جودة التعليم والتصنيف الدولي والرد الرسمي
لا شك أن التعليم في سورية قد انخفض مستواه إلى أدنى المعدلات، بما فيه التعليم الجامعي، وذلك من قبل اندلاع الأزمة، والأسباب كثيرة ويطول شرحها، ولكن نوجزها بكلمات مفتاحية، أولاها وأهمها السياسات التعليمية المتبعة والمستمرة منذ عقود، والمحسوبية والفساد المستشري في الوزارات والمديريات المعنية، من رشوة ونهب وغيرها من الظواهر الهدامة، ومنها أيضاً انخفاض الإنفاق على التعليم من الموازنات العامة السنوية، وأيضاً تدهور الأوضاع المعيشية التي تنعكس سلباً على كافة أطياف المجتمع، والمعلم والطالب جزآها الأساسيان، وهذا واقع ملموس ومشاهد لدى الجميع، ولا يفيد تصريح هنا، أو صورة هناك، في تلميع هذا الواقع المأساوي للتعليم في الإعلام الرسمي أو شبه الرسمي.
فقد تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي، وبعض وسائل الاعلام، خبراً عن منتدى «دافوس» الذي أخرج سورية بدوره من التصنيف العالمي لجودة التعليم، ولم تقف وزارة التربية مكتوفة الأيدي تجاه هذا الخبر، بل هي كالمعتاد وقفت بوجهه تفنيداً وإيضاحاً لتدحض «التضليلات» فيه!
توضيحات وزارية
من المفروغ منه أن التصنيفات الدولية من قبل بعض المنظمات الدولية تخضع في بعض جوانبها للاستثمار والابتزاز السياسي في كثير من الأحيان، وهو أمر معروف ولا غرابة فيه، ومع ذلك فإن بعض المعايير المعتمدة في هذه التصنيفات لا غبار عليها من الناحية العلمية، ومن الواجب أخذها بعين الاعتبار.
فقد خرجت الوزارة بتوضيحات حول المعلومات التصنيفية التي رشحت عن المنتدى على صفحتها الرسمية، لكن بعيداً عن واقع التعليم في سورية والذي وصل إلى مرحلة الموت السريري!
حيث نوهت التوضيحات إلى أن «سورية غير مشاركة في هذا المنتدى ولم تدع إليه لأسباب سياسية معروفة لدى الجميع»، وذكر بأنه تضم هذه المعايير (المؤسسات والابتكار، وبيئة الاقتصاد الكلي، والصحة والتعليم الأساسي، والجامعي والتدريب، وكفاءة أسواق السلع، وكفاءة سوق العمل، وتتضمن تطوير سوق المال، والجاهزية التكنولوجية، وحجم السوق، وتطور الأعمال والابتكار).
وأشار إلى أن «هذا التقييم لا علاقة له بالاعتماد الأكاديمي، فمؤسسات الاعتماد الأكاديمي الدولية لديها معايير خاصة، حيث توجد قواعد ضابطة للاعتماد أو الاعتراف بالشهادات والمؤهلات، ويندرج ذلك ضمن اتفاقات عالمية أو ثنائية ملزمة للأطراف الموقعة عليها، وجودة التعليم في سورية يتم تتبعها وفقاً للهدف الرابع للتنمية المستدامة الذي ترعاه اليونسكو، وبالتالي هناك تنسيق دائم وفعال لسورية ضمن هذا المجال».
وذكر أنه من ناحية أخرى فإن «كثيراً من المؤشرات تتعامل مع مظاهر الجودة المادية ولا تركز على مضمون العملية التعليمية، لذلك يلاحظ صعود الدول الغنية في هذا الترتيب لوجود إمكانات مادية كبيرة لديها تساعدها على توفير المعايير الشكلية للجودة، سيما في مجال الاختبارات الدولية للرياضيات والعلوم الأخرى عبر TIMMS أو PISAS، وهي اختبارات عالمية تخضع لها عينة عشوائية من الطلاب يقيم مستوى التعليم من خلالهم، وتكلفة هذه الاختبارات غالية جداً وبالعملة الصعبة لذلك لا يتسنى لدول مثل سورية المشاركة بها دون توفر دعم من الدول الغنية».
الواقع والحقيقة الفجة
ما سبق أعلاه جزء من الكلام الرسمي في صفحة الوزارة، وللواقع والحقيقة قول مختلف، وخاصة بالحديث عن المؤشرات التي تتعامل مع مظاهر الجودة المادية ولا تركز على مضمون العملية التعليمية!
فهل مشاركة سورية في مثل هذا المنتدى سيخرج واقع التعليم في سورية من أنه في تقهقر مستمر؟
وماذا لو كانت الإمكانات المادية، التي ذكر أن التصنيف يتم من خلالها، كانت موجودة في ظل هذا الفساد المتمترس في قطاع التعليم وغيره، والذي إن وجد فحصة التعليم الفعلي منه لن تكون إلا من الجمل أذنه كما يقال؟!
ثم ذكر في الصفحة أن التصنيف الحقيقي للتعليم في سورية هو «الإنجاز» الذي تتغنى به الوزارة كما اعتدنا، وكيف أن «التعليم ظل أولوية رغم الأزمة والحصار وجائحة كورونا وضمن الإمكانات المتاحة»، في تكرار ممل للذرائع المستهلكة، مع التعامي عمّا يتعرض له قطاع التعليم من تآكل وانهيار!
أما عن التعاون بين الوزارة والمنظمات المحلية والدولة فما هو إلا صورة من صور عجز الحكومة عن تأمين ما هو ضروري للعملية التعليمية، مع عدم إغفال ما يتعرض له هذا الدعم من فساد ونهب مستمر.
فالواقع التعليمي في سورية، سواء كان القطاع التربوي أو العالي، يعاني من أزمة أكبر بكثير من خروجه من تصنيف الجودة الخاص بالمنتديات أو المنظمات الدولية!
والصورة المشاهدة على أرض الواقع تبرز هذه الحقيقة أمام الشعب السوري نفسه، بغض النظر عن المنظمات الدولية وتصنيفاتها.
أمثلة حية
فعلى صعيد الشكل فإن صورة الصفوف التي يحشر فيها أكثر من 50 تلميذاً في ظل الوباء، ومطالبة المدرس بالقيام بواجبه في هذا الظرف، هي بحد ذاتها مثال واحد يوحي بفشل جزئي أو كلي في العملية التعليمية، ناهيك عن تجهيزات المدارس التي تفتقر إلى أدنى مقومات الراحة، ومقومات إمكانية التعلّم.
أما المناهج، وقد تحدثنا عنها كثيراً، فعلى الرغم من الإشكالات الواقعة فيها، نظرياً وعملياً، فلا تزال بوابة للتكسب والربح من خلال إعادة الطباعة كل عام من أجل تغييرات طفيفة فيها ليس إلا، بالإضافة إلى افتقارها لمستلزماتها ووسائلها في المدارس، وعدم تناسبها مع الأعداد الموجودة في كل صف.
واقع المعلمين مرآة صادقة عن التربية والتعليم
ذكرنا في مواد سابقة، ونعيد التذكير، بأن واقع المعلمين الذين هم عماد العملية التربوية والتعليمية أصبح ضرباً من القصص التي يتداولها الكبار والصغار تندراً.
فالفقر والمرض والإجهاد والإحباط وسوء المعاملة من قبل بعض الإداريين في الوزارة والمديريات كفيل بأن يجعل المبدع النشيط فيهم عاجزاً عن تقديم أي جديد مفيد كما هو المطلوب، وأصبح المعلم مثالاً عن البؤس، فهو في نظر السوريين أبأس البؤساء، وصورته جزء من الصورة الإجمالية لواقع التعليم في سورية، طلاباً وكادراً وبنية تحتية ونهجاً تربوياً.
فهل بعد هذا التوصيف الحي والمختصر لواقع التعليم في سورية نستطيع أن نقول إن سورية قد تدخل في تصنيف جودة التعليم إن أتيحت لها المشاركة في منتدى دافوس أو غيره، بغض النظر عن الموقف حيال هذه المنتديات وتصنيفاتها؟!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1046