أزمة الأعلاف بين تحايل المستوردين وممانعة الإنتاج
تراجع قطاع الثروة الحيوانية كباقي القطاعات الإنتاجية «الصناعية- الزراعية»، والسبب الرئيسي لذلك، تلك القرارات الحكومية المجحفة، التي تقف بالضفة المقابلة لدعم المواطن والإنتاج الوطني، أي إلى جانب مصالح حيتان السوق والمستوردين.
فقطاع الثروة الحيوانية يعاني من مشاكل عدة، يسقط بسببها المربون واحداً تلو الآخر خروجاً من دورة الإنتاج، فلا دعم حكومي يُذكر ليسند هؤلاء ويسعفهم بشكل حقيقي، بعيداً عن سلسلة القرارات السابقة واللاحقة، التي تذهب بهرجتها الإعلامية الخلبية أدراج الرياح، فلا يلمس منها المواطن ما يحسن من واقع القطاعات الإنتاجية، على اختلافها، حيث لم تعد تلك القطاعات داعماً للدخل الوطني، وبالتالي لمصلحة المواطن والوطن.
الأعلاف بين الدعم الحقيقي والكلام المعسول
تبدأ المعاناة اعتباراً من ارتفاع أسعار الأعلاف، إلى الأدوية واللقاحات البيطرية والمحروقات ونقص المياه أيضاً، فلا دعم حقيقي يدفع بالمنتجين/ المربين، نحو انتشالهم من مشكلة خسارتهم الفادحة والمتتالية، والتي تضطرهم إلى التخلي عن القسم الأكبر من قطعانهم تجنباً للمزيد من الخسائر، سواء من خلال بوابات التصدير الرسمية، أو حتى التهريب... إلخ، والتي تصب أرباحاً في جيوب البعض (مصدرين ومهربين) على حساب هؤلاء عملياً.
فالأعلاف المدعومة بأحسن الأحوال لا تصل لـ 25% من الحاجة الحقيقية، وذلك حسب ما صرح به مدير المؤسسة العامة للأعلاف يوم 19 آب الماضي، مبيناً أن مربي الماعز والأبقار يعتمدون على الرعي أكثر من المقنن العلفي.
ولكن الجدير بالذكر، أن أكثر ما واجه المربين هذا العام من صعوبات هو «شح الأمطار»، مما أدى إلى انعدام الغطاء النباتي وقلة المراعي، الأمر الذي أجبر المربين على شراء الأعلاف من الأسواق الحرة بكميات كبيرة، وما ترتب عليهم من تكاليف مرتفعة جراء ذلك، ليُترك هؤلاء يصارعون وحدهم تكاليف تأمين الأعلاف المرتفعة، وفق أهواء كبار تجار الأسواق المتحكمين بها، كماً وسعراً ونوعاً.
خلل إداري ضمن صندوق الوعود
تضاف إلى المشاكل والصعوبات الكثيرة معيقات مكلفة أخرى، على شكل خلل إداري واضح ضمن عمل مؤسسة الأعلاف بالتنسيق مع وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك.
فقد وضعت المؤسسة يوم 12 أيلول الماضي جدولاً تحدد من خلاله أجور الشاحنات التي تنقل الأعلاف من مرفأ طرطوس إلى باقي المراكز المتواجدة في المحافظات.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، نذكر أجور النقل إلى بعض المراكز في المحافظات، حيث أن أجور النقل محسوبة لكل طن على الـ كم حسب الجدول التالي:
من خلال الجدول أعلاه، نجد أن هناك خللاً واضحاً في توزيع الأجور تبعاً للمسافة، أي تكاليف إضافية تقع على عاتق المربين عملياً، مع تقاذف المسؤوليات حياله.
وبخصوص ذلك، أكد مدير مؤسسة الأعلاف في دمشق: أنه تمت مراسلة وزارة التجارة وحماية المستهلك بخصوص ثغرات القرار المذكور أعلاه، والوعود ما زالت قائمة لتعديله، فهل من مجيب؟!
هل يثمر تكافل الزراعة والتموين لضبط التحايل؟!
من المسلمات، أن الكرة دائماً تكون في ملعب حيتان الاستيراد، والكفة دائماً ترجح لمصالح أرباحهم، ومصالح من يقف خلفهم، كما جرت العادة!
فقد تركت مؤسسة الأعلاف مؤخراً عشرات الأطنان من الأعلاف، ليبيعها المستوردون للتجار ومربي الثروة الحيوانية وفق أسعار تناسب مصالحهم، معتذرة عن استلامها من بعض المستوردين، والحجة الفاقعة أن سعر الكيلو منه مرتفع مقارنة بالسعر الذي استوردته المؤسسة من روسيا، وأن كل مستورد يبيع على هواه، مع العلم أن تمويل عمليات الاستيراد يكون وفق سعر الرسمي للدولار من قبل مصرف سورية المركزي.
عملية التلاعب باتت واضحة، وما يقوم به المستورد هو رفع سعر الاستيراد من خلال فواتيره المقدمة، وذلك حتى يكون ذريعة لرفع الأسعار محلياً، وبالتالي تعتذر مؤسسة الأعلاف عن شراء الكمية المفروض على كل مستورد تسليمها كنسبة للمؤسسة، بذريعة عدم تناسبها مع ميزانيتها، محققاً من خلالها أرباحه المرجوة طبعاً.
والجدير بالذكر، أن عملية ضبط الأسعار ممكنة في حال أراد الطرف المسؤول ذلك!
فمن المفروض أن أسعار الاستيراد مستندة على أرضية المراقبة الدورية للأسعار العالمية، مع إضافة أجور النقل والشحن أيضاً، للحد من تلاعب المستوردين بالأسعار وفقاً لفواتيرهم، ولكن الفيصل هنا بحال توافرت الإرادة الحقيقية لتغليب المصلحة العامة على مصلحة القلة من المستوردين والمتنفذين!
ولحل معضلة الأسعار المرتفعة للمواد العلفية، تكافلت جهود وزارتي الزراعة والتموين أخيراً لوضع آليات ضبط أسعار المواد العلفية المستوردة والممولة من المصرف المركزي، وذلك من خلال الاجتماع الذي عقد يوم 11 تشرين الأول الجاري، حيث تم التأكيد خلال الاجتماع على ضرورة وضع آلية ضبط أسعار المواد العلفية المستوردة، مع ما يتوافق والأسعار المحلية والعالمية، كما نوّه وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك على نقطتين أساسيتين للتسعير، الأولى: أن تتوافق مع الكلفة الحقيقية للأعلاف. والثانية: أن يتم وضع تسعيرة جديدة للأعلاف كل 3 أشهر، يلتزم بها المستورد ويكتب تعهداً عند حصوله على إجازة الاستيراد، ومن ثم يقوم بتسليم حصة مؤسسة الأعلاف من الكمية المستوردة، وهذا الأمر سيطبق بشكل فوري.
وقد أكد مدير مؤسسة الأعلاف: أنه ستتم مراقبة الأسعار العالمية بشكل دقيق، وما يقابلها من حيث سعر الصرف، إضافة إلى الرسوم الجمركية وأجور النقل، وبناء على هذه المعطيات يتم تحديد الأسعار، منوهاً أن ما يهمنا بحث آلية تسعير هذه المواد من أجل الوصول إلى السعر الحقيقي، وسواء كان السعر مرتفعاً أو منخفضاً فإنه يتبع عوامل متعددة نستطيع من خلالها معرفة السعر الحقيقي، وبيّن بأن أسعار المواد العلفية في المؤسسة دائماً أرخص من أسعار السوق بنسبة تتراوح بين 25 و30% موضحاً: أن ما يهم المؤسسة التدخل بشكل إيجابي، لذا فإن أسعارنا دائماً تكون أرخص من أسعار السوق.
فهل ستثمر هذه الآلية في الحد من شطط الأسعار، والتهرب من تسليم مؤسسة الأعلاف حصتها؟
موجة ارتفاع مقبلة
ما يُمهِد له الاجتماع أعلاه، مع مجموعة التصريحات المعلنة حياله، قد تكون زيادة قريبة لأسعار المواد العلفية كافة، وذلك وفقاً للتجارب السابقة، وما سيترتب على ذلك من نتائج سلبية ستنعكس على المربين وواقع السوق والقدرة الشرائية للمواطن، التي باتت أكثر من معدومة.
فالارتفاع السعري الذي يجري التمهيد له، يمهد كذلك لزيادة أسعار السلع الأساسية للمنتجات الحيوانية «مشتقات الحليب الأجبان والألبان- اللحوم الحمراء والبيضاء- البيض» كل تلك المواد التي أصبح المواطن اليوم عاجزاً عن تأمينها بكل معنى الكلمة، فكيف ستكون الحال في حال رفع الأسعار المرتقب؟
ممانعو الإنتاج
سؤال لا بد منه يتبادر للأذهان: ما الموانع من إنتاج الأعلاف محلياً؟
فالأساس المادي موجود سواء من أراضي خصبة يمكن زراعتها، أو معامل خاصة وعامة، مع ما ستوفره تلك العملية من قطع أجنبي وتكاليف أجور النقل والشحن، وما يضاف إليها بحجة العقوبات والحصار، وغيرها من التكاليف المضافة، خاصة أرباح حيتان الاستيراد، تلك التي تستورد وفقاً لسعر الصرف المركزي، لتعود وتبيع تلك المواد المستوردة وفقاً لأسعار السوق السوداء، بل وأعلى منها بدرجات!
الإجابة تبدو واضحة ومباشرة، فمصالح حيتان الاستيراد والفساد تبدو الممانع الرئيسي، ليس لإنتاج الأعلاف فقط، أو بالحد الأدنى حصة هامة منها تسد جزءاً هاماً من الاحتياجات المحلية منها، بل لكل ما هو منتج محلي، كي تستمر أرباحها عبر حلقات الاستيراد، وكي تستحوذ لاحقاً على كامل النشاط الاقتصادي في البلاد، طبعاً على حساب العملية الإنتاجية والمنتجين والمستهلكين والاقتصاد الوطني والمصلحة الوطنية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1041