حليبُ الأطفال حبلٌ ملتف على أعناق الآباء
حلقة جديدة من مسلسل رفع الأسعار المكسيكي بطلها هذه المرة حليبُ الأطفال!
فبعد فقدانه من الأسواق عاد للتوفّر بشكلٍ محدود وبأسعار جديدة، حيث ارتفع سعر حليب نان من 12 ألف إلى 17 ألف ليرة للعلبة الواحدة، كذلك حليب كيكوز ارتفع سعره من 10500 إلى 14 ألف، وشمل الارتفاع أيضاً حليب نيدو وفق الآتي: علبة (تنك) نيدو بلس 20 ألف ليرة سوريّة، نيدو أكياس (900 غرام) سعره 28 ألف ليرة سوريّة، بعد أن كان بـ21 ألفاً، نيدو أكياس (350 غ) أصبح بسعر 10600 ليرة، بعد أن كان بـ7500 ليرة.
دوامة الانقطاع والارتفاع
كحال معظم الأدوية السورية، يستمر انقطاع مادة الحليب من الصيدليات بصورة متكررة، يقولُ أحد الصيادلة لقاسيون: «بات من السهل التنبؤ بنوع الأصناف التي سيرتفع سعرها من خلال انقطاعها من الأسواق، ولكن تكمن المشكلة في أن ارتفاع الأسعار لم يعد يحلّ مشكلة الانقطاع، فما زال الحليب يوزّع على الصيدليات بمنطق «الحصص» بحيث تحصل كل صيدلية على عدد مقنّن من علب الحليب مرة واحدة في الأسبوع!
فمثلاً بعد الارتفاع الأخير استطعتُ الحصول على 3 علب فقط من حليب نان 2 و3 علب أخرى من حليب كيكوز 2. علماً أن استهلاك الطفل للحليب يختلف تبعاً للعمر ولمدى حصوله على الرضاعة الطبيعية، ولكنه وسطياً يصل إلى علبة كل 5-6 أيّام، وبالتالي ووفقاً لهذه الأرقام يمكن لصيدلية واحدة أن تؤمن حليباً لحوالي عشرة أطفال فقط كلّ أسبوع (مع الأخذ بعين الاعتبار توافر أصناف أخرى من الحليب لدى الصيدلية).
قرار من غير قرار!
اللافت في هذا الارتفاع هو عدم وجود قرار رسمي أو تعميم خاص به، حيث كان آخر قرار برفع سعر الحليب بتاريخ 25/9/2021 أي منذ حوالي خمسة أشهر، وكان ذلك الارتفاع آنذاك استجابةً من وزارة الصحة لطلب أصحاب المستودعات المتعاملين بالحليب برفع الأسعار، أمّا هذه المرة فقد صرّح مصدر في نقابة الصيادلة لأحد المواقع الإلكترونية بأنّه: «لا يوجد قرار أو تعميم برفع أسعار حليب الأطفال، مرجحاً أن يكون الأمر يتعلق بالشركة المنتجة».
وقد حاول موقع إلكتروني آخر التواصل مع نقيب الصيادلة للاستفسار أكثر عن هذا الأمر، ولم يتم الحصول على أي ردّ حتى وقت كتابة هذا المقال، ممّا يستدعي التساؤل حول دور النقابة والوزارة وموقفهما من عمليات النهب والاستغلال الجارية، ومن مسلسل انقطاع وارتفاع أسعار الأدوية والمواد الأساسية في الصيدليات!؟.
حسبة بسيطة بأرقام كارثية!
إذا احتاج الطفل إلى خمس علب حليب في الشهر فإن ذلك سيكّلف حوالي 50 ألف ليرة شهرياً (الكلفة لنوع الحليب الأرخص والذي يقدر سعره بـ9800) أو 85 ألف شهرياً لنوع الحليب الأغلى! علماً أن وسطي الأجور بعد الزيادة الأخيرة أصبح حوالي 90 ألف ليرة سورية فقط، أيّ إن راتب الموظف بالكاد يكفيه لإطعام طفل واحد من أطفاله! وهذا ما دفع بعض الأهالي إلى اتبّاع آلية تكديس الحليب خوفاً من فقدانه عبر الخوض في رحلة مطّولة على الصيدليات في مناطق مختلفة لتحصيل ما يمكن تحصيله، ممّا فاقم من حجم الكارثة وزادها سوءاً.
البدائل المتاحة فقيرة وغير آمنة
نظراً لجريمة انقطاع مادة حليب الأطفال وارتفاع أسعارها، لجأ بعض الأهالي إلى الاعتماد على ماء الأرز والنشاء كبديل لتغذية أطفالهم، ولكن حقيقةً لا يمكن بحال من الأحوال الاستعاضة عن الحليب بشيء آخر، فبالإضافة إلى فقدان البدائل للمواد الغذائية الأساسية التي يحتاجها الطفل للنمو، هنالك دراسات تؤكد خطر الاستخدام الوحيد والمطوّل لماء الأرز، حيثُ يحذّر مركز التحكم بالأمراض ومنعها CDC من وجود نسبة من مادة الأرسينات (الزرنيخ) في الأرز وماء الأرز، ما قد يؤثر سلباً على الجهاز العصبي للطفل ويتسبّب بأمراض لاحقة له، وعليه يبقى البديل الوحيد الآمن هو الرضاعة الطبيعية من ثدي الأم، في حال لم يكن هنالك مشاكل صحيّة أو نفسية تعيق عملية استدرار الحليب.
سبب الكوارث واحد
يمكن لأي امرئ عاقل أن يستدّل ببصيرته السليمة إلى المسبّب الحقيقي وراء عملية رفع أسعار الحليب خصوصاً، ورفع أسعار الأدوية عموماً.
فمن يقتل ويخنق الناس بربطة الخبز هو ذاته من يخنقهم بأزمات الفيول والغاز، هو ذاته من يخنقهم بأزمات الدواء والغذاء والمواصلات، وهو ذاته من يخنق أطفالهم اليوم بأزمة الحليب.
فسياسات النهب والفساد لن ترفع يدها عن عنق المواطن حتى تمّص منه ما استطاعت من الدم والعرق والمال، وذلك قبل أن تأتي يدُ التغيير الحقيقي لتقطع تلك الأذرع السامة وترميها في مزبلة التاريخ.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1058