الإنترنت.. استراتيجية الوعود في مكان والواقع في مكان آخر!
ما زالت وزارة الاتصالات تتحدث عن الجهود المبذولة لتحقيق استراتيجيتها التي بُنيت استناداً إلى «برنامج سورية ما بعد الحرب» الذي أطلق خلال العام 2017، حيث تضمن سلة من البرامج المرتبطة بتقانة المعلومات والاتصالات ومشروع الإصلاح الإداري واستراتيجية الحزمة العريضة.
استراتيجية الحزمة العريضة التي أطلقتها وزارة الاتصالات والمنفذة سياستها عبر الشركة السورية للاتصالات، لتحقيق معدلات نفاذ وانتشار لبوابات الإنترنت، تهدف إلى تحسين ترتيب سورية دولياً!
وضمن الجهود الرامية لتحقيق جودة أعلى لخدمة أفضل، ما تزال الشركة السورية للاتصالات تعمل على نهج إلغاء السرعات المنخفضة، لعلها تواكب واقع الإنترنت العالمي!
خلال العام 2020 تم إلغاء سرعة 512 كيلوبت للمشتركين الجدد فقط، بعد أن تم إلغاء السرعة الأدنى منها 256 كيلوبت بوقت سابق، واليوم ما تزال الشركة السورية تمضي وفق ذلك الانزياح باتجاه إلغاء سرعة الـ 1ميغا، وبحال التطبيق ستبدأ اشتراكات النفاذ إلى الإنترنت عن طريق بوابات الحزمة العريضة «ADSL» وفق السرعة 2 ميغا وما فوق، طبعاً مع العلم أن بداية شهر آذار 2020 تم العمل وفق نظام شرائح استخدام الإنترنت لمشتركي خدمة ADSL.
انزياح دون حل المشاكل التقنية؟!
تحدث مدير التسويق في الشركة السورية للاتصالات عن إمكانية تحقيق انزياح جديد بسرعة اشتراكات بوابات الحزمة العريضة «ADSL»، موضحاً لجريدة البعث «أن استراتيجية الشركة تستهدف تحقيق الانتقال إلى سرعات أعلى وتحقيق الانزياح إلى 2 ميغا، للتوافق مع متطلبات الحزمة العريضة، وواقع الإنترنت العالمي، بحيث تكون جودة الخدمة ملائمة للأعمال والتواصل الفعال، ومتطلبات التحول الرقمي الجديدة. وأشار إلى أن الشركة تعمل على تحقيق الانزياح باتجاه الـ 2 ميغا، على مراحل، وقد أنجزت الانتقال الكامل من 256 كيلوبت، إلى 512 وما فوق».
وأشار المدير إلى أن إطلاق استراتيجية التحول الرقمي والخدمات الرقمية الحكومية، وخدمات الدفع الإلكتروني المتنوعة، والتي تزداد يوماً بعد آخر يدفع الشركة للمزيد من العمل على تأمين خدمة الإنترنت اللازمة، التي تخدم المستخدمين والتوجهات العصرية للدولة، وتوجهات وزارة الاتصالات، كما بين أن الشركة أطلقت عرض الانتقال لسرعة 1 ميغابت لأصحاب السرعات الأقل بنفس التكلفة، وبنفس إمكانية التحميل للباقة الأقل والتي هي 30 غيغا، كما تستهدف إطلاق المزيد من العروض للمواءمة مع متطلبات المستهلكين، وتحفيزهم على الانتقال.
لابد من الإشارة إلى أن تحقيق الانزياح باتجاه السرعات الأعلى، يتطلب بنية تحتية «خطوط هاتف وتجهيزات تقنية وفنية بالمقاسم» قادرة على تقديم الخدمة بالجودة المطلوبة الحقيقية كما هو معلن، ودونها لا يمكن تحقيق تلك الجودة المزعومة، ونحن لا ننكر وجود بنى تحتية لا باس بها في بعض المناطق، ولكن بالطرف المقابل، علينا الاعتراف أن الغالبية العظمى من المناطق تعاني من بنى تحتية سيئة غير قادرة على تغطية جودة الاتصال بسرعة 512 كيلوبت، وأحياناً السرعات الأعلى أيضاً، والبعض الأخر لا يمكن معه الاستفادة من الخدمة نهائياً.
فكيف يمكن إلغاء تلك السرعات الدنيا، وفرض سرعات لا يمكن للبنية الخدمية والفنية المتوفرة تأمين جودتها المطلوبة؟
بالإضافة إلى أن المشترك الذي يعاني من تلك البنى الخدمية السيئة سيقوم بتسديد فاتورة لسرعة اشتراك لا يحصل على خدمتها أصلاً!
فمثلاً، سوء البنى التحتية من خطوط هاتف وتجهيزات تقنية في كثير من المناطق داخل المدن والأرياف حتى يومنا هذا لا يمكن معها الاستفادة من أية سرعة اشتراك، وبالتالي المشترك سيسدد تكلفة خدمة لم ولن يحصل عليها نهائياً!
وبالنسبة لمشتركي سرعة الـ 512 كيلو، أو 1 ميغا، قد يكون عرض الانزياح إلى 2 ميغا المعلن عنه تحفيزي، ولكن مع سوء البنية الخدمية التي لا تسمح بالاستفادة من السرعات، فهو يبقى مجرد تسديد لفاتورة أعلى، دون ملاحظة أي فرق في الجودة نحو الأفضل!
نظام الشرائح فاقم المشكلة
أقرت الهيئة الناظمة للاتصالات العمل وفق نظام شرائح استخدام الإنترنت لمشتركي خدمة ADSLابتداءً من 1 آذار2020، الهدف من هذا القرار تقييد المشتركين بحجم استهلاك محدد يختلف من سرعة إلى أخرى، وبحال تم استهلاك كامل الشريحة المخصصة لسرعة الاشتراك قبل نهاية الشهر، ستنخفض سرعة الاشتراك، وإذا أراد المشترك الحفاظ على السرعة الأساسية هناك إمكانية الاستعانة بباقات شحن الإنترنت المتوفرة لدى مزودي الخدمة، سواء الخاصة أو مزود تراسل العام، هذا التعديل المقيد أصبح مكلفاً فعلاً على جيب المواطن.
فمثلاً، الإنترنت هو منفذ التعلم عبر منصات التعليمية الالكترونية المتوفرة بشكل مجاني، والتي يجري التشجيع على استخدامها رسمياً، وذلك نظراً لارتفاع تكاليف الدورات التعليمية المتوفرة عبر المعاهد الخاصة، والتي لا إمكانية لدى الغالبية العظمى للالتحاق بها، وسقوف الشرائح، وخاصة للمشتركين بالسرعات الدنيا، تحول دون استمرار الاستفادة من هذه المنصات، أو الاضطرار للجوء إلى الباقات المكلفة.
وطبعاً هذا القرار أضر أيضاً بطلاب الجامعات عموماً، وخاصة الافتراضية، بالإضافة إلى عموم المواطنين، وكل الفعاليات الصناعية والتجارية، ناهيك عن سوء جودة الخدمة والتقطع المستمر.
بالمقابل، تجدر الإشارة إلى أن الإنترنت المتوفر عبر شركات الاتصال الخلوي يعتبر أفضل بكثير من الإنترنت الثابت، ويوفر سرعات تحميل ورفع أفضل بكثير، ولكن تكلفته مرتفعة ولا إمكانية لدى المواطن المفقر أن يتحمل عبء تكاليف إضافية تزيد الطين بلة عليه!
الإنترنت بين الرفاهية والضرورات
أصبح الإنترنت من ضرورات الحياة التي لا يمكن الاستغناء عنها ضمن الواقع العالمي الحالي، ولكن ضمن الوضع السوري، تبقى ميزة الحصول على الإنترنت المنزلي ميزة أقرب للرفاه لدى الغالبية العظمى، فتعمق مأساة الوضع الاقتصادي دفع المواطن للتفكير بأولويات معيشته، وأصبح الاستغناء عن الإنترنت خياراً سيجبر عليه المواطن على ما يبدو، خصوصاً بعد تطبيق نظام الشرائح، والانزياح المستمر للسرعات الأعلى شكلاً وليس مضموناً، والأهم بهذا الصدد، هو مواعيد تسديد الفاتورة التي تم تحديد سقف زمني لها مقابل إلغاء الاشتراك بحال التخلف عن التسديد، في عملية شبه تطفيشية من الخدمة للشرائح المفقرة فقط، واستمرار المحافظة عليها من قبل الشرائح الميسورة، بمعنى آخر، فإن الطبقية يجري تكريسها أيضاً على مستوى خدمة الإنترنت، بشكل مباشر وغير مباشر.
مشاكل تواجه المشتركين
أمجد، العامل لدى أحد المزودات الخاصة، تحدث لقاسيون عن المشاكل التي تواجه المشترك، من سوء الخطوط والتجهيزات، وبعد المقسم لعدة كيلومترات تجعل الخدمة سيئة للغاية، ولا حل يمكن تقديمه للمواطن سوى النصح بإلغاء الاشتراك كونه لن يستفيد من الخدمة بتاتاً!
كما أن المشتركين بسرعة الـ512، عند تقديم العروض التحفيزية لهم، وبعد الاستفادة من السرعة الأعلى لا يلاحظون فرق بالجودة فيفضلون إلغاء الاشتراك كونه تكلفة بلا جودة مقدمة!
كما أعلمنا أن كل بوابة ـADSL يتم استثمارها من قبل ما يزيد عن 8 مشتركين، والعدد قد يزيد أو ينقص حسب طمع المزود واستغلاله، وهذا يؤدي بطبيعة الحال إلى سوء الخدمة، كونه لكل بوابة عرض مجال، كلما كان عرض المجال أكبر كلما كان الأداء أفضل، وتقسيمه على عدد كبير من المشتركين يؤثر بالتأكيد بالاتجاه السلبي على الخدمة!
وعن سؤاله أن سورية تعتبر من الدول الرخيصة بالنسبة لفاتورة الإنترنت، أجاب: أننا مقارنةً بالدول الأخرى نعد الأغلى، لأن أغلب دول الجوار سبقتنا بالسرعات التي تؤمنها لمواطنيها، وأغلب الدول كلفة كافة خدمات الاتصالات فيها لا تشكل نسبة تذكر من دخل المواطن، وتجهيزاتها تؤمن الجودة المطلوبة، مؤكداً أن وسطي سرعة التحميل بأحسن الأحوال لدينا لا تتجاوز 2 ميغا بالثانية!
أخيراً، تجدر الإشارة إلى ترتيب سورية وفق سرعة الإنترنت، فهو متراجع جداً، حيث تداولت وسائل الإعلام مؤخراً، نقلاً عن التصنيف الصادر عن موقع «سبيد تيست غلوبال»، حلول سورية بالمرتبة 173عالمياً بسرعة الإنترنت!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1030