التمييز الطبقي الصارخ والمتوحش!
خبران صغيران، غير ملفتين، تم تداولهما خلال الأسبوع الماضي، عبر بعض وسائل الإعلام وبعض مواقع التواصل الاجتماعي، يوضحان الفارق الطبقي والتمييزي الكبير في التعاطي مع بعض القضايا رسمياً.
الخبر الأول يقول: «كشف مدير البيئة في ريف دمشق أن مهنة نبش القمامة غير مرخصة، وفي حال تم إلقاء القبض على من يعمل بها، يتم تغريمه بمبلغ 3000 ل.س.
الخبر الثاني يقول: «مجلس محافظة دمشق يوافق على تأجيل تطبيق قانون إعمار العرصات على ماروتا سيتي لمدة عام، ويتضمن هذا القانون الذي تم تأجيل تطبيقه فرض ضريبة على المقاسم التي لم تحصل على الترخيص، أو لم تستكمل البناء خلال مدد حددها القانون».
زيادة الأرباح مقابل قطع الأرزاق
الفارق الصارخ في مضمون الخبرين أعلاه، أن:
الأول: يخص جزءاً من شريحة المفقرين والمهمشين من أصحاب الأجور الهزيلة، ويطالهم بإلقاء القبض عليهم وبالمخالفة والغرامة بموجب القانون.
والثاني: يخص جزءاً من شريحة أصحاب الأرباح، من أثرياء متعهدي ومستثمري «ماروتا سيتي»، ويعفيهم من المخالفة والغرامة بموجب القانون أيضاً.
مع الفارق الكبير طبعاً بين مبلغ المخالفة الضئيل المحصل لصالح المحافظة على الأول «المخالف» (بضع مئات من الليرات)، ومبلغ الإعفاء الكبير الذي من المفترض أن يعود إلى خزينة الدولة والمحافظة على الثاني «المعفى» (بضع مئات الملايين من الليرات).
ربما لا جديد فيما ورد أعلاه، وخاصة ما يتعلق بمحاباة شريحة أصحاب الأرباح لزيادة أرباحهم، ولو كان ذلك على حساب الخزينة العامة، عبر غض الطرف عن تطبيق القانون، وبغض النظر عن مبررات ذلك، بالتوازي مع استمرار الضغط على المفقرين والمهمشين من أصحاب الأجور، ولو كان ذلك على حساب قطع أرزاقهم الهزيلة، ودفعهم نحو المزيد من التهميش والعوز، بقوة نفاذ القانون، أياً كانت المبررات!
من البؤس إلى المزيد منه!
دون الخوض أكثر في موضوع المفارقة والتناقض بين مضمون الخبرين أعلاه، فإن تسليط الضوء على موضوع نبش القمامة، وفرزها وبيعها من قبل بعض العاملين بهذا المضمار، وهم غالباً من الأطفال والنساء، واعتبارهم مخالفين مما يستوجب ضبطهم ومخالفاتهم وتغريمهم، وبالتالي منعهم من عملهم، هكذا وبكل سطحية وبرود من بوابة الحفاظ على البيئة، رغم أهمية هذا العنوان، يبعد عن الأذهان كل المبررات والأسباب التي تدفع هؤلاء مضطرين للعمل في القمامة، لتبدو هذه الظاهرة الخطيرة وكأنها نزهة مأجورة!
الأنكى من ذلك، أن مدير البيئة في محافظة ريف دمشق يعلم أن هناك من يدير العملية، ويجني مرابحها لحسابه، لكنه بالمقابل يقول: «إن الفقر ليس له علاقة بالموضوع، فلو لم تكن تجارة مربحة لما عمل فيها أحد».
هل من برود أكثر من ذلك في التعاطي مع مثل هذا الموضوع «الظاهرة»، والحديث طبعاً ليس عن مدير البيئة بشكل خاص، بل عن كل نمط العمل والتوجهات الحكومية، التي لم تُعر ظاهرة تفشي الفقر أي اهتمام، وصولاً للعوز والجوع الذي طال الغالبية المفقرة!
ترخيص الاستثمار على حساب الأعمار
أن تضيع أعمار بعض الأطفال خلال عملهم في نبش القمامة وفرزها من الحاويات، فقراً وعوزاً، بعيداً عن أقرانهم في المدارس كما هو مفترض، ليست مشكلة بالنسبة للحكومة على ما يبدو، فالمطلوب هو إيجاد صيغة مقوننة لترخيص استثمار القمامة تحت مسميات مختلفة، لتدر الأرباح المشتركة على المستثمرين بها وعلى الخزينة معاً، وعندما يتم ذلك فإنه سيتم غض الطرف عمّن سيعمل بهذه القمامة، فرزاً وتنقيباً، أطفالاً أو نساء ورجالاً، ومن مختلف الأعمار، وعن ظروفهم وأسبابهم التي دفعتهم مضطرين للعمل بمثل هذه الأعمال، الخطيرة وغير الصحية، وبأجور أكثر من هزيلة!
فالغايات الاستثمارية، وما سيجنيه أصحاب الأرباح منها لها الأولوية، طبعاً على حساب استغلال أعمار وصحة ومعيشة المفقرين من أصحاب الأجور شبه المعدومة، وهو ما يجري بكل فجاجة وقبح وتوحش!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1062