الخدمات الصحية وتعمّق التراجع
عبير حداد عبير حداد

الخدمات الصحية وتعمّق التراجع

يعاني القطاع الصحي من تدهور حقيقي يهدد أمن المواطن الصحي، فقد تخطت مشكلته نقص المواد الأساسية من معقمات وضمادات وأبر وغيرها من مواد الإسعافات الأولية، ناهيك عن سوء التشخيص أيضاً وتبعاتها على حياة المواطنين، وصولاً إلى النقص في أعداد الكادر الطبي نوعاً وكمّاً نتيجة الهجرة المستمرة، ومجموعة من الأسباب الكثيرة الأخرى، وأهمها واقع الأجور.

ليصل حجم التدهور المتفاقم إلى تعطل خدمات صحية برمتها ضمن بعض المشافي الحكومية، والذي كان آخرها خبر تعطل أجهزة الطبقي المحوري في المشافي الحكومية في العاصمة دمشق التالية «المجتهد- ابن النفيس- الهلال- المواساة الجامعي»، مع تخوّفات من تعطل الجهاز في مشفى الأسد الجامعي، الذي وصفه المعنيّون بالـ «محتضر» نتيجة الضغط الكبير عليه كونه الوحيد الموضوع في الخدمة!

بين الواقع والتصريحات

فيما يلي إضاءة على واقع أجهزة تصوير «الطبقي محوري» في بعض المشافي الحكومية في العاصمة، بالإضافة إلى أبرز ما جاء خلال التصريحات الرسمية التي ترافقت مع بداية الشهر الجاري.
المجتهد: الجهاز لدى المشفى معطل منذ أكثر من شهر، وتكلفة إصلاح الجهاز باهظة تقدر بمئات الملايين، ووفقاً لمدير المشفى سيتم توفر جهاز جديد خلال مدة تتراوح بين الشهر والشهر ونصف.
المواساة: الجهاز معطل منذ أكثر من أسبوعين، كما تقدّم مدير المشفى بطلب لوزير التعليم العالي، لاستعارة «التيوب» الخاص بجهاز الطبقي المحوري من مشفى جراحة القلب وذلك كحل إسعافي، على أنه سيتم استبدال التيوب الجهاز المتعطل خلال أسابيع!
الأسد الجامعي: يتوفر في الأسد الجامعي جهازا طبقي محوري، أحدهما معطل ويحتاج إصلاحه إلى مبالغ كبيرة، والآخر دخل مرحلة «الاحتضار» ولكنه بقي موضوع في الخدمة، مع تخوف من تعطله نتيجة الضغط الكبير عليه.
يوجد لدى كل من مشفى جراحة القلب والبيروني جهاز طبقي محوري، أما الجهاز في مشفى الأطفال الجامعي فهو معطل أيضاً.

حلول مؤقتة بحلة إسعافية

وفقاً للتصريحات الرسمية يوم 11 نيسان، تم تسليم الجهاز لمشفى المواساة من قبل مشفى جراحة القلب بشكل مؤقت ريثما يتم إصلاح الجهاز المتعطل، ووفقاً لمدير مشفى المواساة فإن الجهاز مخصص للحالات الإسعافية والمقبولين في مشفى المواساة.
كما أكد وزير التعليم العالي أنه تم التواصل مع مشفى البيروني لتقديم المساعدة لمشفى المواساة في تصوير الحالات الضرورية والإسعافية بعد التنسيق بين المشفيين.
وبين اللامبالاة والاستهتار والمبررات غير المقنعة، يبقى المواطن المتضرر الأول من كل ذلك في المحصلة، سواء على مستوى القطاع الصحي أو غيره.
جديد غير موضوع بالخدمة
بالتوازي مع طامة خروج أجهزة الطبقي محوري من غالبية المشافي الحكومية في دمشق، تم الإعلان من قبل وزارة الصحة يوم 13 من الشهر الجاري عن وضع جهاز تصوير الطبقي المحوري متعدد الشرائح بالخدمة الفعلية في الهيئة العامة لمشفى الشهيد ممدوح أباظة في القنيطرة.
ووفقاً لتصريح وزير الصحة فإن الجهاز يخدم نحو مليوني مواطن من محافظات القنيطرة وريف دمشق ودرعا.
ولكن اللافت أنه تم الإعلان عن تزويد مشفى القنيطرة بهذا الجهاز منذ بداية شهر شباط الماضي، ووفقاً للتصريحات الرسمية يوم ذاك فقد وُضِع الجهاز في الخدمة بعد الانتهاء من المرحلة التجريبية وتدريب الكادر الفني المختص على العمل.
ليتبيّن أن الجهاز لم يوضع بالخدمة حتى تاريخ 13 الجاري، أي بعد أكثر من شهرين عن الإعلان الرسمي الأول!
وبالنتيجة، فإن طبقي محوري القنيطرة بقي مع وقف التنفيذ غير المبرر بالمقارنة مع أهمية هذا الجهاز في تخفيف العبء عن نحو مليوني مستفيد من محافظة القنيطرة وما حولها من ريف دمشق ودرعا، بحسب التصريحات الرسمية، بعد أن كان يتم تحويلهم إلى مشافي دمشق، وما يشكله ذلك أيضاً من عبء على أجهزة الطبقي المحوري في مشافي العاصمة دمشق التي كانت تحتضر خلال الفترة الماضية، حتى توقفت عن العمل بشكل شبه كلي في غالبية المشافي، كما ذكرنا سابقاً.
فبرسم من هذا التقاعس والتأخر، ولمصلحة من؟!

التقاعس على حساب عداد أعمار المفقرين

إن الإعلان عن وضع جهاز الطبقي محوري في مشفى القنيطرة بالخدمة، وفي هذا الوقت، ربما جاء كمحاولة مفضوحة للالتفاف على قضية تعطل أجهزة الطبقي محوري في العاصمة دمشق، وتصوير الوزارة أنها تعمل على قدم وساق عبر التغطية الإعلامية التي رافقت زيارة الوزير للمشفى المذكور!
فهذا الالتفاف لا يغطي على كل ذلك التباطؤ والتقاعس في إيجاد الحلول، أو باقتراح الحلول الإسعافيّة، بل يزيد الطين بلة!
فمن جهة تزيد الضغط على بقية الأجهزة التي ما تزال قيد الخدمة وتقلل من عمر الجهاز، ومن جهة أخرى فالأجهزة الموضوعة في الخدمة باتت مخصصة للحالات الحرجة والضرورية فقط، وطبعاً لا ننسى عامل الفساد والمحسوبيات الذي يفعل فعله في تحديد المضطرين (الحالات الحرجة والضرورية)، ما سيزيد الضغط على الغالبية المفقرة باضطرارها إلى اللجوء إلى المشافي والمراكز الخاصة التي تتوفر لديها أجهزة الطبقي المحوري، مع تكلفتها المرتفعة التي تصل بالحد الأدنى إلى نصف المليون، ومن البدهي أن هذا الرقم غير متوفر لدى الغالبية المفقرة من المواطنين، حتى لتكاليف الغذاء الشهري، ما يدفعهم إلى الاستغناء عن بعض الضرورات الملحة صحياً لوضعها ضمن قائمة التنسيقات التي لا يمكن تحمل تكاليفها، ولو على حساب صحتهم وعداد عمرهم رغماً عنهم!

بين الاستغلال والمصلحة الخاصة

ما لا يمكن إغفاله ربما هو دور الصيانة الهام والكبير في الحفاظ على العمر الافتراضي وسلامة الأجهزة والمعدات الطبية، وذلك بدءاً من طريقة التشغيل السليمة، بالإضافة إلى الصيانة الدورية في الوقت المناسب، وذلك للحفاظ عليها بحالة فنية جيدة، ما يتطلب وجود فرق خاصة ذات كفاءة عالية مدربة على صيانة تلك الأجهزة الطبية الهامة، وإن اتباع تلك الخطوات ربما كانت تفي بالغرض لمنع حدوث بعض الأعطال المفاجئة بالحد الأدنى.
فالتعطل شبه الكلي لتلك الأجهزة يشير في نهاية المطاف إلى إغفال أهمية الصيانة الدورية، وذلك يعود إما لعدم توفر فريق صيانة كفء من مهندسي الصيانة الطبية في المشافي، أو أنه أحد أوجه الفساد المستشري في البلد، وأن هذا التعطل بالأجهزة أو التأخر بإصلاحها وصيانتها هو بغاية تخديم فئة محددة لمصلحة تشغيل الأجهزة في بعض المراكز الخاصة!
والنتيجة بعد كل ذلك هي مزيد من الجور الطبقي، فمن معه المال لا يصعب عليه الحصول على العلاج والاستشفاء مهما كانت التكاليف، بينما من لا يملك المال من المفقرين عليه انتظار رحمة رب العباد!

تخفيض الانفاق

إن ما وصل إليه القطاع الصحي من تراجع كارثي الانعكاس على واقع المواطنين الصحي، يعود بأحد أسبابه الرئيسية لحجم الفساد الكبير المتغلغل في مفاصل الدولة، والأهم من ذلك كله هو تراجع الإنفاق الحكومي على قطاع الصحة عموماً عاماً بعد آخر، بما يتوافق مع السياسات الليبرالية المتبعة.
فقد انخفضت تقديرات الإنفاق من 248 مليون دولار في عام الـ 2011، إلى 170 مليون في عام الـ 2015، لتنخفض انخفاضاً حاداً في عام 2021 إذ لم تتجاوز 80 مليون دولار، ما يعني أن تقديرات الإنفاق في 2021 لم تتجاوز 31,7% مقارنةً بتقديرات الإنفاق في 2011.
فكيف ستكون حال القطاع الصحي في ظل الاستمرار بالسياسات الليبرالية؟
وكيف ستكون حال غالبية المفقرين المحتاجين للرعاية الصحية وفقاً لطبيعة هذه السياسات بجوهرها الطبقي المجحف والظالم؟
لا شك أن المعاناة ستبقى مستمرة طالما استمرت هذه السياسات!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1066