إنهاء دعم المازوت الصناعي وشرعنة الموبقات
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

إنهاء دعم المازوت الصناعي وشرعنة الموبقات

صدر قرار عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بتاريخ 23/10/2021 حدد بموجبه سعر مبيع اللتر الواحد من مادة المازوت الصناعي والتجاري بمبلغ 1700 ليرة سورية، «الموزع من قبل شركة محروقات ومراكز التوزيع الأخرى»، للمنشآت الصناعية الخاصة والفعاليات التجارية والخدمية الخاصة، على أن «يبلغ من يلزم لتنفيذه اعتباراً من الدقيقة الأولى من صباح يوم الأحد الواقع في 24/10/2021».

السعر أعلاه، وبغض النظر عما قيل بأنه «بالتأكيد أقل من كلفة المازوت على الدّولة»، بحسب كلام وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عبر صفحته الشخصية بتاريخ 23/10/2021، فإنه يعتبر إنهاءً للدعم المقدم على هذه المادة رسمياً، ومقدمة لاستكمال تحرير سعره تالياً، وبشكل نهائي، مع التداعيات السلبية الكثيرة لذلك طبعاً.

سقوط الذرائع

بعيداً عن كل ذرائع العقوبات والحصار، وما إلى ذلك من مبررات كانت تُقدم بشأن عدم توفر المازوت الصناعي «المدعوم» خلال السنين الماضية بالكميات الكافية، واضطرار الصناعيين لتأمينه عبر السوق السوداء بأسعارها المرتفعة، ها هي، وبقدرة قادر، تتوفر كميات كافية منه على ما يبدو، لكن بموجب السعر الجديد المعلن عنه أعلاه، ليتبين أن توفر المادة لا علاقة لها بالذرائع والمبررات المساقة رسمياً، بل بالسعر «المدعوم» فقط لا غير، وربما- وهو الأهم- بالموردين لهذه المادة، والمتحكمين بها من القطاع الخاص، بالتعاون مع الفاسدين طبعاً!
فقد سبق لوزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك أن كتب عبر صفحته الشخصية بداية الأسبوع الماضي أن: «سعر المازوت الصناعي سيكون أقل من سعر السوق السوداء، والصناعي لن يلجأ إلى شرائه من هذه السوق طالما سيتوفر بسعر أقل، وبالتالي سيضمن تخفيض الأسعار».
وقد نُقل أيضاً عن اتحاد غرف الصناعة السورية، عبر بعض وسائل الإعلام، أنه: «بعد الجهود الحثيثة من قبل جميع الأفرقاء، وبعد توصل اتحاد الغرف إلى اتفاق مع الشركة الموردة برعاية الحكومة الشهر الماضي، فإن مادة المازوت ستكون متوفرة لكافة المناطق الصناعية في كل المحافظات، ولكن بسعر جديد يضمن استمرارها، ولكنه يبقى أقل بكثير من سعر السوق السوداء».
وقد رشح إعلامياً، أن شركة BS Company «أعلنت لكافة الفعاليات الاقتصادية أنه بإمكانها بدءاً من يوم الأحد 24/10/2021 مراجعة الغرف المعنية للتزود بالمشتقات النفطية»، وأكدت: «أن بيع المازوت سيكون وفق السعر الجديد المحدد من قبل وزارة النفط والثروة المعدنية».
وتجدر الإشارة هنا إلى أن إعلان الشركة الموردة أعلاه كان قد سبق صدور قرار الوزارة الذي حدد السعر كما هو مبين في المقدمة!

إنهاء الدعم يرسخ السوق السوداء

إن الحديث الرسمي عن تأمين مادة المازوت للصناعيين بسعر أدنى من سعر السوق السوداء، وصدور القرار أعلاه الذي يحدد السعر الحالي بـ 1700 ليرة لليتر، وبغض النظر عن آليات تنفيذ ذلك، وعبر مَن، يعني التالي:
إلغاء الدعم على هذه المادة للصناعيين رسمياً، وبشكل نهائي، أي تحرير سعرها عملياً.
الاعتراف الرسمي بالسوق السوداء، والعجز تجاهها.
شرعنة السعر الاستغلالي لهذه السوق، والأسوأ اعتبار هذا السعر، المتحرك صعوداً من الناحية العملية، حداً يقاس عليه بشكل رسمي.
فلا ضمان لديمومة استمرار تدفق توريدات المازوت الصناعي وفقاً للسعر أعلاه، وبما يسد الحاجة للفعاليات الصناعية والتجارية المشمولة بمتن القرار.
فمع بوادر تسجيل نقص الحاجات الصناعية والتجارية من هذه المادة، وهو ما سبق أن جرى خلال السنوات الماضية من خلال تجارب شبيهة، ستستعيد السوق السوداء نشاطها مجدداً، هذا إن توقف هذا النشاط أصلاً!
فسعر السوق السوداء للمادة لا يقتصر على استغلال حاجات الصناعيين فقط، بل تستغل حاجات المزارعين لإنتاجهم، والمواطنين للتدفئة أيضاً، بالإضافة إلى قطاع النقل، وبقية القطاعات الإنتاجية والخدمية الأخرى.
وبكل اختصار، فإن إنهاء دعم المازوت الصناعي حالياً، وتحرير سعره بشكل نهائي لاحقاً، مع استمرار نشاط السوق السوداء على المادة استغلالاً للحاجات، لن يكون إلا مقدمة جديدة لزيادة استشراس شبكات هذه السوق، وربما مع زيادة في سعرها أيضاً بما يتجاوز 4000 ليرة لليتر، طالما بقيت هذه السوق تفعل فعلها استغلالاً ونهباً للحاجات، في ظل عدم توفير المادة لكافة القطاعات، الصناعية والزراعية والتجارية والخدمية، ولجميع المواطنين من أجل التدفئة، على حساب المنتجين والمستهلكين والاقتصاد الوطني.
فعن أي ضمان، حول تخفيض الأسعار، يجري الحديث هنا؟

ماذا عن بقايا الدعم على المادة؟

إن شرعنة إنهاء الدعم على المازوت الصناعي بحسب مضمون القرار أعلاه، وصولاً لتحرير سعره بشكل نهائي لاحقاً، والتخلي الرسمي عن مهام توفير هذه المادة وتوريداتها، لتكون بعهدة الشركات الخاصة، توريداً وتوزيعاً، استناداً لذرائع العقوبات والحصار، وقلة التوريدات وعدم انتظامها، وطغيان السوق السوداء، وغيرها من التبريرات الكثيرة الأخرى، قد تكون مقدمة لإنهاء الدعم على مازوت التدفئة والنقل والزراعة أيضاً، بعد عمليات القضم المتتالية على هذا الدعم خلال السنين الماضية، وربما كل المشتقات النفطية، وقطاع الطاقة عموماً، لاحقاً.
فبعيداً عن حملات التهليل والترويج حول خطوة تحرير سعر المازوت الصناعي التي بدأ تنفيذها، فإن الأيام القادمة تبدو أكثر قتامة وأشد قسوة، ليس على الصناعيين والمنتجين عموماً، والتي قد تخرج بعضهم من العملية الإنتاجية، بل على عموم المستهلكين، وخاصة الغالبية المفقرة، ولم لا؟ طالما ذرائع تسويق وشرعنة الموبقات مستمرة ومتوالدة، وبوابات النهب والفساد مفتوحة على مصراعيها.
فمصالح كبار الناهبين والفاسدين أهم من الصناعة والإنتاج ومصالح المستهلكين والاقتصاد الوطني، بل والمصلحة الوطنية بشكل عام.

ارتياح مشروط مع تحذير من المخصصات الوهمية

لا شك أن الصناعيين، والمنتجين عموماً، اعتبروا توفير المادة بموجب السعر أعلاه إنجازاً، فالفارق الكبير بين سعر السوق السوداء الذي وصل إلى 4000 ليرة لليتر، والسعر المحدد بمبلغ 1700 ليرة، هو بمصلحة الصناعة والإنتاج، بحال ثباته وديمومته، ولعله من المفترض أن تنخفض تكاليف الإنتاج استناداً لهذا الفارق، وبالتالي، من المفترض أن ينعكس ذلك انخفاضاً على أسعار المستهلك بالنتيجة، لكن يبقى ذلك مشروطاً باستمرارية توريد المادة وفقاً لهذا السعر، مع الكثير من الضوابط الهامة الأخرى.
وحول ذلك كتب الصناعي «عاطف طيفور» عبر صفحته الشخصية بتاريخ 23/10/2021 ما يلي: «الفعاليات الاقتصادية تشتري المادة بمتوسط ٣-٤ آلاف، وتوفير المادة يجب أن ينعكس على رفع نسبة الإنتاج وانخفاض الأسعار، بمعنى، انخفاضاً من ٤٠٠٠ إلى ١٧٠٠ وليس بمعادلة رفع السعر من ٦٥٠ إلى ١٧٠٠، وأي ارتفاع أسعار بحجة رفع السعر الرسمي ستكون خارج الواقع.. توفير المادة والمخصصات للفعاليات الاقتصادية، يعني: انخفاض الطلب في السوق السوداء، وانخفاض سعر المادة تدريجياً، ويعني: انتهاء استغلال المخصصات الوهمية للمتاجرة في السوق السوداء، ويعني: انفراجاً بالمواصلات.. نتمنى التوازن بالتوزيع، وتقسيم المخصصات بشكل دوري، وليس بشكل مفتوح ومطلق وحسب الرغبة، والحذر من المخصصات الوهمية ومن الفعاليات الوهمية، وأن تكون هناك رقابة على مخصصات النقل، فمن كميات محدودة فتحت سوق سوداء واسعة، مخصصات الصناعي الوهمي قد تكون كميات أضخم وتفتح سوقاً سوداء أضخم للتخزين والمتاجرة لاحقاً.. نتمنى أن يشمل القرار توفير المادة للمزارع، وليس فقط للصناعي والتاجر.. ونتمنى من غرف الزراعة تنسيق هذا التوزيع كما غرف الصناعة والتجارة.. الصناعي قادر على شراء مخصصات السنة وتخزينها، ولكن المزارع بحاجة لتنسيق وتوزيع شهري أو موسمي، ونقترح؛ تصنيف مخصصات الفلاح أولوية مطلقة، وأن يتم حجز مخصصات مسبقة لصالح غرف الزراعة توزع شهرياً على الفلاح».
فهل ستجد الملاحظات والمقترحات أعلاه، المقدمة باسم أحد الصناعيين، أذناً صاغية، ورقابة فاعلة؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1041
آخر تعديل على الإثنين, 25 تشرين1/أكتوير 2021 23:31