وتجفيفها من السوق؟
زيادة مخصصات القطع لتمويل بعض المستوردات بسعر الصرف الرسمي؟
الحملات الأمنية على المضاربين، وملاحقتهم وتقييد عملهم؟
تغيير معدلات الفائدة؟
فهذه هي الآليات المتبعة من قبل المصرف المركزي عادة للتدخل في سوق الصرف، وبما يتوافق مع السياسات النقدية، وجميعها مجربة ولعدة مرات دون جدوى غالباً، إن لم يكن لها نتائج سلبية، فالتحسن الذي يتم تسجيله بنتيجة هذه الآليات من التدخل، إذا وجد، يعتبر محدوداً ومؤقتاً!
وبشكل عام، وعلى اعتبار أنه لم تصدر تعليمات جديدة بخصوص تقييد تداول الليرة، أو بتغيير معدلات الفائدة، فإن:
التدخل عبر زيادة المعروض من الدولار، بحال تم ذلك، فهو غالباً ما يصب بالنهاية في مصلحة ولحساب البعض المتحكمين بسوق الدولار ولمصلحتهم كما جرت العادة!
وإن كان من خلال زيادة حصة تمويل بعض المستوردات بالسعر الرسمي فهي أيضاً تصب في حساب ومصلحة حيتان الاستيراد المتحكمين بسوق السلع، وهو أمر قائم ومستمرّ!
أما إن كان التدخل من خلال العمل الأمني على المضاربين فغالباً ما يكون قرابينه هم صغار المضاربين وليس كبارهم، وبالتالي كأنك يا أبا زيد ما غزيت!
وبغض النظر عن الآلية المتبعة من المصرف المركزي، فقد مضى على تدخله المعلن بشكل غير رسمي، ومتابعته الآنية لما يحصل في السوق من مضاربات، أسبوع حتى الآن، ولم يلمس المواطن بالمقابل أية نتائج إيجابية منه!
فلا سعر الصرف استقر، وما تم الإعلان عن كسبه على مستوى قيمة الليرة مقابل الدولار تبخر وزاد عليه، أما على مستوى الأسعار فقد استشاطت ارتفاعاً بشكل كبير!
بالمقابل لم يصدر أي توضيح رسمي من المصرف المركزي، نفياً أو تأكيداً، حول ما نقل عن «المصدر المصرفي»، ولا حول استمرار التدهور بالليرة مقابل الدولار!

لا حل إلا بالتغيير الجذري والشامل

بمطلق الأحوال لا رهان على السياسات النقدية المتبعة من قبل المصرف المركزي، ولا على الآليات المتبعة من قبله بالاستناد إليها وإلى جملة السياسات الاقتصادية الأخرى!
ولا ننسى بهذا الصدد أن مهماز المضاربة الأساسي على الليرة كان وما زال هو الفارق السعري الكبير بين السعر الرسمي وسعر السوق مقابل الدولار، والذي كرسته آليات عمل المركزي على مدار السنين الماضية على شكل مسلسل متتابع من ملاحقة سعر السوق الموازي من قبل المركزي دون الوصول إليه، بالتوازي مع انعدام الجدية بحماية الليرة ورفع قيمتها من خلال تنشيط الاقتصاد الحقيقي وزيادة فاعليته ودوره، من أجل تحجيم دور ونشاط السوق الموازي بالحد الأدنى، وتقليص سعر الدولار فيه ما أمكن!
فحماية الليرة، بحال توفر النية والقرار في ذلك، تبدأ من خلال زيادة الإنتاج الحقيقي (الزراعي- الصناعي)، مع تخصيص ما يكفي من الموارد والدعم لتحقيق ذلك، وتمر من خلال تقويض أعمال ومصالح حيتان النهب والفساد والتجارات السوداء، التي تتركز أعمالهم في الأسواق غير الشرعية، التي يتركز الدولار فيها، وتتم مبادلته والمضاربة عبره وتهريبه من خلالها، ولا تنتهي بإزاحة الدولار من التبادلات التجارية، أو الحد من ذلك قدر الإمكان، مع الكثير من الإجراءات الاقتصادية الضرورية والهامة الأخرى!
أي يجب تغيير السياسات الليبرالية، التي أفقرت العباد وضحت بوحدة البلاد، جملة وتفصيلاً، وذلك كشرط أساسي، من أجل:
الحفاظ على ما تبقى من اقتصاد إنتاجي منهك، قبل فوات الأوان.
الحفاظ على الليرة وحمايتها قبل استكمال انهيارها.
وقف مسار الكارثة الإنسانية التي يدفع ضريبتها الغالبية المفقرة من السوريين.
الاستفادة مما تبقى من هامش زمني قبل الوصول إلى الفوضى.
فاستمرار هذه السياسات، ببنيتها الحاكمة والمتحكمة، وبوزن قوى النهب والفساد النافذة بها، كانت وما زالت المعيق الأساسي لأي تغيير منشود، وذلك لم يعد يعني فقط التضحية بالليرة، أو الدفع نحو المزيد من الإفقار والجوع لعموم السوريين، بل يعني الدفع بالبلاد نحو تكريس التفتت والفوضى، على مذبح مصالح هذه القوى!
لذلك فإن التغيير الجذري والعميق والشامل، بالإضافة إلى كونه ضرورة من أجل الخروج من الأزمة، فهو ضرورة تفرضها المصلحة الوطنية العليا، وكل من يراهن على عكس ذلك يضع نفسه بالضد من هذه المصلحة!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1101
آخر تعديل على الخميس, 22 كانون1/ديسمبر 2022 14:59