المطلوب اليوم لإعادة ألق الذهب الأبيض السوري
ماسة سليمان ماسة سليمان

المطلوب اليوم لإعادة ألق الذهب الأبيض السوري

لا تزال عمليات جني محصول القطن مستمرة حتى تاريخ اليوم في بعض مناطق زراعتها، بينما انتهت في مناطق أخرى...

ويجري الحديث عن محصول القطن وتتبع نتائجه طيلة فترة موسم إنتاجه، نظراً لأهميته كما باقي المحاصيل الإستراتيجية، من الناحية الزراعية والصناعية والإنتاجية والتسويقية في محافظات زراعته «حماة وحلب والرقة ودير الزور والحسكة».
فبالإضافة إلى أنه يؤمن المادة الخام للمحالج ولمعامل الغزل والنسيج، يجري أيضاً الاستفادة من بذوره لشركات الزيوت حيث يوفر جزءاً من زيت الطعام، ومخلفات بذوره تستخدم كمادة علفية، ولا ننسى ما يوفره من فرص تشغيل لآلاف الأيدي العاملة...

تفاصيل لا بد منها

لا بد من التذكير بدايةً ببعض التفاصيل والأرقام الهامة لهذا الموسم، حيث بلغت مساحة الأراضي المزروعة من القطن نحو 24,211 هكتاراً من أصل الخطة المقررة بـ 57,365 هكتاراً، أي بواقع تنفيذ 42% من الخطة الزراعية لهذا الموسم في محافظات الإنتاج، وهي حلب وحماة والرقة ودير الزور والحسكة ومنطقة الغاب، وكما قدر الإنتاج لهذا العام بكمية 66,775 طناً محبوباً، ينتج عنه ما يقدر بـ 22 ألف طن ألياف.
ووفقاً لمدير مكتب القطن في وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي «تعدّ هذه الكمية ضمن المعدلات المقبولة لتأمين استقرار واستمرار العملية الإنتاجية في شركات الغزل التابعة لوزارة الصناعة.».
أما حول نسبة الأراضي المزروعة في المحافظات ومعدلات إنتاجها فهي كما يلي:
الحسكة: أنهى مزارعو محافظة الحسكة جني محصول القطن حيث بلغت الكميات الإنتاج حوالي 18,025 طناً، بينما بلغت المساحات المزروعة حوالي 5,910 هكتار من مجمل الخطة الزراعية البالغة 6,754 هكتار...
دير الزور: بلغت نسبة الأراضي المزروعة بالقطن في المحافظة نحو4950 هكتاراً، وبلغت تقديرات الإنتاج النهائي 9518 طناً، حيث صرح مدير الزراعة في دير الزور أن «تقديرات متوسط إنتاجية الهكتار الواحد من القطن المزروع في المحافظة نحو 2 طن».
حلب: تمت زراعة مساحة 590 هكتاراً من القطن في حلب من أصل الخطة المقررة لزراعة 6797 هكتاراً ومن المتوقع إنتاج 1475 طناً.
الرقة: حيث بلغت المساحة المزروعة في الريف 568 هكتاراً، بينما تقديرات الإنتاج بـ 1,221 طناً.
حماة: يبلغ إجمالي المساحة النهائية المزروعة بالقطن بـ 387 هكتاراً من إجمالي 1,055 هكتاراً من المخطط زراعته، بينما تقديرات الإنتاج 929 طناً، وكانت منطقة الغاب سابقاً قبل الأزمة تنتج أكثر من 30% من إجمالي الإنتاج المحلي...

التراجع نتيجة حتمية

لقد تراجع حجم الإنتاج عن سنوات سبقت انفجار الأزمة السورية، فقد وصل حجم الإنتاج سابقاً إلى ما يقارب 200 ألف طن، وهو رقم كبير أمام حجم الإنتاج الخجول لهذا العام والمقدر بـ 66 ألف طن!
ولن نطيل ونكرر عن الأسباب التي أوصلت إنتاجنا إلى هذا الحد من التراجع، مع نتائجه المريرة على الصناعة أيضاً، فلم يعد خافياً على أحد أن غلاء مستلزمات الإنتاج، من بذار وأجور قطاف ومحروقات، والسعر التسويقي الذي حدد لهذا العام بـ 4000 للـ كغ الواحد، كانت من أبرز الأسباب التي أدت إلى تراجع الإنتاج، نظراً لغياب الدعم الحكومي الحقيقي لأية عملية إنتاج.
كما تعد دورة إنتاج القطن الطويلة من العوامل الإضافية التي أدت إلى تراجع زراعة هذا المحصول الإستراتيجي، ولو أن المردود المادي لإنتاجه كان مرضياً للمزارع لما كان أقلع عن زراعته مقابل زراعة محاصيل أكثر مردوداً على المستوى المادي!

الحصاد السلبي في الصناعة أيضاً

لم يعد التضييق الحكومي حكراً على الإنتاج الزراعي فحسب، بل طال أيضاً الإنتاج الصناعي، أي إن الوأد الحكومي وصل إلى أهم موارد الاقتصاد الوطني على المستوى الإنتاجي...
إن حجم الإنتاج الحالي وما سينتج عنه من قطن محلوج والذي سيسوق إلى شركات الغزل، لن يكون كافياً حقيقة الأمر لتشغيل هذه الشركات، وهذا ما صرح به رئيس اتحاد المهني للغزل والنسيج يوم 7 أيار الماضي بأن «كميات الأقطان الموردة إلى مؤسسة حلج وتسويق الأقطان للموسم الحالي بلغت 6731 طناً ونتج عن عمليات الحلج نحو 2700 طن قطن محلوج تم تسويقها إلى شركات الغزل، إن هذه الكميات كانت غير كافية لتشغيل الشركات وكان لا بد من البحث عن بدائل عاجلة خلال الفترة السابقة لضمان استمرارية الإنتاج والاستفادة من الطاقة التشغيلية للآلات وللعمال عبر تدوير المخازين والاستفادة من العوادم.»
وبالتالي كان لا بديل وفق هذا الواقع المزري عن عمليات استيراد القطن وفق حاجة كل شركة غزل...
بالإضافة إلى أن هذه المنشآت كما غيرها من المعامل في البلاد تحتاج إلى التحديث والتأهيل، ففي سورية يوجد صناعات نسيجية هامة، كإنتاج الخيوط القطنية 100% بكافة أنواعها، بالإضافة إلى خيوط الممزوجة قطن وبولستر وقطن فيسكوز، الخيوط الصوفية 100% والممزوجة، الأقمشة القطنية الخاميّة والمصبوغة والمطبوعة، السجاد الصوفي، الألبسة الداخلية والألبسة الجاهزة والجوارب، إضافة إلى الشاش الطبي.
وهذه الصناعات معروفة بتاريخها العريق وشهرتها خارج سورية، فهي أحد الموارد الهامة لاقتصادنا الوطني، وقد أصابها ما أصابها من تراجع وترهل!

المطلوب مقابل سد الذرائع

المطلوب اليوم دعم زراعة القطن وعودة الألق لمثل هذه الزراعة التي تسهم بتحريك عجلة الإنتاج الصناعي، من خلال تقديم الدعم الحقيقي للمزارعين لتشجيعهم على زراعة مساحات واسعة لإعادة الحياة والألق لحجم الإنتاج الزراعي من القطن، وللصناعة العريقة التي تعمل به...
فاليوم يجري تجميع كميات القطن المستلمة في كل من دير الزور والرقة في مراكز الاستلام ليجري نقلها فيما بعد إلى محلج أبي الفداء في حماة، وقد تقلص عدد المحالج الموضوعة بالخدمة، باعتبار بعضها خرج عن الخدمة بسبب الأعمال التخريبية، والمطلوب إعادة تأهيل هذه المحالج بداية... ثم إعادة تأهيل وتحديث خطوط الإنتاج في شركات الغزل والنسيج والصناعات النسيجية المختلفة، وصولاً إلى شركات الملبوسات القطنية والألبسة الجاهزة.. وليس انتهاءً بدعم الإنتاج الصناعي الخاص في القطاع النسيجي أيضاً..
فلا مبرر لكل ذلك التقصير على مستوى الإنتاج الزراعي والصناعي واستمرار دعمه، سوى لاستخدامها ورقة رابحة لتبرير عمليات الاستيراد لصالح زيادة أرباح قلة من حيتان النهب والفساد، ولو على حساب الإنتاج والعملية الإنتاجية (زراعة وصناعة)، ومصلحة المواطن، وعلى حساب الاقتصاد الوطني....

معلومات إضافية

العدد رقم:
1095
آخر تعديل على الإثنين, 07 تشرين2/نوفمبر 2022 11:42