السكن البديل... مشروع ترفي يسقط آخر أحلام للمفقرين
مشروع السكن البديل الموعود... تبخرت معه أحلام طال انتظارها، أحلام كتب عليها أن تبقى معلقة في أخيلة آلاف الأسر على ما يبدو!
هذا الحلم ورثه العديد من الأحفاد عن أجدادهم الذين لم يكتب لهم أن يلمسوه، ولن يكتب حتى لأبنائهم وأحفادهم أن يتذوقوه، حلم العودة إلى الشعور بالاستقرار والأمان، أن تملك بيتاً بعيداً عن خوف النزوح المتكرر من منزل إلى آخر، بعيداً عن ويلات الاستغلال لحاجتهم والارتفاعات المتكررة لأسعار بدلات الآجار...
لكن هذه الأحلام والآمال المعلقة تم دفنها ووأدها على مذبح سياسات الاستغلال والفساد ولمصلحة المستغلين من أصحاب الأرباح، برعاية رسمية منقطعة النظير!
السكن البديل... ما الجديد؟!
أعلنت المؤسسة العامة للإسكان نهاية الشهر الفائت، بعد طول انتظار مالكي حقوق السكن البديل، عن تخصيص 522 مسكناً من أصل 6000 مكتتب على مشروع السكن البديل في المنطقة التنظيمية الثانية (باسيليا سيتي)، وذلك اعتباراً من تاريخ 14 كانون الأول، ولغاية انتهاء جلسات التخصيص في المكاتب المخصصة لإدارة المشروع في مديرية تنفيذ المرسوم 66 في المزة.
اطلعت قاسيون على إحدى وثائق التخصيص، بما فيها من تفاصيل وشروط ترتب على الموّقع الالتزام بها، وبحسب تفاصيل الوثيقة فإن المسكن الذي تبلغ مساحته حوالي 155.06 متراً، تبلغ قيمته التخمينية 545,044،120 ليرة سورية، ما يعني أن قيمة المتر الواحد تقارب 3,515,053 ليرة سورية.
وعلى المخصص أن يلتزم باستكمال تسديد 30% من القيمة التخمينية للمسكن خلال مدة شهر من تاريخ التخصيص، وإلا فإن التخصيص يعتبر ملغياً والمخصص مؤجل حكماً على أن يتابع في دفع الأقساط المترتبة عليه، كما يتحمل تبعات أي إجراء قانوني لا يطابق التعليمات التنفيذية لمؤسسة الإسكان.
وبحسب الوثيقة يتوجب على المخصص استكمال تسديد مدفوعاته لتصل إلى نسبة 50% من القيمة التخمينية وذلك عند اكتمال 70% من أعمال الهيكل، وفق المدد المحددة بالإعلان، وبحال عدم الالتزام يعتبر التخصيص ملغياً وتعاد مدفوعاته إليه محسوماً منها 10%!
الواقع مؤلم
صُدم المخصصون بهول أرقام القيم التخمينية المعلنة من قبل مؤسسة الإسكان، لتُقتل أحلامهم بامتلاك منزل كما السابق، يريحهم من عذابات سنوات من الحل والترحال بحثاً عن الاستقرار في منزل يناسب قدرتهم على تحمل أعباء ارتفاع تكاليف المعيشة...
تحدث أبو شادي، أحد المخصصين، لقاسيون عن مأساته وأسفه على تعبه الذي أضاعه المرسوم 66، في سنوات قضاها يجمع المال ليبني بيتاً أسرياً كما كان يحلم، مكملاً: لم أتقدم على التخصيص، فليس لدي القدرة على تسديد مثل هذه التكاليف وبالسرعة الزمنية الخيالية المحددة، فأنا رجل متقاعد لا معيل لي سوى الراتب التقاعدي، ولا يكفيني راتبي سوى عدة أيام، كان لدي منزل، أما اليوم حتى لو قمت ببيع أسهمي في المشروع، فالمبلغ لن يشتري لي بيتاً سوى في مناطق المخالفات كعش الورور أو وادي المشاريع، أو إحدى مناطق الريف المدمر الذي لا تتوفر فيه أدنى مقومات الحياة...
تختصر مأساة أبو شادي، حكاية آلاف من الأسر المفقرة، التي كانت تقطن منطقة الرازي والليوان وغالبيتهم أصحاب مهن حرة بسيطة، مزارعون وموظفو دولة، تشابهت أحوالهم وعذاباتهم...
ويأمل مئات المخصصين أن يستجيب لهم كبار المسؤولين في الحكومة، من أجل لقائهم لبحث الإعلان الصادر عن محافظة دمشق لتخصيص 552 مسكناً من أصل 6000 مخصص، بالإضافة إلى مناقشة سبب تأخر تنفيذ بنود مرسوم 66 لعام 2012، والأهم المبالغ الكبيرة التي فرضت على الأهالي، فلا ذنب لهم بالتأخير، علهم يجدون حلّاً لمأساة خسارة ممتلكاتهم إلى الأبد...
لكن حتى هذه الآمال لن تر النور غالباً، فالرسميون يعرفون مسبقاً حال ومآل قراراتهم وتوجهاتهم، ولمصلحة من تؤول بالنتيجة، بل ويضغطون من أجل ذلك مستعينين بقوة القانون والنفوذ!
كم ستربح المحافظة؟!
بحسب وسائل الإعلام فقد وضح أصحاب المكاتب العقارية ممن يتابعون ملف السكن البديل أن القيمة التخمينية للمسكن اليوم ارتفعت بشكل كبير مقارنة بالعامين الماضيين.
حيث كان سعر المتر قبل عامين أي عند استلام دفتر السكن بـ 550 ألف ليرة، أي ما يعادل 200 دولار، وسعر الشقة بمساحة 100 متر يقدر بـ 50 ألف دولار وهذه تكلفة بناء شقة من دون سعر الأرض، بينما اليوم يقدر سعر ذات المساحة بـ 500 مليون، أي ما يعادل 100 ألف دولار، ووفقاً لهم فإن المحافظة تستفيد من كل عملية التأخير في التنفيذ أرباحاً من المالكين، متسائلين هل يمكن أن تكون تكلفة بناء مسكن بـ مساحة 100 متر100 ألف دولار؟
وما يفقأ العين أنه سيتم تسديد 30% من قيمة العقار التخميني وهو على المخطط بل وتم اختيار المساكن من قبل أصحابها دون معاينتها على أرض الواقع، والتساؤل المطروح في ظل الوضع القائم هل سيتم التنفيذ بالسرعة المطلوبة، والمشابهة للسرعة المطلوبة بتسديد 30% من القيمة التخمينية لكامل العقار، أم أن الصعوبات والعراقيل الجديدة ستبدأ بالظهور خلال الأشهر القادمة؟!
كل ما يجري ويحصل حقيقة هو باب لتسريع عمليات النهب، المطلوب تنفيذها بحق أصحاب السكن البديل المستحقين، ودفعهم باتجاه بيع أسهمهم، وتفريغ المشروع من أصحاب الحقوق ليبقى كما كان مخططاً له، مشروعاً ترفياً مخصصاً للنخبة من الأثرياء فقط لا غير، وهذا ما تترجمه جملة الإجراءات التي تقف بالضد من مصالح أصحاب الحقوق، بدءاً من ارتفاع الأسعار التخمينية مروراً بمدة تسديد الدفعات التي تجاوزت قدرتهم...
لقد بات النزوح قدراً أحمقَ ملازماً للسوريين ليس فقط بفعل الحرب التي أدت إلى خسارة منازلهم، بل وبفعل حرب القوانين والمراسيم التنظيمية، حرب من نوع آخر أعلنتها الجهات الرسمية ومن يقف خلفها من كبار رموز الفساد والنهب، لانتزاع آخر ما كان يملك هؤلاء المفقرون المعدمون قبل أن تطحنهم ويلات انفجار الأزمة وسياسات الإفقار والتجويع الرسمية...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1101