وزارة التربية مستمرة بالتطوير على كوكب آخر!
يبدو أن وزارة التربية في هذا العام، وما قبله، تبدو أكثر نشاطاً بما يخص القرارات والخطوات «التطويرية» التي تراها حلاً لمشكلة التعليم، ويتزامن هذا النشاط مع أشد الأعوام أزمة بما يخص التعليم وانعكاساته السلبية على مستوى الطلاب الفعلي، علمياً ومهارياً ومهنياً، وحتى أخلاقياً، والذين يقفون في الميدان يعلمون بدقة معنى هذا الكلام!
فلا نجد لهذه النشاطات الوزارية سوى أصداء على الصحف الرسمية، وعلى شاشات التلفزة، وعلى مواقع التواصل، أما انعكاساتها على المستوى التعليمي والتربوي فنراها كسابقاتها، لم تقدم ولم تؤخر، إن لم تكن تؤخر فعلاً! كونها استنزافاً لطاقات العاملين في الحقل التربوي، واستنزافاً لخزينة الدولة.
ما هو جديد وزارة التربية في مطلع هذا العام؟
ورد مؤخراً في شهر كانون الثاني خبر في صحيفة البعث يتضمن ما يلي: «تدرس وزارة التربية إمكانية تعديل النظام الامتحاني في الصفوف من الأول وحتى الرابع الأساسي، إذ أجرى مركز القياس والتقويم استبيانات حول التعديل بتوزيع استمارات استهدفت أطراف العملية التعليمية.. مدير المركز الدكتور رمضان درويش أوضح أن نسبة الموافقة على التعديل وصلت إلى 80%، ما يشير إلى موافقة معظم آراء أطراف العملية التعليمية على بنود الاستبيان المتضمنة اقتراح اعتماد ملف الإنجاز ليكون أداة أساسية لتقويم المتعلمين، واستخدام ملف الإنجاز كآلية بديلة للتقويم، وانتقال المتعلمين في الصفوف (1-2-3-4)».
وما لفت الانتباه بما ورد أعلاه، هو أن الموافقة بلغت 80%، ولكن موافقة من؟ وعلى أي أساس؟
إذا كان المعنيون بالعمل التربوي والاختبارات هم المعلمون في الميدان، ومن المعروف أن كل قرارات الوزارة، من تعديل مناهج أو اختبارات، أو أي عمل يخص العملية التعليمية، لا يتم الأخذ برأيهم ولا يتم إلغاء أي إجراء تبعاً لما يرونه مجدياً!
ما هو التعديل وما هو الجديد في الاختبارات؟
حسب ما ذكره رئيس المركز للبعث أن: «ملف الإنجاز يتضمن الأساليب الحديثة: (اختبارات شفوية- المشروع- أوراق العمل- الأداء العملي- الملاحظة- الأنشطة) في تقويم المتعلم، لافتاً إلى ضرورة عقد ورشة عمل تحضيرية مع شركاء العملية التربوية لوضع تصور حول تعديل نظام الامتحانات، مع تصميم حقيبة تدريبية لتدريب المعلمين حول ملف الإنجاز، وطريقة استخدامه كأداة تقويم للمتعلمين».
من المعلوم، أن الوزارة عمدت في العامين السابقين إلى تعديل نتائج الاختبار وتقسيمها حسب النشاط والاختبارات الشفهية والوظائف، وأن درجة الامتحان التحريري لا تشكل إلا 40% من الدرجة الكلية، فما الجديد بهذه التعديلات إذا كانت على منوال سابقاتها؟
فإجراء مثل هذا النوع من الاختبارات الشفهية والتقييم على الأسس المذكورة يحتاج إلى الوقت والجهد الإضافي، الذي لا يتوفر في الحصص الدرسية.
والواقع على الأرض، أن هذا التقييم يقوم به المعلمون بشكل تقريبي حسب درجة الامتحان ونشاط الطالب في الصفوف.
وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن الوزارة ما زالت تدرس وتقرر بمنأى عن الواقع، وتعتمد النظريات الجاهزة بدون تغيير للمعطيات والإمكانات، من كوادر وهامش زمني ووسائل تقنية وغيرها، فهي فقط تعدل لهدف التلميع لواقع التعليم المتردي، الذي تتآكل أهم أركانه، وهما: المعلم والطالب.
عن أي تطور تكنولوجي يتحدثون!
في ظل هذا الواقع المتردي من خدمات عموماً، ترد على لسان رئيس المركز عبارة لا تجد لها مكاناً إلّا في السخرية، وهي: «التطور التكنولوجي والمعرفي»، حيث ورد في الخبر: «واعتبر مدير المركز أن تعديل نظام الامتحانات ضرورة ملحة مع التطور المعرفي والتكنولوجي، ومواكبة المناهج المطورة التي تعتمد على اكتساب المهارات، وإبداعات الطالب والاستنتاج، مؤكداً: أن الوزارة تعمل على التعديل التدريجي في نظام الامتحانات، حيث ستبدأ من الصفوف الانتقالية لكي تصل إلى امتحانات الشهادتين، مضيفاً بأنه سيتم التركيز على جوانب الإبداع والمهارات والمعارف الوجدانية كي يخرج الطالب من الحالة الحفظية التلقينية، ونوعية الأسئلة التي تعتمد على الذاكرة، فالطالب وفق النظام الجديد سيجد نفسه أمام مساحات كبيرة في عملية الاستنتاج، وتقوية شخصيته، وحسن أدائه، وتمكين ثقته بنفسه».
نريد أن نُذكّر وزارة التربية، بأن المدراء والمدرسين عانوا الأمرين من الاختبار التحريري الفصلي، لكتابة النماذج وطبعها فقط، بسبب ساعات التقنين التي تمتد إلى 20 ساعة، مما يضطر الإداريين لفتح المدرسة خارج وقت الدوام لإنجاز عمليات الطباعة، وتكليف المدرسين بوضع الأسئلة قبل 20 يوماً من الامتحان.
أما عن الإنترنت فحدث ولا حرج، إذ تزداد أسعار الباقات ويزداد معها تردي الخدمة بشكل فج، حيث يتعذر فتح رابط أو تحميل أي ملف من الشابكة.
فأي تطور تكنولوجي يقصدون هنا، وهم يرون أننا نقترب بسرعة من العصور الوسطى، وحتى العصور القديمة؟
الأسباب والنتائج
ربما من الأجدر بوزارة التربية أن تعيد النظر لا في الاختبارات فقط، لأن الاختبار هو تحصيل حاصل، وهو بالنتيجة محصلة ما تعلمه الطلاب في المرحلة السابقة له، فالمناهج والمدارس بكل ما تعانيه، وكل المشكلات المتراكمة في البنية التعليمية، من أجور وضعف كوادر وخصخصة معلنة ومبطنة للتعليم، وسوء تعاطي الوزارة والحكومة مع هذه المشكلات، هي التي تقرر نتائج أيّ اختبار.
ولكن على ما يبدو أن الوزارة ما زالت ماضية بسياساتها مع الحكومة بالذهاب لمعالجة النتائج، وبشكل جزئي ونظري، وإهمال الأسباب والجذور الحقيقية للمشكلة!
فمن المهزلة أن يُترك المعلم والطالب والمدرسة في حريق شامل ومدمر بسبب السياسات الحكومية العابثة، ثم يتم الذهاب لتطوير النظام الامتحاني، ونظرياً فقط!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1052