العدس والحمص من التصدير إلى الاستيراد
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

العدس والحمص من التصدير إلى الاستيراد

صدر كتاب عن وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية بتاريخ 27/10/2022 يقضي بالموافقة على السماح باستيراد (العدس مجروش وحب- الحمص اليابس- الفاصولياء الجافة) شريطة وصول الكميات المستوردة خلال /6/ أشهر كحد اقصى اعتباراً من تاريخ صدور الكتاب.

الكتاب بمضمونه استند إلى مقترح وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، الذي أيدته اللجنة الاقتصادية بتوصيتها بتاريخ 17/10/2022، ووافقت عليه الحكومة بتاريخ 19/10/2022.
فهل الأمر بغاية تغطية احتياجات الاستهلاك المحلي من هذه المواد، وما مصير هذه المحاصيل الزراعية الهامة لاحقاً؟

حضور مصلحة المستوردين وغياب مصلحة المزارعين

تجدر الإشارة في البداية إلى سرعة الأداء في اتخاذ القرارات الحكومية، فالهامش الزمني بين توصية اللجنة الاقتصادية وصدور القرار كان 10 أيام فقط، وهذا يندرج شكلاً ضمن إطار تغطية احتياجات الاستهلاك المحلي، لكنه مضموناً يصب في مصلحة المستوردين.
مقابل ذلك تم تسجيل غياب وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي وبياناتها بما يخص المواد أعلاه، وكذلك غياب دور الاتحاد العام للفلاحين كممثل عن مصلحة المزارعين، باعتبار المواد التي سمح باستيرادها أعلاه تعتبر من المحاصيل الزراعية المحلية الهامة!
أما الغائب الأهم فهو الكميات المسموح باستيرادها من كل من هذه المواد لتغطية احتياجات الاستهلاك المحلي ربطاً مع كميات الإنتاج منها، والاكتفاء بتحديد سقف زمني لوصول الكميات المستوردة، ومهما بلغت هذه الكميات على ما يبدو، وذلك يصب في مصلحة المستوردين دون أدنى شك!
فإذا كانت الغاية من الموافقة هي سد النقص في احتياجات الاستهلاك المحلي، بسبب عدم كفاية الإنتاج الزراعي منها حالياً، فمن المفترض وضع سقوف للكميات المسموح باستيرادها لحين موعد الموسم القادم لمحاصيل هذه الزراعات كي لا تتضرر هذه الزراعات بالمنافسة مع المستورد منها لاحقاً، وكي لا يتكبد المزارعون خسارات إضافية بالنتيجة، وبالتالي مزيد من العزوف عن الزراعة وهجرة الأرض!
فمع غياب بيانات وزارة الزراعة ودور الاتحاد العام للفلاحين غابت مصلحة المزارعين، مقابل حضور مصلحة المستوردين!

من التصدير إلى الاستيراد

المواد أعلاه كمحاصيل محلية كانت كافية لتغطية احتياجات الاستهلاك المحلي منها، مع فائض تصديري وضع سورية في ترتيب منافس من خلالها (عربياً ودولياً)، وذلك قبل سني الحرب والأزمة.
فعلى سبيل المثال، وبحسب قاعدة بيانات منظمة «الفاو»، فقد بلغ الإنتاج المحلي من محصول الحمص في عام 2005 كمية 55 ألف طن، وكان ترتيب سورية هو العاشر عالمياً بكم الإنتاج، وكانت قيمة صادرات سورية من الحمص في عام 2004 هي 12,7 مليون دولار، وكان ترتيب سورية هو السادس عالمياً في تصدير هذه المادة.
وكذلك فقد بلغ الإنتاج المحلي من محصول العدس في عام 2005 كمية 154 ألف طن، وكان ترتيب سورية هو الثامن عالمياً بكم الإنتاج، وكانت قيمة صادرات سورية من العدس في عام 2004 هي 27,9 مليون دولار، وكان ترتيب سورية هو السادس عالمياً في تصدير هذه المادة.
فقد بدأ تراجع الإنتاج الزراعي من هذه المحاصيل، وغيرها من المحاصيل بما في ذلك الإستراتيجية، بالتوازي مع مسيرة تخفيض الدعم على هذا الإنتاج مطلع الألفية، وتحديداً بعد عام 2005، لتأتي مفرزات الحرب والأزمة التي فعلت فعلها بالتوازي مع استمرار سياسات تخفيض الدعم وعوامل الجفاف والمتغيرات المناخية، وصولاً إلى كمّ إنتاج لا يكفي احتياجات الاستهلاك المحلي، والتي كانت مبرراً لفتح باب استيراد المواد أعلاه، كما غيرها من المحاصيل الزراعية الأخرى.
والنتيجة أن سورية انتقلت من مُصدّر محسوب ضمن ترتيب الدول الأوائل المنافسة في هذه المحاصيل، مع عائد تصديري جيد منها يعوّل عليه في الحسابات الاقتصادية العامة، وخاصة في ميزان التجارة الخارجية، إلى مستورد لها!

غياب الخطة الزراعية

في شهر حزيران 2022 بيّن الدكتور المهندس والخبير الزراعي بسام السيد في تصريح لأحد المواقع الإعلامية المحلية أن: «موسم الحمص والعدس لهذا العام كان قليلاً»، وأشار إلى أن «جميع دول العالم تتجه إلى الحفاظ على إنتاجها من القمح والبقوليات نتيجة التغيرات المناخية وارتفاع أسعارها عالمياً، والتوقعات باحتمال حدوث أزمة غذائية، إلا لدينا لا توجد خطة منظمة أو فاعلة لزراعة هذه المحاصيل على الرغم من أهميتها، والإنتاج الكبير الذي كان في سورية سابقاً تراجع بسبب قصور الخطة الزراعية والخسارات المتتالية التي يتعرض لها الفلاح وأوقعته في العجز، فهجر أرضه».

صعوبات ومعيقات

الأمر لا يقتصر على غياب الخطط الزراعية ومتابعتها، بل هناك أسباب كثيرة أخرى، لعل أهمها ارتفاع التكاليف على المزارع، والتي تعتبر من أهم مسبباتها سياسات تخفيض الدعم الجارية، وغيرها من السياسات المعمول بها والتي لا تعير الإنتاج أية أهمية، سواء كان زراعياً أو صناعياً.
فقد بيّن الخبير التنموي أكرم عفيف، عبر إحدى وسائل الإعلام في شهر حزيران الماضي، أن: «سبب فقدان الحمص والعدس هو عزوف الفلاحين عن زراعتهما نتيجة ارتفاع التكاليف، حيث دعا إلى توقع الأسوأ من جهة توفر وارتفاع أسعار البقوليات، لأن الفلاح لم يعد يزرع بعد هذه الخسارات الكبيرة التي مني بها».
ومن الصعوبات يمكن إيراد التالي اختصاراً:
ارتفاع أسعار الأسمدة والمبيدات وبقية مستلزمات الإنتاج الزراعي المتحكم بها، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج والعجز عن تغطيتها، أي الخسارة المحققة، وبالتالي عزوف الكثير من الفلاحين عن الزراعة.
ارتفاع تكاليف حوامل الطاقة (كهرباء- مشتقات نفطية) اللازمة لعمليات الري والسقاية، وعدم توفرها أحياناً، والنتيجة تعرض المزروعات للعطش والجفاف، أي خسارة المزارع.
نقص الآلات الزراعية، وارتفاع تكاليف إصلاحها وصيانتها.
صعوبات توزيع وتسويق وبيع المنتجات الزراعية، فالمتحكم بهذه العمليات هم حيتان أسواق الهال والمصدرون والمهربون، على حساب المزارعين والمستهلكين معاً.
واقع الحال يقول إنه بالإمكان استعادة الإنتاج الزراعي لما كان عليه من الاكتفاء الذاتي بغالبية المحاصيل مع تصدير الفائض منه، بل وبزيادة هذا الإنتاج وتنويعه أيضاً، لكن عدم إيلاء الصعوبات أعلاه، وغيرها، الاهتمام الكافي لتذليلها بما يحقق مصلحة المزارعين واستمرارهم بالزراعة والعملية الإنتاجية، مع غياب الخطط الزراعية الجدية التي يجب أن تترافق مع تأمين مستلزماتها، فإن العزوف عن الزراعة وهجرة الأرض ستزداد، وبالتالي ستتزايد الحاجة الاضطرارية لعمليات الاستيراد، وهو ما جرى ويجري عملياً كسياسة ونهج متبع حتى الآن، والمتضرر من ذلك ليس المزارعين والعملية الإنتاجية فقط، بل عموم المستهلكين، والاقتصاد الوطني ككل!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1095
آخر تعديل على الأربعاء, 09 تشرين2/نوفمبر 2022 12:48