المعلمون مزيد من المعاناة ومزيد من هضم الحقوق
يتحمل المعلمون في سورية عواقب كل انهيار على جميع الأصعدة، ويتحملون مسؤوليات تفوق قدرتهم على التحمل، ولكن بالمقابل لا يجدون من الحكومة أدنى مشاركة لتحمل هذه المسؤولية سوى التنظير تارة، والتهديد بالعقوبات تارة، وتارة أخرى يجدون العقوبات تقع على رؤوسهم لأدنى تقصير أو مخالفة، بدلاً من تغيير واقعهم المأساوي الذي يطحنهم كل يوم.
لا تقف معاناة المعلمين في المدارس عند الحصة الدرسية، وواجباتها ومسؤولياتها، وما فيها من جهد مضنٍ، وما فيها من مشكلات ومعيقات تربوية تحول بين المعلم وأداء واجبه على أتم وجه، هذه المعاناة اليومية للمعلم لا يُسلّط عليها الضوء، معاناة لا تقل عن الجهد العضلي لساعات طويلة، فأغلب المدارس تفتقر إلى أدنى وسائل الراحة للمعلم، إذ الأعداد الضخمة من الطلاب في الصفوف يتطلب صوتاً عالياً، وهكذا عدد يحتاج إلى مكبر صوت ليسمع الطلاب صوت المدرس، وتحتاج إلى أبواب تعزل الصوت عن الخارج للحفاظ على انضباط الشعب، وهذا طبعاً مفقود تماماً في مدارسنا ولا تنظر إليه الوزارة على أنه مشكلة، فالمعلم بدوره يبذل هذا الجهد المضاعف بالصوت ليصاب بعدها ببحة مزمنة في الحنجرة، كمرض مهنة مزمن، وهذه واحدة من عشرات المشكلات، ومنها الافتقار إلى وسائل تعليمية تعينه، عدا عن المشكلات العامة المتمثلة بالمواصلات التي تعيق حركته وتكلفه كثيراً من الوقت المهدور بالانتظار وأحياناً يضطر لاستقلال سيارة «تكسي» ليصل إلى مدرسته بالوقت المطلوب، ناهيك عن التكاليف المرهقة التي يتحملها، عدا عن تحمله عبء التراجع العام لمستوى الطلاب، وما يكلّفه من جهد مضاعف لتحسين المستوى لديهم، ومراعاته وتحمّله لأوضاع الطلاب النفسية والذهنية في ظل هذه الظروف الاستثنائية الصعبة والمعقّدة، بل هناك صعوبات لا يراها الناس، وربما لا يعلمون بها، صعوبات كامنة في منزل كل معلم، كواجبات ومسؤوليات اضافية، وهي الأعباء المرتبطة بكل مذاكرة وامتحان، حيث يصطحب المعلم إلى بيته مئات الأوراق الخاصة بالامتحانات والمذاكرات ليصححها ويضع درجتها، ثم بعد ذلك لثبيتها في المرايا حسب قوائم كل شعبة، ثم تثبيت كل محصلة على سجل الدرجات.
عبء غير مأجور
لك أن تتخيل نفسك تصحح كل شهرين، أو شهر ونصف، 200 ورقة امتحان على الأقل، وهناك مدرسون يصححون ما يقرب من500 ورقة كل مذاكرة، أي 1000 ورقة في الفصل الواحد، مع عبء وضع الأسئلة ومراعاة المستويات والفروق الفردية وشمولية الأسئلة للمنهاج المقرر!
فماهي عدد ساعات العمل التي يتكبدها المعلم في هذه العملية، إذا فرضنا أن لكل ورقة 5 دقائق فقط، ما بين تصحيح ومراجعة؟
ستكون النتيجة أن لكل 200 ورقة 16 ساعة عمل، أي 32 ساعة عمل في الفصل، وهي ما تعادل عمل 4 أيام بمعدل 8 ساعات عمل في اليوم، وبعض المعلمين ممن يفرض عليهم اختصاصهم 10 شعب يتضاعف عدد الساعات إلى 64 ساعة في الفصل، أي بما يعادل 8 أيام عمل بمعدل 8 ساعات عمل في اليوم، يضاف إليها زمن وضع الأسئلة وتثبيت الدرجات، وما يلحق بها من أعباء كل هذا العمل المضني الذي يضاف إلى عمل المعلم في الصف لا تعتبره وزارة التربية عملاً بل تعتبره من مهام المدرس، ولا تحتسب له أجراً، ولا تقيم له وزناً، مع أنه يعد عملاً إضافياً يثقل الكاهل ويطفئ الأبصار!
وهذه حسابات بالأرقام فقط، أما في الواقع فالمصيبة أكبر على المدرس وأشدّ مضاضة، لأن هذا الجهد موزع على أسابيع فترة المذاكرات والامتحانات، وهذه الساعات التي ذكرناها لا يجدها المدرس خلال يومه، وبالتالي سيمتدّ هذا العمل عنده لشهر كامل من الامتحان إلى الامتحان، ويتحول هذا العمل إلى عمل يومي ضمن عمله التدريسي، إلى جانب عمله الإضافي الخاص الذي لجأ إليه قهراً، تحت ضرورة الحاجة والاستمرار بالحياة!
متى وكيف يقوم المعلم بهذا العمل الشاقّ؟
الصغير والكبير، والذكي والأحمق، يعلم أن راتب المدرس لا يكفيه لسد حاجات 3 أيام في الشهر، وأنه لا بد له من عمل إضافي، ليس بالضرورة باختصاصه، ليسدّ شيئاً من رمقه ويقيه من التسوّل، أو يقيه من الموت جوعاً مع أفراد أسرته، وتأتي أوراق الامتحان والمذاكرات أمامه متكدسة كالكابوس الجاثم على صدره، ليقتطع من ساعات نومه المتبقية كي ينهي ما عليه من هذا العبء الذي لا تعترف به وزارة التربية على أنه عبء! وكل هذا على حساب صحته ونومه وراحته وحياته الاجتماعية مع أفراد أسرته.
أما أنه كيف يقوم بهذا العمل؟ فالإجابة معروفة لدى الجميع، إنه يصححها في الظلام في ظل ظروف التقنين التي أعمت الجميع!
المشكلة تجر عشرات المشكلات
مشكلة اكتظاظ الطلاب في المدارس، والتي هي معروفة الأسباب ومنها عدم جاهزية المدارس، وعدم تأمين كادر كافٍ، وتطفيش عدد كبير من المدرسين لما يعانونه من ظروف خانقة، والفساد والوساطات بتسجيل الطلاب رغم امتلاء الصفوف، كل ذلك جعل الصفوف في المدارس أشبه بصورة باص النقل الداخلي، أما ما ينتج عن هذا الاكتظاظ فمشكلات كثيرة، وإحداها سوء وفشل عملية الاختبارات والامتحانات، إذ يضطر المدرسون المراقبون لنشر الطلاب على الأرض لتفادي الغش بينهم، وازدياد عدد الأوراق التي يكلّف المعلم بتصحيحها، إلى درجة يصعب عليه إنجازها!
هذه الصورة القاتمة لحياة المعلمين تتحمل جريرتها الحكومة ووزارة التربية وسياساتها المتبعة تجاههم، والتي جعلتهم فريسة الفقر والمرض بلا أي تعويض عما يخسرونه من صحتهم وأعمارهم، مستغلين حسهم الوطني والإنساني في تحمّل كل المسؤوليات، المنظورة وغير المنظورة، المأجورة وغير المأجورة! وكأنهم يدفعونهم بالنهاية إلى التخلي عن هذا الواجب الوطني والإنساني قهراً!؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1045