الوقت المبدد غصباً من عمرنا.. المستنزف أصلاً
بين الطوابير الفيزيائية والطوابير الإلكترونية المستحدثة عبر الذكاء من أجل الحصول على حقنا ببعض المواد المدعومة، بالإضافة إلى ما درجت تسميته بمواد التدخل الإيجابي، يتم بعزقة حياتنا وهدر وقتنا واستنزاف جهدنا، بالإضافة إلى تكاليف الإنفاق الزائد من جيوبنا وعلى حساب معيشتنا المتردية أصلاً.
فهل خطر في بال القائمين على أمر الذكاء من الرسميين كم هو الزمن المهدور والضائع بالمجمل من عمر السوريين، الذي هو إمكانية وثروة يجب استثمارها بظروفنا، كي يوظف بشكل أفضل، أو بالحد الأدنى كي يتم ترشيده قدر المستطاع، أم أن المطلوب تماماً هو تبديد هذه الإمكانية والثروة مع غيرها مما هو منهوب أصلاً؟
الوقت مورد ثمين غير قابل للتجدد والتخزين
الوقت بالمنظور الاقتصادي والإداري هو رأس المال الحقيقي للفرد والمجتمع، وهو الوعاء الكبير الذي تترجم من خلاله النشاطات البشرية بمختلف مسمياتها، وخاصة الإنتاجية منها باعتبارها مولدة لمزيد من الثروات، لذلك يعتبر الوقت من أهم الموارد الثمينة المتاحة، مع ميزة خاصة به لا تتوفر في بقية الموارد المتاحة الأخرى بأنه غير قابل للتجدد، كما لا يمكن تخزينه، لذلك يسعى الاقتصاديون والقائمون على الإدارة بمختلف القطاعات للبحث بشكل دائم عن أفضل السبل لحسن استثماره واستغلاله بالشكل المطلوب، وخاصة على مستوى الحد من العوامل المسببة لهدره.
فكيف يتم التعامل مع هذا المورد الثمين من قبل رسميينا؟
11 ألف سنة مبددة بعهدة الذكاء كل عام
المثال البسيط الفاقع، وغير المحسوب، لتبديد الوقت رسمياً هو ذلك المهدور من أعمارنا عبر بوابات الذكاء من أجل الحصول على مستحقاتنا من بعض المواد المدعومة عبر البطاقة الذكية.
الأمر ليس بسيطاً كما يبدو ظاهراً، وهو ليس مثاراً للتندر من كل بد، فحجم الكارثة بتبديد الوقت رسمياً أكبر من أن تلخص بعبارة أو بمقال!
فمثلاً مع بدء فتح التسجيل على الدورة الجديدة لاستلام مخصصات المواد التموينية عبر تطبيق «وين» مع بداية الشهر الحالي، كان لا بد من إجراء التحديثات المطلوبة على التطبيق في البداية، هكذا ارتأى القائمون على أمر الذكاء، وهذا الإجراء المعمم على كل حاملي بطاقات الذكاء من أصحاب الحقوق، البالغ عددها 4 ملايين بطاقة حسب التصريحات الرسمية، سبّب ضغطاً كبيراً على الشبكة.
فكل مستخدم استغرق ما لا يقل عن ساعة زمنية من أجل استكمال عملية التحديث على البرنامج بسبب هذا الضغط، وهذا يعني تبديد 4 ملايين ساعة فقط لا غير!
وبالحساب فإن مجموع هذه الساعات تصبح أكثر من 462 سنة، وهذه السنون المبددة غصباً قد جرى هدرها من أعمار المفقرين من السوريين المضطرين لإجراء التحديث المطلوب كي يتمكنوا من التسجيل على مستحقاتهم من المواد التموينية، والبعض من هؤلاء لم يستكملوا عملية التحديث المطلوبة حتى الآن!
لم يقف أمر تبديد الوقت على تحديث التطبيق فقط، فمع تجزئة التسجيل على مادة السكر بشكل منفصل عن مادة الرز من خلال التطبيق، ومع إضافة مواد التدخل الإيجابي (السكر والزيت الحر والمياه) للتسجيل من أجل انتظار الرسائل أيضاً، فقد كان لزاماً إضافة ساعة زمنية أخرى لاستكمال عمليات التسجيل المنفصلة على كل مادة من هذه المواد منفردة، أي 462 سنة أخرى تقريباً تم هدرها من أعمار المفقرين.
ومع إضافة ساعة زمنية لاستلام كل مادة من هذه المواد بعد استلام الرسالة الذكية المنفصلة لكل منها، على الطرقات وطوابير الانتظار الفيزيائية، فهذا يعني هدر 4 ساعات إضافية بالحد الأدنى على حساب كل صاحب بطاقة، ما يعني تبديد 1848 سنة إضافية من أعمار هؤلاء أيضاً.
إن مجموع السنين المهدورة عبر بوابة الذكاء منقطع النظير المتحكم بها على أيدي الحكومة والسلطات تتجاوز 2772 سنة فقط لا غير، وهذه السنون المبددة يعاد تبديدها مع بدء كل دورة تسجيل على المستحقات، والتي بلغت خلال العام الحالي وحتى الآن 4 دورات، أي إن مجموع السنين المبددة خلال العام الحالي فقط، عبر نمط تعميم الذكاء والبطاقة الذكية، كانت أكثر من 11000 سنة.
ولكم أن تحسبوا ما يتم تبديده من عشرات آلاف السنين الإضافية من أعمار السوريين من أجل الحصول على الخبز والمازوت والبنزين والغاز، ومثلها تبدد على أزمة المواصلات وبقية طوابير الانتظار، الذكية وغير الذكية، وما أكثرها!
فمن الواضح أن الرسميين غير معنيين بهذا الحجم الكبير من الهدر والتبديد السنوي للوقت، كثروة ومورد ووعاء لمختلف النشاطات، بل أكثر من ذلك هناك إبداع دائم ومستمر في عملية تبديد وقت وجهد السوريين، واستهتار بهذه الثروة، في وقت نحن فيه أحوج ما نكون لاستثمار مواردنا وثرواتنا، وحسن توجيهها في مختلف الأنشطة، لكن هيهات!
مبالغ منهوبة غير محسوبة
جانب آخر لا يقل أهمية عما سبق، وهو تبديد إضافي للثروات، فالوقت المبدد من قبل السوريين على تطبيق «وين»، تحديثاً وتسجيلاً منفصلاً على المستحقات من المواد كل على حدة، يعني بقيم استخدام الشبكة العنكبوتية داتا صادرة وواردة من أجهزة المستخدمين الذكية، وهذه الداتا محسوبة بالورقة والقلم من قبل مزودي خدمة الإنترنت، شركة الاتصالات ومزودي الخدمة من القطاع الخاص وشركات الخليوي، حيث تسدد قيمتها بالليرة السورية من قبل هؤلاء المستخدمين حسب نسب ومعدلات استهلاك كل منهم، ولكم أن تحسبوا حجم الداتا المستهلكة من أجل تحديث البرنامج، في ظل الضغط على الشبكة الذي يؤدي إلى ظهور رسالة تفرض إعادة التحميل مجدداً ولعدة مرات، ومع كل عملية تسجيل على كل مادة منفصلة على نفس المنوال من تكرار المحاولات والتحميل، والتي يصعب حساب قيمتها بالليرة السورية على مجمل استهلاك أصحاب الـ4 ملايين بطاقة ذكية مع بدء كل دورة جديدة، لكنها لا شك مبالغ كبيرة، ربما بالملايين أو بالعشرات والمئات منها، يتم جبايتها من جيوب هؤلاء كل عام، غصباً وبشكل غير محسوب، بل غير ملموس ربما، لتصب في جيوب أصحاب الأرباح عملياً، مستثمري تقديم خدمات شبكة الإنترنت، بغض النظر عن المبررات التقنية الخاصة، أو ضرورات السورية للتجارة وشركة محروقات، فمصائب قوم عند قوم فوائد بهذا الصدد!
استنزاف إضافي
الاستنزاف لا يقتصر على تبديد عامل الوقت الثمين كثروة ومورد، غير القابل للتجدد وغير ممكن التخزين، أو ما يتم جبايته من جيوب السوريين لقاء استهلاك المزيد من داتا الاتصالات كما سلف، حيث يضاف إليه تبديد جهد وتعب ملايين السوريين أيضاً، الذي هو طاقة وثروة مهدورة أيضاً، عبر كل ما يجري من هدر لجهد هؤلاء، على الطرقات والطوابير بالحد الأدنى كمثال بسيط لكنه فاقع على ذلك، والذي من المفترض حسن توجيهها واستثمارها في مختلف النشاطات، الإنتاجية والخدمية والعلمية والثقافية وغيرها.
طبعاً يضاف إلى كل ما سبق ما يتم سلبه من جهدنا وأعمارنا عبر أساليب النهب والاستغلال الكثيرة، المباشرة وغير المباشرة، وما يتم قضمه من أعمارنا بسبب تردي الوضع المعيشي والصحي والخدمي والأمني و..، وكل ذلك معروف ومدرك وملموس يومياً من قبل السوريين، ناهيك عما يتم توثيقه وتداوله على مستوى تراجع معدلات الأمن الغذائي، ومستويات الجوع غير المسبوقة المسجلة محلياً، وتراجع المتوسط العمري المفترض للسوريين، وزيادة أعداد الوفيات، وخاصة بين الفئة الشبابية، مع كل الموبقات الإضافية على مستوى زيادة وتوسع وتعمّق الظواهر السلبية في المجتمع، التي تستنزف الأعمار وبقية الثروات أيضاً!
فهل أمر تبديد الوقت والجهد والمال والثروات، بالرعاية الرسمية، بسيط كما يبدو ظاهراً، أم هو كارثة تضاف إلى كوارثنا المعاشة بسبب جملة السياسات المتبعة، المحابية للقلة من حيتان الثروة والفساد والسلطة، أصحاب الأرباح، على حساب الغالبية المفقرة والجائعة؟!
وهل من الممكن الوصول إلى حسن استثمار مواردنا، المنهوبة والمبددة، في ظل استمرار هذه السياسات، أم أن التغيير الجذري والشامل لها هو الحل الذي لا بد منه؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1047