خارطة «عام القمح» وفشلها الذريع..
دائماً ما ترفع الحكومة من سقف تطلعاتها الكلامية فقط، المحسوبة بلا خطة مدروسة ومدعمة بممكنات التنفيذ، لتكون مجدية فعلاً لإحداث الفارق المرجو من تلك الخطة، فتُكثِر من الشعارات التي تطرحها، ليتبين فيما بعد أنها شعارات تبقى في مهب الريح لا أكثر.
فبعد إطلاق وزارة الزراعة شعار «عام القمح» للموسم الحالي، وتبني الحكومة له، تبين فيما بعد أنه فعلاً عام القمح، ولكنه الأعجف على الإطلاق.
فقد كشف رئيس مكتب شؤون الزراعية في الاتحاد العام للفلاحين، عن انخفاض إنتاج القمح للعام الحالي إلى 400 ألف طن مقارنة بـ 600 ألف طن للعام السابق، معزياً ذلك، بسبب قلة الأمطار والجفاف وتضرر بعض المساحات المزروعة، حسب تصريحه.
هذا يعني، أن التوجهات والتوصيات الضامنة لتنفيذ الخطة الزراعية للموسم الحالي، والهادفة للوصول إلى المنتوج القمحي الوفير، الذي طُبِل وزُمِر له كثيراً، لم تُصب، وكيف لها ذلك وهي توصيات بقيت على الورق؟!
فلا جدوى من تلك التسمية «عام القمح» إذا لم يُقدّم الدّعم الكامل للموسم من الألف إلى الياء، ليصبح واقعاً ملموساً، خصوصاً في ظل موجة الجفاف التي انعكست على موسم القمح، وبشكل خاص على البعلي منه.
الخطة المرجوة ونتائجها!
خلال المؤتمر السنوي للحبوب، الذي عقد يوم 8 أيار من العام الحالي، برئاسة رئيس مجلس الوزراء، تم التوصل إلى جملة من التوصيات والقرارات، نضيء على البعض منها، والتي تنعكس على المزارع بشكل مباشر ضمن العملية الإنتاجية.
أهم تلك التوصيات، كانت التعهد بتوفير الدّعم الكامل، بدءاً من توفير الأسمدة والمحروقات لعمليات الري، وصولاً إلى تأمين الجرارات لتالجرارات والحصادات وما يلزمها من محروقات وتسهيل مرورها، بالإضافة لصرف أجور النقل لكل من الفلاحين والموردين لتسليم المحاصيل، أي: توفير الدّعم الكامل لكل ما يلزم لاستلام المحصول من الفلاحين.
تلك التوصيات والتطمينات الحكومية حفّزت المزارعين، ليس فقط على زراعة القمح، بل وعلى التوسع بالمساحات المزروعة، ولكن تبيّن أن التوصيات كانت في مكان، والنتائج في مكان آخر!
فالعام الحالي تميّز بندرة الهطولات المطرية، ما يعني أن الموسم المروي كان بحاجة للدعم الحكومي، من خلال توفير المياه للري الكافي للمحصول، مع عدم إغفال النتائج التالية التي أدت إلى خروج 90% من المحصول البعلي، وهذا لم يحسب له حساب ضمن التوصيات المقرة!
أما ما قدمته الحكومة للمحصول المروي فهو تخصيص لتر واحد من المحروقات لكل دونم فقط لا غير، أما الحاجة الفعلية للدونم الواحد بالحالة الطبيعية فهي بنحو 5 لترات!
فكيف يكون الحال مع موجة الجفاف التي ضربت المحاصيل، والتي معها لابد من زيادة عدد مرات الري، ما يعني زيادة دعم المحروقات من قبل الحكومة أكثر، وهذا لم يحصل؟!
ناهيك عن تكاليف الحراثة التي كانت مرتفعة، وليست كما حددت من قبل الحكومة، علاوة عن أسعار الأسمدة المرتفعة، وإلى الحاجة لكميات إضافية من المحروقات لعملية الري التي يتكبدها الفلاح بأسعار السوق الحر، وغيرها الكثير من التكاليف التي وقعت على عاتق الفلاح.
وأما عن سعر شراء كيلو القمح من الفلاح وفق ما حدد من قبل مجلس الوزراء بـ 900 ليرة، فهو طبعاً لا يغطي تكاليف ما يتحمله المزارع، وما لحقه من خسائر بالمحصلة، خصوصاً من يعتمد على الموسم البعلي من المحصول، وما لحق به نتيجة للجفاف وقلة الأمطار....
الآمال المرجوة والحاجة للاستيراد
لم تكتمل الآمال المرجوة من زراعة مليون ونصف هكتار من القمح (بعل ومروي)، وما كان سيدره على السوريين من نتائج، يمكن أن تسمى «عام القمح» قولاً وفعلاً!
فالموسم لم يتعدّ 400 ألف طن، أي: أن المحصول لهذا العام لا يغطي سدس الكمية الإجمالية لحاجة الاستهلاك السنوي من القمح، التي تقارب 3 ملايين طن، مليونا طن لإنتاج الخبز، والباقي يوزع بين تأمين البذار، ومواد أخرى، مثل: البرغل والمعكرونة وغيرها من المواد المنتجة من القمح.
وتعود أبرز أسباب تراجع المحصول إلى قلة الدعم الحكومي الحقيقي، وقلة الأمطار التي أجهزت على 90% من المحصول البعلي.
أما المحصول المروي فيخضع لسياسة تقسيم الأمر الواقع التي تشهدها البلاد كمناطق نفوذ، فأغلب المحاصيل المروية تتركز ضمن مناطق سواء كانت خارج السيطرة الحكومية، أو التي توجد فيها منافسة كبيرة على المحصول، مثل: حلب ودير الزور والحسكة وسهل الغاب وإدلب والرقة، والتي لم تحصل منها الحكومة إلا على القليل من إنتاجها من القمح، خصوصاً مع الأسعار التي تنافس تسعيرة الحكومة.
فسعر الشراء الحكومي لكيلو القمح من المزارع 900 ليرة سورية بعد إضافة المكافأة إليها، أما سعر الشراء في مناطق الشمال الشرقي فتقدر بـ 1150 ليرة سورية، أما في إدلب فكان سعر شراء طن القمح يقدر بـ 300 دولار!
وعليه، فأغلب المحصول الذي تسلّمته الحكومة يعود للمنطقة الساحلية والجنوبية والوسطى فقط، ولا يشكل نسبة تذكر من إجمالي المحصول المروي!
ووفقاً لهذا النقص، صرح رئيس الشؤون الزراعية في الاتحاد العام للفلاحين، «لا بديل عن الاستيراد، حيث بيّن أن وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية طلبت استيراد 225 ألف طن قمح لهذا العام، والحاجة أكبر من هذه الكمية».
الدّعم الحقيقي يخفف أعباء الاستيراد
الحاجة للاستيراد الآن واضحة من خلال حجم المحاصيل التي سلمت للحكومة، والتي لم تتعدّ 400 ألف طن، بمقابل الحاجة المقدرة بـ 3 ملايين طن، خصوصاً في ظل وجود قوى منافسة في السوق، وكنتيجة لتقسيم الأمر الواقع في البلاد مع كل أسف، بسبب تأخر الحل السياسي.
فحيتان الاستيراد والفساد ستزداد أرصدتهم البنكية وثراؤهم الفاحش جراء عمليات الاستيراد التي لا بد منها الآن، بفاتورتها وما يضاف إليها من نفقات إضافية، والتي يتحمل نتائجها في نهاية المطاف المواطن وحده، والتي تنعكس على ربطة الخبز، والمواد الأخرى التي يدخل القمح في صناعتها، وطبعاً التجارب خلال السنوات السابقة خير دليل.
ولعل من الأولوية تخفيض فاتورة الاستيراد من خلال تقديم الدعم الحقيقي للمحاصيل الإستراتيجية، كالقمح الذي يشكل الأمن الغذائي للمواطنين، كمهمة أساسية تقع على عاتق الحكومة، وذلك فق خطة مدروسة وبجدوى اقتصادية حقيقية، مع ضرورة وضع خطة بديلة للأزمات المفاجأة، كالتي حصلت خلال الموسم الحالي من جفاف أدى إلى تراجع المحاصيل البعلية.
فاستمرار الوضع على ما هو عليه، وبعيداً عن الكلام الشعاراتي والخطط غير المنفذة ووعود الدّعم الخلبية، يعني المزيد من التدهور الكارثي، والمزيد من التكاليف جراء عمليات الاستيراد، مع عمولاتها وهوامش ربحها المضافة بذرائع العقوبات، والتي تحقق المزيد من الأرباح النهبوية في جيوب البعض، على حساب المواطن والاقتصاد الوطني.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1035