ذرائع العجز بين جيوب المفقرين وحجم الفساد
أعلن وزير النفط والثروة المعدنية، عبر إحدى الإذاعات المحلية خلال الأسبوع الماضي، أن: «الحكومة تعاني من العجز، وسيتم توجيه المبالغ الذي سيوفرها توجيه الدعم إلى قطاعات أخرى، جزء منها لدعم الليرة السورية وبعض الفئات التي أصبحت شبه نادرة في البلاد مثل أطباء التخدير».
فالحكومة، وبسبب معاناتها من العجز، لجأت إلى آليات تخفيض الدعم، بما في ذلك الآليات المتبعة في الاستبعاد منه مؤخراً، تحت عنوان «توجيه الدعم لمستحقيه».
لكن لماذا تتم تغطية العجز عبر جيوب الفقراء فقط دوناً الأثرياء دوماً؟ ولماذا هؤلاء معفيون من هذه المسؤولية؟
سد العجز من البوابات الرخوة لجيوب المفقرين
حديث الوزير أعلاه واضح تماماً بأن مخصصات الدعم هي البوابة الرخوة التي تلجأ إليها الحكومة لتغطية جزء من عجوزاتها المالية، سواء من خلال إجراءات تخفيض الدعم المتتالية، أو من خلال قوائم الاستبعاد الحالية، وصولاً إلى إنهاء الدعم بشكل كلّي، وهذا قد بات واضحاً كنهج حكومي مستمر، بالإضافة طبعاً إلى ما تتفتّق عنه القريحة الحكومية بين الحين والآخر من زيادة في الرسوم والضرائب التي تمس جيوب ومعيشة الغالبية المفقرة فقط، بعيداً عن كبار المكلّفين، المتهربين ضريبياً، والمدعومين حكومياً، والمحميين من خلال جملة السياسات الليبرالية المعمول بها.
أما الغائب الأكبر من الحسابات الحكومية، على مستوى المتاح لكن المستبعد، من أجل سد بعض العجز الحكومي، فهو الكتلة المالية الكبيرة المنهوبة فساداً من مجمل الاقتصاد الوطني.
سورية الثانية في ترتيب مؤشر مدركات الفساد
وبهذا الصدد ربما تجدر الإشارة إلى آخر ما حرر بالنسبة لترتيب سورية في قائمة مؤشرات مدركات الفساد على المستوى الدولي، حيث وصلت للمرتبة الثانية من أصل 180 دولة في هذا المؤشر خلال عام 2021 الصادر مؤخراً.
وبعيداً عن مهاترات التقارير الدولية، ومدى دقتها وصوابيتها، ومقدار تسييسها وتجيير نتائجها، إلا أن الواقع بالنسبة لنا يعتبر مؤشراً أهم من تلك التقارير.
ولا ندري كيف من الممكن أن نوصل التهنئة للحكومة على أدائها منقطع النظير على مستوى مكافحة الفساد، سواء على مستوى الملموس على أرض الواقع، أو على مستوى وصول سورية للترتيب ما قبل الأخير في حجم الفساد وتغوله بحسب بعض المؤشرات الدولية، على الرغم من كل الحديث الرسمي عن هذه المكافحة، الخلبية عملياً!
تراجع الإيرادات والتمويل بالعجز
الحديث عن العجز يدفعنا للحديث عن مصادر الإيرادات، التي من المفترض أن تغطي جزءاً منه، إن لم نقل إطفاء أجزاء هامة من كتلة الإنفاق.
وبعيداً عن الإغراق في الحديث الاقتصادي الذي له مختصوه، فإن ما تجدر الإشارة إليه هي بعض أهم أسباب تراجع الإيرادات:
العقوبات الاقتصادية والحصار.
تضرر القاعدة الإنتاجية وتراجعها (الصناعية والزراعية).
تراجع الاستفادة من الثروات المتاحة واستثمارها.
التركيز على جباية الضرائب غير المباشرة، وغض الطرف عن الضرائب المباشرة، أي التركيز على صغار المكلفين بعيداً عن كبارهم.
الفساد الكبير والناهب.
خروج بعض المناطق عن سيطرة الدولة.
وغيرها الكثير من الأسباب الأخرى طبعاً.
وبكل اختصار فإن مشكلة نقص الإيرادات والعجز لم ولن تحل لا من خلال سياسات تجميد الأجور وتآكلها، ولا من خلال سياسات تخفيض الدعم الجائرة والظالمة، ولا من خلال سياسات تخفيض الإنفاق، ولا من خلال السياسات الضريبية والمالية والنقدية المتبعة، بل ولا من خلال جملة السياسات الاقتصادية عموماً.
كذلك لن يكون الحل الأسهل، المتمثل بسياسات التمويل بالعجز المعمول بها، من خلال بيع السندات الحكومية بالليرة السورية، هو الحل الأسلم، بل سيزيد من تفاقم وتعمق المشكلة عاماً بعد آخر، وخاصة بما يتعلق بالقيمة الشرائية لليرة وتراجعها المستمر، والانعكاسات السلبية لذلك على كافة المستويات.
لذلك فإنه من المفروغ منه، من أجل سد العجز، عبر زيادة كتلة الإيرادات بما يوازي حجم الانفاق المتزايد، من أن يتم تغيير جملة السياسات الليبرالية المطبقة، التي تحول، مع القوى الطبقية الفاسدة والناهبة المستفيدة منها، دون تحقيق ذلك، بل وتزيد الأمر سوءاً يوماً بعد آخر، وعاماً بعد آخر، وهو ما جرى ويجري عملياً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1056