«التهريب» أرقام قياسية: 7 ملايين «رأس عواس» خلال عامين!
تحت راية "فتح أبواب التصدير"، قد تجهز وزارة الزراعة على ما تبقى من ثروة أغنام العواس في البلاد، فالوزارة هي المفوّض الأول بالموافقة على التصدير من عدمه، وهي الساعية لتصدير 120 ألف رأس من غنم العواس في عام 2014، بعد أن سمحت بتصدير 200 ألف رأس في عام 2013، وتضغط بكل ثقلها في سبيل استصدار هذا القرار، ولكن السؤال المركزي الذي لا بد من طرحه، هل للتصدير في الظروف الراهنة ما يبرره؟! مع التراجع الكبير وغير الخفي في أعداد أغنام العواس في البلاد!!..
المنطق العام يكفي في تقييم مشاريع القرارات الحكومية خلال عقد ماض ، لأن جزءاً هاما من القرارات يظهر ارتجالياً من أصحاب القرار وراسمي ومنفذي السياسات الاقتصادية، أما الاحتكام إلى لغة الأرقام فهو الحكم الفصل في التقييم، سعت الحكومة إلى تصدير الأغنام انطلاقاً من أن التهريب أمر واقع، وعلى أرضية أن صدور قرار التصدير من عدمه لن يغير في معطيات هدر الثروة الحيوانية كثيراً، على اعتباره قدراً حتمياً لا مفر منه، وعلى الاقتصاد والوطني والمستهلك السوري تقبله كما هو! بينما يرى آخرون، أن قرارات التصدير ما هي إلا بوابة إضافية لاستنزاف الثروة الحيوانية، لأن السماح بالتصدير لن يلغِ تهريب الأغنام إلى دول الجوار بطبيعة الحال، كما أن التهريب المضبوط بمفرده لن يستنزف الثروة الغنمية، إلا إذا كان عمليات التهريب يغطيها متنفذون كبار، وهذا ما تتجه نحو تأكيده بعض التقديرات التي تتحدث عن تهريب 8 آلاف رأس من الأغنام يومياً من مختلف المعابر الحدودية، بالإضافة إلى ما كشفه أحد العاملين في تهريب الأغنام لموقع إخباري أردني من أن هناك أكثر من 200 رأس من الأغنام السورية تدخل بصورة غير شرعية، وبشكل شبه يومي إلى الأردن، وهذا ما لن يكون المربون الصغار بالقادرين على فعله، بل إن مافيا التهريب المرتبطة بكبار المربين و"صقور المصدرين" هي من تكفّلت به دعماً لمنفعتهم الخاصة على حساب الاقتصاد الوطني..
40% في عامين..
قد يقول قائل بأن أرقام التهريب مبالغ بها، إلا أن تقديرات تراجع أعداد الثروة الحيوانية الرسمية على أقل الاعتبارات تفضح الحالة المذرية التي وصل إليها قطيع الأغنام بفعل الإهمال الحكومي المزدوج عبر السماح بالتصدير من جهة، وتجاهل عمليات التهريب الكبيرة للأغنام من جهة أخرى، لتكمل إهمالها بالإيهام أن تهريب الثروة الحيوانية عصي عن الإيقاف، لرفع المسؤولية عن كاهلها وعاتق سواها من الجهات المعنية بإيقاف التهريب..
حتى شهر أيار من عام 2013، تراجعت أعداد الأغنام في سورية من 18 مليون حسب الإحصاءات الرسمية في عام 2011 إلى 11 مليون فقط، وذلك بحسب عمليات إحصاء الثروة الحيوانية الحديثة بمساعدة بعثات منظمات الأمم المتحدة في سورية للعام 2013، أي أن الثروة الغنمية قد تراجعت بمقدار 7 ملايين خلال عامين فقط، ما يعني تراجع أعداد قطيع الاغنام بنسبة 40% تقريباً خلال عامين فقط.
للسكوت ثمن!
لا يرتبط الاستنزاف العلني للثروة الحيوانية بحالات فردية من التهريب أو بقرارات حكومية ارتجالية تستند إلى اختلاف محض في وجهات النظر فقط، بل تعبر عن استنزاف وتدمير ممنهج لثروة أغنام العواس، مما سيساهم في سحب البساط من تحت أقدام ميزة مطلقة من ميزات الاقتصاد السوري، الذي يعني تفويت فرصة نمو وموارد هامة، في حال استثمار هذه الثروة الحقيقية، فالسكوت عن التهريب أو تبريره من جانب بعض المسؤولين عن محاربته لا يعني عجزاً عن إيقافه، وإنما مشاركة من جانب هؤلاء الساكتين والصامتين والمبررين من أصحاب القرار عن تدمير هذا القطاع مهما تحدث بعضهم عن صعوبة ضبط ايقاع التهريب، فإيقافه بالمطلق قد يكون مستحيلاً، إلا أن الحد منه وقوننته، والتقليل من تأثيراته سيكون ممكناً، وإلا، كيف اكتشف المصرف المركزي والجهات الأمنية على حين غرة شركات الصرافة المخالفة وأغلقوها بعد عام ونصف من التلاعب بالعملة الوطنية، وبلقمة عيش السوريين، وبالاقتصاد الوطني؟! كما لا بد أن نسأل: أليست الجهات المعنية بملاحقة المهربين على علم بالكبار منهم ممن يستنزفون الثروة الحيوانية والاقتصاد الوطني؟! وما هو ثمن السكوت عنهم؟! أم أن هؤلاء سيبقون خارج دائرة المحاسبة لحسابات أخرى لا ترتبط بضرورات إيقاف التهريب من جذوره، كما لم ترتبط عمليات صرف العاملين في الدولة بمكافحة الفساد على سبيل المثال لا الحصر!!..