محصول التبغ.. مزيد من تراجع الإنتاج!؟
انخفض محصول التبغ هذا الموسم بالمقارنة مع الموسم السابق بحدود 4 مليون كغ، وقد ورد عبر وكالة سانا بتاريخ 29/8/2021 أن المؤسسة العامة للتبغ «قدرت كميات محصول التبغ ولكل الأصناف لعام 2021-2022 بنحو 8,5 ملايين كغ، وهي أقل من محصول السنة الماضية كماً ونوعاً، وذلك بسبب انحباس الأمطار وموجة الجفاف التي ضربت المنطقة هذا العام».
لا شك أن انحباس الأمطار وموجة الجفاف أثرت على المحصول، لكن هل هي المتسبب الوحيد في انخفاض المحصول، أم أن هناك أسباباً أخرى؟
أسعار غير مجزية
بدأت عمليات استلام محصول التبغ لموسم 2021 مطلع شهر أيلول الحالي من خلال لجان الشراء المشكلة من قبل المؤسسة العامة للتبغ.
عمليات الشراء تتم بموجب الأسعار المقرة من الحكومة بتاريخ 24/6/2021 استناداً لتوصية اللجنة الاقتصادية وفق التالي: سعر كيلو التبغ من أصناف شك البنت بـ 4500 ليرة سورية، والتنباك بـ 3520 ليرة، والبصما بـ 5300 ليرة، وبريليب بـ 4500 ليرة، وكيلو برلي بـ 3400 ليرة، وكيلو كاتريني بـ 4500 ليرة، وكيلو فرجينيا بـ 3900 ليرة.
وبحسب بعض المزارعين، إن أسعار الشراء غير مجزية مقارنة مع تكاليف العملية الإنتاجية، التي لا تقف عند السماد والمحروقات، بل تتعداها إلى كافة مستلزمات الإنتاج، بالإضافة إلى الجهد المضني الذي يبذله الفلاح وأفراد أسرته على المحصول، والذي يستمر طيلة الفترة بين موسمين.
الصعوبات والبحث عن الإنصاف
تراجع المحصول لهذا الموسم بالمقارنة مع الموسم السابق ليس مستغرباً، فإذا كان لانحباس الأمطار وموجة الجفاف تأثير على المحاصيل الزراعية عموماً، ما أدى لانخفاضها بالكم وتراجعها بالنوع، فإن هناك جملة من العوامل الأخرى الأكثر أهمية، والتي لم تؤدِّ إلى انخفاض المحاصيل فقط، بل إلى مزيد من هجرة الزراعة والأرض، ومحصول التبغ ليس استثناءً في ذلك.
فمزارعو التبغ، وعلى مدى سنين طويلة سابقة، لم يملوا من المطالبات بحثاً عن الإنصاف، وبالحد الأدنى بالسعر المجزي لمحصولهم بما يغطي تكاليف الإنتاج، ويضمن استمرارهم بالعمل في أرضهم، حيث يقول البعض: إن حسابات التكلفة التقديرية التي تعتمدها مؤسسة التبغ، وبالتالي الأسعار المعتمدة من اللجنة الاقتصادية والحكومة، لا تأخذ بعين الاعتبار التكاليف الفعلية التي يتكبدها المزارع على محصوله، فالموضوع ليس محصوراً بالبذار والشتول فقط.
فالكل يعلم أن الأسمدة والأدوية والمبيدات والنايلون، كجزء من التكاليف على سبيل المثال، متحكم بها في السوق من قبل بعض التجار، كماً وسعراً ونوعاً، حالها كحال بقية مستلزمات الإنتاج، أما المحروقات فحدث بلا حرج عن مآل أسعارها في السوق السوداء.
ولعل الغائب الأكبر في حسابات التكلفة التقديرية هي أجور اليد العاملة، والجهود المضنية المبذولة على المحصول بين موسمين (الحراثة- التسوية- التعزيل- الفلاحة- التعشيب..)، فمناطق زراعة المحصول غالباً ما تكون في المرتفعات التي لا يمكن أن تصلها الآليات، والعمل على المحصول بغالبيته هو عمل يدوي وعضلي، أي زيادة في تكلفة أجور اليد العاملة بالنتيجة، حيث تضاعفت هذه التكاليف عدة مرات عن الموسم السابق.
بعض المطالب
ما سبق أعلاه مستمر منذ سنوات، وكان من نتائجه المباشرة تراجع الإنتاج، وتراجع المساحات المزروعة بالمحصول، حيث يضطر الفلاحون وهرباً من تراكم الخسائر إلى العزوف عن زراعة هذا المحصول واستبداله بمحاصيل أخرى أكثر جدوى اقتصادية بالنسبة لهم، مع العلم أن زراعة المحصول مقيدة رسمياً بالمساحات المحددة والمسقوفة لكل مزارع، ومُشرَف عليها افتراضاً.
ومن جملة المطالب المزمنة بهذا الصدد، بالإضافة إلى الإنصاف بالسعر الرسمي، زيادة المساحات المخصصة وفقاً للرخص الممنوحة، عسى تتحقق الجدوى الاقتصادية من المحصول بالنسبة لهؤلاء المزارعين، أو تحد من خسارتهم، بالإضافة إلى المطالبة بالمزيد من الدعم الفعلي على مستلزمات العملية الإنتاجية، وخاصة المحروقات والأسمدة والأدوية.
تراجع الإنتاج ومصالح حيتان المال والفساد
التجار لم يعدموا حيلة في محاولة استقطاب جزء من محصول هذا الموسم كما كل موسم، وذلك من خلال العرض على الفلاحين أسعار شراء أعلى من الأسعار الرسمية، حيث وصل سعر الكيلوغرام من بعض الأصناف إلى 20 ألف ليرة، وهو سعر مرتفع بالمقارنة مع أسعار شراء مؤسسة التبغ، فأعلى سعر رسمي هو 4500 للكلغ، وهو بالتالي مجزي بالنسبة للمزارع، حتى لو تكبد مقابله بالغرامة، أو لسحب رخصته! ولا غرابة في ذلك، فالخيارات المتاحة أمام هذا المزارع محدودة، إما الخسارة المتراكمة أو التعامل مع تجار السوق، أو العزوف عن زراعة المحصول!
وواقع الحال يقول: إن محصول التبغ سيستمر بالتراجع طالما استمرت آلية التعامل الرسمي مع مستلزماته وأسعاره بهذا الشكل! فبين موسمين تراجع الإنتاج بما يعادل الثلث، فكيف الحال مع المواسم القادمة؟!
والطامة، أن الانعكاس السلبي لذلك لا يقتصر على المزارع فقط، بل على مؤسسة التبغ نفسها، وعلى معامل الدخان المحلية.
فمن المفروغ منه أن من مصلحة حيتان الاستيراد والفساد أن يستمر تراجع المحصول وصولاً لوأده، وأن تصل هذه المعامل إلى التوقف النهائي، كما غيرها من القطاعات الإنتاجية الأخرى (صناعية أو زراعية) التي يسعون إلى إيقافها، كي يستحوذوا، وبشكل نهائي، على السوق المحلية ويتحكموا بها.
فهل من مصلحة مؤسسة التبغ، والحكومة من خَلفَها، استمرار الوضع على ما هو عليه، أم هي مصلحة حيتان المال والفساد فقط؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1035