أزمة المواصلات الخانقة نتاج للقرارات الحكومية الفاسدة!
نادين عيد نادين عيد

أزمة المواصلات الخانقة نتاج للقرارات الحكومية الفاسدة!

كان من المسلم به أن نتائج القرار الحكومي- الذي أدى إلى ارتفاع سعر مادة المازوت المدعوم لـ 500 ليرة سورية خلال الأسبوع الفائت 10 تموز- ستؤدي لانعكاسات على الواقع السوري، وسيكون للقطاعات المختلفة من (النقل– الصناعة– الزراعة) نصيب من هذا التخبط، الذي سينعكس على واقع سير العملية الإنتاجية والذي في نهاية المطاف قد يعطل ويجهز على عمل العديد من المنشآت والورش الصناعية والكثير من المشاريع الزراعية، ولا ننسى قطاعات الثروة الحيوانية، خاصةً بعد رفع الدعم عن المواد العلفية، الذي سيؤدي إلى ارتفاع أسعار العديد من المنتجات الحيوانية، وما سيتبعه من ارتفاع جنوني لأسعار المواد الغذائية المختلفة.

وأول القطاعات تأثراً كان قطاع المواصلات، فالقرار خلق أزمة فوق أزمة، فقطاع المواصلات يشهد اختناقاً منذ سنوات عدة، فسابقاً كانت الأزمة تشمل أوقات الذروة وبداية الأسبوع ونهايته، ومع توسع سلسلة تخفيض الدعم المتكررة التي بدأت تشتد منذ بداية السنة الحالية، بدأت أزمة المواصلات تشتد وفق منحنٍ سريع، فأزمة طوابير الانتظار الطويل أصبحت معممة على كافة المواقف والمدن والنواحي، ولا يوجد موقف لا تجد عليه ازدحاماً، طوال ساعات اليوم، وعلى مدى أيام الأسبوع، وبعد الزيادة الأخيرة لسعر المازوت، بدأت أزمة المواصلات تصبح فاقعة إلى الحد الذي لا يحتمل، فتكاد الباصات (السرافيس) تصبح أكثر ندرة من قبل، أي قبل قرار رفع سعر مادة المازوت، والاستغلال أصبح أكثر توحشاً ولا منطقية، ورفاهية التكاسي لا ضبط لأسعارها، والتي تبدأ من 3000 ليرة وما فوق!

تصريحات منفصلة عن الواقع

رغم ما نعيشه اليوم من توحش، يطحن المواطن ويكسر عظامه، ما يزال التأكيد الحكومي يُطمئن المواطن «نحن هنا، موجودون ونتابع عملية الضبط الحازمة»!
فقد أكد عضو المكتب التنفيذي في محافظة دمشق عن قطاع النقل والمواصلات: أن الجولات مستمرة لمراقبة التسعيرة الجديدة، ووضع خطوط النقل في مدينة دمشق، وتم إصدار لصاقة بالتسعيرة الجديدة خاصة للسرافيس والباصات العاملة على كافة الخطوط.
وبعد هذا التصريح «المطمئن للمواطن»، الذي بعده يستطيع أن ينام قرير العين، فلن يتأخر عن عمله لساعات، أو لن يكون أجره الشهري فقط لسداد تكاليف المواصلات فقط، فالعملية وفقاً لعضو المكتب التنفيذي مضبوطة بكل حزم!
ومع كل ذلك الحزم الذي يشاع، يبقى السؤال المطروح: لماذا يوجد نقص بعدد الباصات العاملة على الخطوط وبشكل ملحوظ بعد القرار الأخير، طالما أنه توجد فعلاً عملية مراقبة مكثفة للعاملين على خطوط النقل؟!
الجواب بسيط، صحيح أنه يوجد مراقب لخطوط النقل، ولكن، هل عملية الرقابة تتم بشفافية ونزاهة، أم أنه يتم قبض بضعة آلاف يومياً، مقابل غض النظر عن عدد من الباصات لعدة أيام في الأسبوع؟
حسب شهود من عدة مناطق، أكدوا: أن عدد الباصات قد انخفض أكثر، تحديداً بعد الزيادة الأخيرة لتسعيرة لتر المازوت، أما عن عمليات الرقابة فذكر شهود عيان لقاسيون، أن سائق الباص أو السرفيس يسدد مبالغ مالية عن رفاقه المتغيبين عن الخط مقابل أن يُسجَلوا حضور، وعن التسعيرة فلا يوجد التزام بتاتاً.
فمثلاً، خط دويلعة وباب توما أصبحت تعرفته 200 ليرة سورية، وكذلك الأمر للخطوط التي تنقل الركاب بين الفحامة وجسر الرئيس، وإذا ذهبنا أبعد من ذلك نجد أن خطوط ضاحية قدسيا أصبحت تعرفتها 400 ليرة سورية، ومساكن الحرس 300 ليرة، مشروع دمر ووادي المشاريع 200 ليرة سورية، ولا توجد عملية ضبط حازمة كما يشاع عبر التصريحات.
مع التنويه أنه سابقاً، لم يتم التزام بالتعرفة السابقة الصادرة عن المكتب التنفيذي، فالتعرفة المتعارف عليها بين سائقي الخطوط كانت 200 ليرة لأغلب الخطوط البعيدة، أما القريبة أي الأقل من 10 كم كانت 100 ليرة.

يعمل السائق للإصلاح أم لسد تكاليف المعيشة؟!

وحسب تصريح مدير المكتب التنفيذي، فإن معدل المصروف الشهري لأي سرفيس هو بين الـ مليون و450 ألف.. ومليون و630 ألف ليرة تقريباً، بمعدل ربح بنسبة 38% لكل 100 ليرة»!
كما تحدث عن الكلف السنوية، كتبديل دواليب، متراوحة بين 800 ومليون ليرة، والرسوم السنوية البالغة بحدود 250 ألف ليرة سورية، والأعطال الطارئة بحدود 500 ألف ليرة، بالإضافة للبطارية بـ 250 ألف ليرة، طبعاً وجميعها ذات تكاليف مرتفعة فعلاً.
ومع هذه التكاليف الباهظة المتراوحة بين عمليات الإصلاح الطارئة وقطع التبديل والرسوم السنوية، والتي قد ترتفع أكثر بعد عملية رفع سعر المازوت الأخير، وبالمقارنة مع التعرفة الجديدة لخطوط النقل ونسب ربحها، التي من المؤكد أنها وضعت وفق آلية اعتباطية، كما الحال مع زيادة الرواتب الأخيرة، والتي لا تشكل شيئاً من أعباء تكاليف المعيشة الحقيقية، فكيف سيوفق السائق ما يجنيه من عمله بين عمليات الإصلاح الباهظة، وتكاليف المعيشة التي حلقت عالياً، خاصةً أن كل باص (سرفيس) يعيل أكثر من عائلة؟!
الخلل واضح بين الأجور وتكاليف المعيشة الباهظة، مما يدفع السائق لتفضيل بيع المازوت بشكله الحر مع ربح أفضل وفق أسعار السوق السوداء، والتخلص من أعباء الأعطال الطارئة، خاصةً مع وجود رقابة فاسدة تسمح بذلك الفساد الصغير، الذي هو نتاج الفساد الكبير، المتجذر لدى كبار الحيتان ومافيات السوق والمتنفذين.
فسائقو الباصات أيضاً من عامة الشعب المصهورين سوياً بنفس بوتقة القرارات الحكومية المجحفة والمتوحشة، التي تسارعت وتيرتها للنيل من المواطن، الذي أصبح بطنه خاوياً كما جيبه تماماً، مقابل امتلاء بطون المتنفذين الكبار من المستوردين وتجار الأزمات مع ثرائهم الفاحش حدّ اللا شبع!.

الأجر لا يغطي أجور المواصلات

حدثنا أحد القاطنين في المدينة العمالية في عدرا: أن أجور النقل بالسرافيس من المدينة العمالية إلى دمشق وبالعكس، بعد رفع سعر المازوت مؤخراً، أصبحت 700 ليرة عن كل راكب، وعند ساعات المساء تصل التعرفة إلى 1500 ليرة، أما خلال ساعات الليل فحدث بلا حرج، حيث تصبح الأجرة بالآلاف، وهذه التسعيرة غير نظامية طبعاً، لكن ما باليد حيلة بالنسبة للمواطنين!
وبحال الحاجة لانتقال فردين من العائلة يومياً ذهاباً وإياباً من وإلى المدينة العمالية، عامل أو موظف مع ابنه طالب الجامعة مثلاً، فتكون التكلفة خلال 22 يوم دوام هي 61600 ليرة، ومع إضافة تكاليف المواصلات ضمن العاصمة، بمعدل واسطة نقل واحدة بمبلغ 200 ليرة، بتكلفة 17600 ليرة على مدار 22 يوم، تصبح التكلفة الشهرية على المواصلات 79200 ليرة فقط لا غير، هذا بحال لم يتم الاضطرار للمواصلات ساعات المساء والليل، وهي تقارب متوسط الأجر الشهري بعد الزيادة الأخيرة، أي سنفتح فمنا للهواء طيلة أيام الشهر!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1027
آخر تعديل على الإثنين, 19 تموز/يوليو 2021 11:47