استيراد الزجاج والحديد قاطرة نمو جديدة للفاسدين
عبير حداد عبير حداد

استيراد الزجاج والحديد قاطرة نمو جديدة للفاسدين

أصبح الاستيراد السمة الأساسية الطاغية على الاقتصاد السوري، وأما دورة الإنتاج المحلي ابتداءً من المواد الخام وصولاً إلى المنتج بشكله النهائي فقد صارت من المنسيات، وسيناريو الدعم الحكومي لتحفيز الإنتاج المحلي ضرب من خيال، وبات ما يتم الحديث عنه عن التصدير من برامج ومؤتمرات لدعم القطاعات الصناعية وغيرها يتبخر مع التقادم، حاله كحال المثل القائل «كلام الليل يمحوه النهار».

فمسألة فتح باب الاستيراد مهددة للإنتاج الحقيقي، وتمس قطاعات استراتيجية تدخل في عمق الإنتاج الوطني، كمادة القطن المحلوج والخيوط القطنية التي فُتح باب استيرادها للقطاع العام وللصناعيين خلال الشهر الفائت، بحجة تراجع إنتاجها، وكذلك الأمر لمحصول القمح...
الأمثلة كثيرة، وآخر ما حرر بتاريخ 27 تموز هو اجتماع وزير الصناعة بصناعيي الزجاج والحديد، والذي تمخض عنه، تقديم الصناعيين دراسة رقمية لتكاليف وكميات المواد المطلوبة للسماح باستيراد مادتي الزجاج والمرايا، وكذلك الحديد!

الزجاج والحديد من جديد على قائمة الاستيراد؟!

اجتمع وزير الصناعة في حكومة تسيير الأعمال، ونائب رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها، ومدير صناعة ريف دمشق، وعدد من صناعيي الزجاج والحديد، في مقر وزارة الصناعة بتاريخ 27 تموز، وذلك لبحث المشكلات والمعوقات التي تعترض الصناعيين.
حيث طالب صناعيو الزجاج خلال الاجتماع بفتح باب الاستيراد لمادة الزجاج والمرايا، كما بيّن الصناعيون سبب ارتفاع أسعار المرايا الذي يعود لمنع استيرادها، وطالبوا بإعادة النظر بقرار الضميمة «الرسوم» على الزجاج المستورد، في حال تمت الموافقة على عملية الاستيراد.
وكذلك ناقش صناعيو تشكيل المعادن، قرار منع استيراد لفائف الحديد من سماكة 6 إلى 8 مم، مطالبين بالسماح باستيراد هذه المادة كونها لا تنتج محلياً بالجودة المطلوبة.
وأكد الوزير جاهزية الوزارة للمساعدة بحل المشكلات التي تعترض صناعيي الزجاج، مبيناً أنه لا مانع من الاستيراد بما أن المنتج المحلي غير متوفر في الوقت الحالي، وكون قرار وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية بإيقاف استيراد الألواح الزجاجية هو لعام واحد، ويمكن تجديد العمل به بعد رفع مطالب الصناعيين لحل المشكلة، لافتاً: أن قرار منع استيراد الحديد جاء نتيجة لتوفر البدائل المحلية الصنع، وطلب الوزير في نهاية الاجتماع تقديم دراسة لتكاليف وكميات المواد التي سيتم استيرادها، وكميات استهلاك القطع الأجنبي، وما يقابله من كميات تصديرية للمواد المنتجة النهائية، وما ستقدمه هذه البضائع التصديرية من قيمة مضافة على الاقتصاد المحلي والعائد من القطع الأجنبي للخزينة، على أن تُعد هذه الدراسة بأسرع وقت ممكن لعرضها على اللجنة الاقتصادية.

المهام الأساسية من عملية الاستيراد الربحية؟!

إن مطالب استيراد مادتي الزجاج والحديد تشبه إلى حدٍ ما مطالب بعض الصناعيين لاستيراد مادة القطن المحلوج والخيط القطني، فالاستيراد سيتم وفق الكميات التي يحتاجها الصناعيون ولمدة محددة، طبعاً هذا هو الظاهر، ومن المؤكد أن هذه العملية ستكون لصالح المستوردين، ليتم فيما بعد توزيعها على الصناعيين وفق الحاجة المطلوبة، وفق عقود ودراسات مقدمة من قبلهم للجنة الاقتصادية.
الظاهر للعموم، أن المهمة الأساسية لعملية الاستيراد، تحقيق مطالب الصناعيين التي تسمح بالحفاظ على هذه الصناعات، ولكنها في العمق تغطية لعملية استيراد، مهمتها الأساسية تحقيق المزيد من الأرباح «لصالح بعض المستوردين باسم الصناعيين» وذلك عبر توسيع الاستيراد وفق فائض الكميات المتفق عليها كمّاً ونوعاً، والتي تنعكس سلباً على واقع الإنتاج المحلي بالنتيجة، كما جرت وتجري العادة!
إن إغراق السوق بالبضائع المستوردة وفق مواصفات قابلة للإنتاج المحلي، يعني وضع المنتج المحلي موضع المنافسة غير العادلة مع بضائع مستوردة من بلدان ذات إنتاجية عالية، وأرخص من المنتجة محلياً، مما يؤدي إلى ضرب المحلي منها والإجهاز عليه، وربما هو المطلوب كمحصلة!

نواة الإنتاج موجودة وبحاجة للدعم الحقيقي

خلال اجتماع عقد في غرفة صناعة دمشق وريفها بتاريخ 16 آذار الماضي، نوه نائب رئيس الغرفة «مُصنعو الزجاج أكدوا أن المصنع الوحيد الذي ينتج المادة الأولية والموجود حالياً لا يلبي حاجة السوق من حيث المقاسات المطلوبة ونوعية المنتج التي لا تلبي الحاجة المطلوبة».
وحسب التصريح السابق المنشور عبر صفحة غرفة صناعة دمشق، فإن هناك معملاً وحيداً لإنتاج المادة الأولية لصناعة الزجاج، وطبعاً هذا العدد غير كافٍ لسد الحاجة، وحسب التصريح، النوعية أيضاً لا تلبي الحاجة، كما نوه صناعيو الحديد إلى ضعف جودة لفائف الحديد المنتجة محلياً.
وطالما أن النواة موجودة، وبعض الصناعيين يطالبون بعملية الاستيراد، سواء لنقص الكميات أو لضعف الجودة المطلوبة، فإمكانية دعم المعامل الموجودة حالياً- عبر تقديم الدعم والتسهيلات للحصول على المنتج المرجو كماً ونوعاً، وحتى المعامل المتضررة جراء الحرب- أمر ليس بالمستحيل، ولكن على الجهود الصادقة أن تمتثل للحل الحقيقي الداعم لعملية الإنتاج، وليس لزج المنافس المستورد معها!

رسوم جمركية لحماية الإنتاج المحلي

أغلب البلدان التي تمثل نموذجاً للتجارة، تضع تدابير وقائية للحد من ممارسات إغراق أسواقها بالمنتجات المستوردة المماثلة لها بالإنتاج المحلي، وذلك عبر فرض رسوم جمركية تصل حتى 400%، سواء كانت بضائع «زراعية- صناعية- حيوانية».
أما الرسوم المفروضة في الحالة السورية، على سبيل المثال لا الحصر، رسم 50% لمستوردات ألواح الزجاج وفق قرار صدر عن العام 2020 ولمدة ستة أشهر، والذي طالب الصناعيون بتخفيضه بحال تم السماح بعملية الاستيراد الجاري دراستها حالياً.
كما فرض خلال العام 2019 رسم 50 ليرة للكيلو الواحد من قضبان الحديد المبسط والمربع المستورد لمدة 6 أشهر.
نجد أن مثل هذه الإجراءات لا تحمي الصناعات المحلية، إضافةً أننا نعاني من نقص عمليات تحفيز ودعم حكومي جدي لمثل هذه القطاعات.

برنامج «إحلال بدائل المستوردات»؟!

أطلقت وزارة الاقتصاد خلال شهر أيار لعام 2020 برنامج إحلال بدائل المستوردات، بهدف المزيد من الاعتماد على الذات، وتخفيض الطلب على القطع الأجنبي الناجم عن عملية الاستيراد، والاعتماد على الإنتاج محلياً للكثير من السلع والمواد، وما يسمح به البرنامج من خلق فرص استثمارية تؤدي لاستثمار الموارد المتوفرة بشكلها الأمثل، وفق حوافز حكومية مميزة، إضافةً إلى ما يخلقه البرنامج بذلك من فرص عمل جديدة، وضم البرنامج قائمة طويلة من المواد والقطاعات المستهدفة بحزمة التحفيز الحكومي، بالإضافة إلى قائمة مزايا تخفيض أعباء وتكاليف الحصول على التمويل... ومنها: صناعة الزجاج والحديد وغيرها.
والسؤال الجدي اليوم: أين نحن من تنفيذ ذلك البرنامج؟ ولماذا ما زلنا نراوح في المكان؟
فمن الواضح ألّا حلول جدية يمكن أن تنفذ سوى تلك التي تخدم مصالح كبار حيتان السوق والفاسدين المتنفذين والمتحكمين بالقرارات وفق أهوائهم وبما يلبي مصالحهم.
التدمير الممنهج لشرعنة الاستيراد...
حزمة قرارات حكومية صدرت وما زالت تصدر لدعم الاستيراد، في وقت نحن فيه بأمس الحاجة لقرارات تنتشل السوريين من أزمتهم المزمنة، ولتحرك عجلة الإنتاج الوطني، وتنعش الاقتصاد الكلي الذي ينعكس فيما بعد على حال عامة السوريين المثقلين بالجوع والفقر المدقع، وخصوصاً أننا مقبلون على مرحلة إعادة إعمار.
ووفقاً لهذا الوضع المتردي صناعياً وزراعياً، لا يمكن النهوض بعملية إعادة الإعمار طالما أنه لا يوجد دعم للإنتاج الحقيقي، بل ستكون فاتورتها باهظة التكاليف!
فضرب الإنتاج المحلي مهمة مستمرة بجهود جبارة، لنسف قطاعات الإنتاج الحقيقي، عبر آليات ممنهجة، كفرض الضرائب العالية ورفع الدعم المتتالي عن القطاعات الإنتاجية، وحتى الإستراتيجية التي تدخل بعمق الاقتصاد الوطني، كرفع أسعار حوامل الطاقة من مازوت وكهرباء وغاز...إلخ، ناهيك عن صعوبة تأمين مستلزمات الإنتاج الضرورية.
وبعد الإجهاز على تلك القطاعات، تصبح مهمة الاستيراد مشرعة أمام الحيتان المتنفذين، نحو المزيد من الأرباح المهولة، على حساب المزيد من الفقر المدقع للمواطن المنهوب، وعلى حساب الاقتصاد الوطني عموماً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1029
آخر تعديل على الإثنين, 02 آب/أغسطس 2021 17:33