التعمية المستمرة على السياسات الأجرية!
واقع الأجور الحالي يقول: إنها لا تغطي تكاليف الاحتياجات الأساسية لأسرة لمدة يومين فقط، بالمقابل، هناك مسلمات اقتصادية تقول: إن هناك علاقة متعدية ومتشعبة بين الأجور وبين جميع مفاصل الواقع الاقتصادي الاجتماعي، بل والسياسي!
وعند الحديث عن سياسات تجميد الأجور، بظل استمرار الارتفاعات السعرية للسلع والخدمات، فإن أول ما يجب التوقف عنده هو ضعف القدرة الشرائية للعاملين بأجر، وبالتالي، انخفاض معدلات الاستهلاك لهؤلاء، أي المزيد من الجوع والبؤس والتردي الخدمي.
ولا تنفع بعد ذلك كل الإجراءات الترقيعية الرسمية التي يتم اللجوء إليها، بعيداً عن حل جوهر المشكلة الرئيسية المتمثلة بالأجور نفسها، فلا التعويضات قادرة على ردم الفجوة، ولا الحوافز والمكافآت التشجيعية، أو غيرها مما يحسب ضمن «متممات الأجر»، التي هي بالأصل حقوق مصانة افتراضاً!
مثال مستجد
المثال الأخير على هذا النمط الترقيعي المتهرب من حل جوهر المشكلة، هو ما أشار إليه وزير التعليم العالي والبحث العلمي، خلال أعمال المجلس المركزي الثامن لنقابة المعلمين، للدورة النقابية الحادية عشرة، التي جرت بتاريخ 18/10/2022، عن: «وجود مشاريع قيد الدراسة تتعلق بإمكانية فتح سقف الرواتب لأساتذة الجامعات وتأمين سكن لهم».
فالمشاريع التي تحدث عنها الوزير أعلاه، بما يخص بعض حقوق أساتذة الجامعات، مع أهميتها، إلّا أنها لا تختلف من حيث الجوهر عمّا تم إقراره سابقاً بشأن زيادة تعويضات هذه الشريحة، أو رفع سن الإحالة على المعاش الخاص بها، على حساب المتبقي من سني عمرها، أو غيرها من القرارات الشبيهة بما يتعلق ببعض حقوق الشرائح الوظيفية الأخرى في القطاع الحكومي!
فكل هذه المشاريع والقرارات الترقيعية، وعلى الرغم من أنها تمثل بعض الحقوق للعاملين في القطاع الحكومي فقط لا غير، أو التعدي على بعضها الآخر، مثل: رفع سن التقاعد، غايتها الابتعاد عن حل جوهر المشكلة، المتمثلة بتدني الأجور، وبمجمل السياسات الأجرية المعمول بها، والتمويه على هذا الابتعاد والتغييب المتعمد لجوهر المشكلة!
فماذا يعني أن يتم فتح سقف الرواتب لأساتذة الجامعات؟
إنه يعني بكل بساطة ووضوح الحفاظ على حقوق هؤلاء بما يتعلق بالترفيعات الدورية السنوية على الأجر المقطوع، والتي لا تتجاوز 9% كل سنتين!
فهل ذلك يعتبر امتيازاً لهذه الشريحة، أم التفافاً على هذا الحق، مع زيادة في جرعة المنيّة الرسمية لها؟!
الإضرار بمصالح العباد والبلاد
إن الحديث عن التحفيز والتشجيع والمكافآت، وغيرها من الإجراءات الترقيعية والملتفّة على بعض الحقوق لترميم الفجوة، بعيداً عن حل معادلة الأرباح والأجور من خلال إعادة النظر بالسياسات الأجرية لتصبح أكثر إنصافاً، هو وهم كبير، غايته تكريس أنماط الفساد والمحسوبية والتبعية والولاء، وتأبيد حصة أصحاب الأرباح طبعاً!
فالحكومة مستمرة في تعاميها عن حل مشكلة الأجور، بل مصرة على هذا التعامي مع سبق الإصرار، مع كل ما يعنيه ذلك من نتائج سلبية كارثية لا حصر لها، والتي تبدأ بمعدلات الاستهلاك، وتمر بالإنتاج والعملية الإنتاجية، ولا تنتهي بتوزيع الثروة، مع النتيجة الملموسة من كل ذلك، وهي الإضرار الرسمي المباشر بمصالح العباد والبلاد.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1093