لجنة صناعة السينما والتلفزيون.. الرئيسي والثانوي بين المهام المفترضة والتطوعية
يستمر التفاعل مع تعميم لجنة صناعة السينما والتلفزيون، القاضي بتحريك الادّعاء على كل من ينشر ويصور «لوحات درامية»، أو يقدم «أي محتوى فني» على مواقع التواصل الاجتماعي، دون الحصول على التراخيص اللازمة من جميع الجهات المعنية، وذلك عملاً بأحكام المرسوم التشريعي رقم 17 لعام 2012 الخاص بتنظيم التواصل على الشبكة.
تعميم لجنة صناعة السينما والتلفزيون فتح الباب واسعاً بين مؤيد ومعترض على مضمونه، وخاصة ما يتعلق بالحريات الشخصية، والمزيد من الحد منها والقيود عليها، كذلك أعاد فتح الباب على جملة الصعوبات والمعيقات التي تحول دون إعادة الاعتبار لهذه الصناعة وتطويرها.
مبررات مشروعة.. ولكن!
لا شك أن هناك الكثير من الإسفاف والابتذال بمحتوى ما يعرض على «بعض» مواقع التواصل الاجتماعي، تحت مسمى «عمل فني»، مع الإشارة إلى أن هذا الأمر غير محصور بالمواقع والصفحات المحلية فقط، بل بكل الفضاء الإلكتروني، المفتوح وواسع الانتشار، والأكثر من ذلك، وربما الأكثر أهمية على مستوى الإسفاف والابتذال، هو ما يعرض على بعض القنوات التلفزيونية الفضائية نفسها، من أفلام ومسلسلات تخصص لها الاعتمادات بملايين الدولارات، وهي ذات محتوى فني وفكري وأخلاقي مشوه وتخريبي.
فبحسب مضمون التعميم: «تبدي اللجنة أسفها من حالة الانحلال الأخلاقي والفني والفكري والاستعراض المبتذل الذي يعرض على بعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، ولما في ذلك من أثر بالإساءة إلى المجتمع عامة».
فالعبارة أعلاه كانت بمثابة التبرير لمضمون التعميم الذي فرض على «كل من ينشر ويعمل ويقوم بتصوير لوحات درامية، أو أي محتوى فني يخص مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف مسمياتها، الحصول على التراخيص اللازمة من اللجنة، والموافقات الخاصة بالتقييم الفكري، ومن جميع الجهات المعنية»، وبناءً عليه فإن كل مخالف لمضمونه (من لم يحصل على الموافقات المطلوبة) اعتباراً من تاريخه 5/1/2022، «سيتم تحريك الادعاء بحقه مباشرة وفقاً للمعروض المقدم من اللجنة الموجه للمحامي العام الأول بدمشق، والذي تمت إحالته إلى إدارة الأمن الجنائي (فرع الجرائم المعلوماتية) بتاريخ 2/11/2021، وذلك عملاً بأحكام المرسوم التشريعي رقم 17 لعام 2012، الخاص بتنظيم التواصل على الشبكة».
تجدر الإشارة بداية إلى أن اللجنة، وقبل إصدار تعميمها المؤرخ في 5/2/2022، كانت قد سلّفت بمخاطبة المحامي العام الأول بدمشق من خلال «معروض» تمت إحالته إلى إدارة الأمن الجنائي بتاريخ 2/11/2021، أي قبل شهرين من تاريخ التعميم أعلاه، كما هو واضح!
وبغض النظر عن مدى مطابقة أحكام المرسوم التشريعي رقم 17 لعام 2012، الخاص بتنظيم التواصل على الشبكة، على مضمون ما تم اعتباره «مخالفة» بموجب التعميم، فإن هناك معضلتين في مضمونه:
الأولى تتمثل في «تحريك الادعاء» وفقاً لمضمون العبارة «الفضفاضة»: «كل من ينشر ويعمل ويقوم بتصوير لوحات درامية، أو أي محتوى فني يخص مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف مسمياتها».
والسؤال المشروع الذي يطرح نفسه استناداً لهذه العبارة: إذا كانت عبارة «تصوير لوحات درامية» واضحة نوعاً ما، فمن الذي سيحدد معنى «أي محتوى فني»؟
فقد يتم تحريك الادعاء بناءً عليه مثلاً على من ينشر ملفاً لحفل ما، أو ملفاً تصويرياً خاصاً، بل وحتى ملفاً صوتياً مرفقاً ببعض الصور الخاصة أو العامة، بل وربما مجرد صورة واحدة، حيث يمكن اعتبار أي من ذلك «محتوىً فنياً» يحاسب عليه من لم يحصل على الموافقات المطلوبة باعتباره مخالفاً، وهو ما يمكن اعتباره تقييداً إضافياً، شديداً ومتعسفاً، على الحرّيات، وهو ربما من خارج صلاحيات ومهام لجنة صناعة السينما والتلفزيون أصلاً!
المعضلة الثانية هي في العبارة «الفضفاضة» الأخرى: «الحصول على التراخيص اللازمة من اللجنة، والموافقات الخاصة بالتقييم الفكري، ومن جميع الجهات المعنية».
وهذه لوحدها عليها ما عليها من ملاحظات سلفاً، ليس بالنسبة لما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي، بل على مستوى صناعة السينما والتلفزيون نفسها، فجزء هام من معاناة هذه الصناعة كانت بسبب التراخيص والموافقات الخاصة بالتقييم الفكري، وهو ما سبق أن تم الحديث عنه مراراً وتكراراً من قبل شركات الإنتاج والمختصين بصناعة السينما والتلفزيون!
مشكلات مزمنة واجبة الحل
للتذكير، وحسب وكالة سانا، فخلال اجتماع عقد بتاريخ 14/10/2021 في فندق «داما روز»، بين لجنة صناعة السينما والتلفزيون مع الهيئة العامة للمنتجين، أوضح المحامي بشير عز الدين، المستشار القانوني للجنة، أن: «أهم الإشكالات هي مع اللجان الرقابية، سواء على النصوص أو المشاهدة، إضافة إلى عقبات أخرى تكمن في حماية حقوق المؤلفين والموافقات والتصوير والاستحقاقات النقابية، معرباً عن أمله بأن تتمكن لجنة صناعة السينما والتلفزيون من وضع حلول ناجعة لهذه المشاكل بالتعاون مع وزارتي الإعلام والثقافة».
كذلك: «تحدث المخرج والمنتج فراس مغيزيل، مدير شركة دراما أكاديمي للإنتاج والتوزيع الفني، عن صعوبات يلمسها المنتجون من لجان قراءة الأعمال، والتي تمتنع عن إعطاء الموافقة في كثير من الأحيان، دون محددات واضحة، مطالباً أن يكون القائمون على هذه اللجان من أهل الاختصاص، ككتّاب السيناريو مثلاً».
وبتاريخ 16/11/2021 نقلت صحيفة البعث عن لسان المنتج والمخرج مظهر الحكيم ما يلي: «أهم المشكلات التي تعترض المنتج في سورية موضوع الرقابة التي تتحكم فيها المزاجية والشخصانية في أغلب الأحيان، مع إشارته إلى ضرورة الحفاظ على حق المنتج المادي والمعنوي، وتهيئة الظروف المناسبة لتعود سورية إلى استقطاب المنتجين العرب، ومدّ يد العون للمنتج بتذليل أية عقبات للإنتاج».
وكذلك نقل عن المخرج تامر إسحاق ما يلي: «الإنتاج الدرامي صناعة سورية متميزة، وهي من أهم الصناعات التي تصدَّر للخارج، وأن هذه الصناعة بحاجة إلى ترميم من خلال تعديل بعض القوانين التي تتحكم بها وتقف عثرة في وجهها، والتي أثَّرت على الإنتاج وجعلت المنتجين يتحولون إلى الخارج».
أما المنتج أحمد رضا الحلبي فقد أوضح: «أن أهم الصعوبات التي يواجهها المنتجون في سورية كثرة الجهات الوصائية عليها، بالإضافة إلى مشكلة التصدير واستعادة القطع، والمعيقات الكثيرة أثناء التصوير، مع ضرورة إيجاد ضوابط لعمليات البيع، من خلال العمل على تشكيل اتحاد للمنتجين، لأن ما هو موجود اليوم برأيه هو منافسة غير شريفة وغير صحيحة من خلال أسلوب البيع الذي تتبعه بعض شركات الإنتاج حالياً، وهو أسلوب بسطات (بيع مسلسل جديد مع 3 أعمال مجانية) وهذا برأيه أضرَّ بالدراما السوريّة بشكل كبير، كما أضرَّت الرقابة التي غالباً ما تخضع لمزاجية الرقيب، مؤكداً أن المنتجين يلتزمون بكل المعايير والضوابط الرقابية، شرط تحديدها بشكل دقيق، والاتفاق عليها مع وزارة الإعلام، حتى لا تُترك الأمور مُستباحة من قِبل الرقيب نفسه».
المطالب في واد ومضمون التعميم في آخر
ما سبق غيض من فيض الصعوبات التي تواجهها صناعة السينما والتلفزيون، والتي وضعت بعهدة مجلس إدارة اللجنة الخاصة بها، كمطالب رئيسية على ألسنة أصحاب الكار، منتجين ومخرجين وفنيين، خلال الاجتماع المذكور.
وربما من البدهي أن معالجة صعوبات صناعة السينما والتلفزيون، لتمارس دورها ومهامها، هو من صلب مهام وواجبات لجنة صناعة السينما والتلفزيون، وهو ما يجب أن يكون افتراضاً!
أما التبرع من قبل اللجنة بتبني مهام وواجبات إضافية، وفقاً لمضمون التعميم أعلاه، فقد يكون مهمة ثانوية لها مبرراتها وضروراتها، شرط توفر ضوابطها الواضحة وغير الملتبسة، لكن مؤكداً من غير المفروض أن تكون على حساب المزيد من تقييد الحريات، بحسب مضمون العبارات «الفضفاضة» والمفتوحة للتفسير والتأويل، والتي من الممكن أن تطال أيّاً كان وفقاً لمضمون التعميم أعلاه، وبذريعة «الإساءة إلى المجتمع»!
الإساءة إلى المجتمع وشق عصا الطاعة
لا أحد ينفي أن وسائل التواصل الاجتماعي أتاحت الفرصة أمام الغالبية المفقرة، ممن لا حول لهم ولا قوة، لأن يدلوا بدلوهم فيما جرى ويجري بهم وبحقوقهم، انتقاداً وتعبيراً عن معاناتهم، وتأكيداً على مطالبهم المشروعة بحقوقهم المستلبة والمهضومة من قبل حيتان المال والفساد والنفوذ، وهذا لا يمكن اعتباره إساءة للمجتمع بشكل من الأشكال، بل هو حق من الحقوق المصانة دستوراً وقانوناً، والاستثناء هنا لا ينفي القاعدة بل يعززها افتراضاً.
بالمقابل لا أحد ينفي أن وسائل التواصل الاجتماعي، ومواقع التواصل على الشبكة عموماً، أتاحت الفرصة للبعض، أفراداً أو شبكات، لنقل جزء من أعمالهم وأنشطتهم الخارجة عن القانون من الواقع الفيزيائي إلى الواقع الافتراضي، مع حسن إدارتها، وهؤلاء من يجب أن تطالهم قوانين الجرائم الإلكترونية افتراضاً، بالإضافة إلى القوانين الأخرى التي يجب أن تطال كل مجرم ومسيء للمجتمع، وذلك بموجب نصوص قانونية محكمة، لا لبس أو غموض فيها يفسح المجال للتأويل والتفسير المزاجي أو المصلحي، التزاماً بالمقولة القانونية «لا جريمة بلا نص».
فالإساءة إلى المجتمع جزء منها سببه أصلاً القوانين والقرارات الطبقية والتمييزية التي تصدر لمصلحة البعض (أصحاب الأرباح) بشكل مطلق ودون مواربة على حساب مصالح الغالبية (أصحاب الأجور والمفقرين)، بل وعلى حساب المصلحة الوطنية، طبعاً بما يتوافق مع جملة السياسات الليبرالية المتبعة، فكيف الحال ببعض العبارات الفضفاضة المفتوحة للتفسيرات والتأويلات، والتي ترد في بعض النصوص القانونية، أو في بعض القرارات والتوجيهات، عمداً، والتي تستثمر غالباً لتأبيد واقع الامتيازات والاستثناءات لمصلحة أصحاب الأرباح على حساب مصالح الغالبية من أصحاب الأجور والمفقرين، وكسيف مسلط على رقاب هؤلاء بغاية إسكاتهم؟!
وربما مضمون التعميم أعلاه لا يختلف عن مضمون ما رشح عبر بعض وسائل الإعلام من تعديلات مزمعة على قانون الجريمة الإلكترونية، بحال إقرارها، والتي تزيد من كم الأفواه وتحد من الحريات، بل يمكن اعتباره حالة استباقية على ذلك، وأوسع منها!
فالتعميم، بعباراته الفضفاضة أعلاه، والتي ممكن أن تطال كل أصحاب المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، لا يخرج عن كونه أحد الأشكال المستحدثة من كيل التهديد والوعيد لكل من يفكر بشق عصا الطاعة لتأبيد مصالح القلة الناهبة والفاسدة من أصحاب الأرباح، ومن الطبيعي أن يتم استثماره من قبل هؤلاء لهذه الغاية، بغض النظر عن كل ما يمكن أن يتم تقديمه من تفسيرات غير ذلك من قبل اللجنة المصدرة لهذا التعميم، وفقاً لشكله ومضمونه.
الاستثمار في المحتوى ليس غائباً
بعض المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، والذي يأخذ شكل لوحات درامية فنية، يقوم ويعمل بها بعض الشباب الهواة، بعضهم طلاب فنون مسرحية وتمثيلية، وبحسب ما تتوفر لدى هؤلاء من إمكانات فنية ولوجستية محدودة طبعاً، مع الأخذ بعين الاعتبار أن ذلك على موقع «يوتيوب» له عائد مادي يستفيد منه هؤلاء الهواة عبر قنواتهم كمورد يساعدهم على استمرار العمل بهوايتهم ومعيشتهم.
وغالباً ما يلجأ هؤلاء الهواة لعرض ومعالجة القضايا والهموم المعيشية والمطلبية اليومية، والاقتصادية والسياسية العامة في بعض الأحيان، عبر المحتوى الذي يتبنونه في عروضهم، نقداً ومطالباً، فهذا المحتوى يحصد عدداً أكبر من المتابعين (الجمهور) على مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى أنه يبرز مواهبهم ويصقلها، خاصة وأنهم جزء من صلب هذا المحتوى المعالج، ومتضررون منه بآن معاً، بغض النظر عن تقييم المختصين لهذا المحتوى، شكلاً ومضموناً.
وربما بحالات محدودة واستثنائية يتم اللجوء من قبل القلة من هؤلاء إلى ما يمكن اعتباره إسفافاً وابتذالاً، وخروجاً عن المألوف الأخلاقي، لتحقيق مشاهدات أوسع وأعلى، بغاية زيادة العائد المالي طبعاً، تماشياً مع سياسات النشر على هذا الموقع الإلكتروني، وهذا أمر لا يمكن إنكاره طبعاً.
أما ضبط المحتوى على هذا الأساس، والمحاسبة عليه، فيجب أن يقترن بالرعاية المطلوبة لهؤلاء الهواة في البداية، مع الأخذ بعين الاعتبار العائد المادي من كل بد، في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية الضاغطة بشدة، والتي من المفروض العمل والدفع من أجل تغييرها، بكل الأدوات والوسائل المتاحة، بما في ذلك وخاصة العمل الفكري والفني، وهو الأهم المفقود، على المستوى الرسمي وغير الرسمي، مع كل أسف!
بالمقابل فقد بات واضحاً أن هناك استقطاباً لجزء من هواة العمل الفني على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل بعض الممولين، وذلك بعد أن يكون هؤلاء الهواة قد حصدوا كمّاً كبيراً من المتابعين على قنواتهم «اليوتيوبية» الخاصة، بما يكفي لحصاد الأرباح للموّلين عبر المشاهدات المتوقعة، بغاية الاستفادة من إمكانات هؤلاء الهواة واستغلالاً لهم ولقنواتهم، وطبعاً بغض النظر عن المحتوى الفني والفكري لما هو مطروح من قبلهم، فوسائل وأساليب هؤلاء الممولين قادرة على تمرير أي محتوى، مهما كان!
فالغايات الربحية تأتي أولاً بالنسبة للممولين، طبعاً مع ممارسة الضغط على هؤلاء الهواة لتجيير مضمون المحتوى لمصلحة الممولين، ومن خلفهم من الشريحة التي ينتمون إليها (أصحاب الأرباح)، وبالحد الأدنى ألّا يتعارض هذا المحتوى مع مصلحتهم، أو بالتعبئة ضدها، أي زيادة تفريغ المحتوى من محتواه، أو تشويهه وحرفه عن المطلوب منه، تماماً كما يتعاملون مع أي إنتاج فني أو فكري آخر، ثم وبعد استنزاف إمكانات هؤلاء الهواة واستنفاذهم، حضوراً ومتابعين، يتم التخلي عنهم، واستقطاب غيرهم.. وهكذا، وهناك الكثير من الأمثلة على ذلك، محلياً ودولياً!
وبالعودة إلى التعميم أعلاه، ربما وبأحسن الأحوال، بعيداً عن تقييد الحريات وكم الأفواه، من الممكن اعتبار جزء من مضمونه بغاية دفع البعض من هؤلاء الهواة إلى أحضان الممولين، ووفقاً لما تسجله الأمثلة على ذلك من غايات استثمارية استنزافية لهم، ومربحة للموّلين، وبدون محتوى يعول عليه، أي تكميم للأفواه، لكن بشكل آخر!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1052