الواقع الكهربائي نحو الأسوأ.. ولا استراتيجيات!؟
أصبح الحديث عن تردي وسوء الواقع الكهربائي الشغل الشاغل للمواطنين، مع حال من اليأس تجاه أية بوادر تحسن على مستوى تلبية الاحتياجات اليومية من الطاقة الكهربائية، وخاصة بعد تصريح مدير الإنتاج في المؤسسة العامة لتوليد الكهرباء، عبر إذاعة ميلودي اف ام بتاريخ 13/7/2021، والذي أكد خلاله: «أن كمية الطاقة الكهربائية المولدة حالياً في كل المحطات بالقطر بحدود 2000 ميغا واط، أي ما يعادل 25% من الاحتياج الكلي للقطر».
الملفت، هو التوجه الحكومي نحو الاعتماد على البدائل كحلول فردية لسد النقص الحاصل بكميات التوليد، على مستوى الاستهلاك المنزلي والصناعي، مع الكثير من الترويج لهذه البدائل، والتسويق مؤخراً لفكرة منح قروض من أجل هذه الغاية، تحت عنوان تشجيع بدائل الطاقة، مع تغييب دور الدولة على مستوى حل مشكلة هذا الملف الهام بشكل نهائي، وكأن العمل الحكومي بما يخص استراتيجية قطاع الطاقة الكهربائية يتركز على الترقيع ليس إلا، بل وعلى نفقة المواطنين كحلول فردية بأحسن الأحوال!
واقع ومفرزات
تعرض قطاع الطاقة الكهربائية للكثير من الأضرار خلال السنوات الماضية، بالتوازي مع ارتفاع تكاليف حوامل الطاقة المشغلة لمحطات التوليد، وعدم توفرها بالكميات الكافية، وبشكل مستمر بما يؤمن استمرار عمل المحطات، مع عدم تغييب عامل الاهتلاك نتيجة قدم هذه المحطات، وانتهاء العمر الافتراضي لبعضها، وبالتالي تراجع جدواها الاقتصادية، وما يتطلبه ذلك من تكاليف مرتفعة للإصلاح والصيانة الدورية والطارئة لها، يضاف إليها طبعاً مزيد من التكاليف بذريعة الحرب والحصار والعقوبات، مع الحصص المحفوظة للفاسدين تضاف إلى التكاليف طبعاً، والنتيجة استمرار تردي وسوء واقع الطاقة الكهربائية التي لا تقف حدود آثارها السلبية على احتياجات المواطن اليومية منها فقط، بل على كل القطاعات، وخاصة الإنتاجية.
فتارة يجري الحديث عن نقص توريد حوامل الطاقة وتكاليفها المرتفعة ارتباطاً بالعقوبات والحصار، وتارة أخرى يجري الحديث عن محطات التوليد وعجزها عن تلبية الاحتياجات وعن تكاليف صيانتها المرتفعة، ناهيك عن تكاليف صيانة مراكز التحويل وخطوط الشبكة و.. و.. والنتيجة مزيد من الترهل والتردي لقطاع الطاقة الكهربائية، والدفع نحو الاعتماد على البدائل كملاذٍ لمن استطاع إليها سبيلاً!
الترقيع والدفع نحو البدائل غير الاقتصادية
سوء وتردي واقع الكهرباء خلال السنوات الماضية، وسياسات الترقيع المعمول بها على المستوى الرسمي، كان فرصة لبعض المستوردين والمهربين لتسويق بعض البدائل الكهربائية المكلفة من حيث الجدوى الاقتصادية، حيث تم إغراق السوق بالبدائل الكهربائية، اعتباراً من المولدات التي تعمل على المشتقات النفطية بمختلف أنواعها وقياساتها، مروراً بالبطاريات والليدات والإنفرترات والشواحن و..، وليس انتهاءً بالخلايا الكهروضوئية وملحقاتها مؤخراً، مع شرعنة تجارة الأمبيرات المكلفة أيضاً والمستهلكة للمشتقات النفطية، ولا شك أن المليارات قد دفعت على هذه البدائل خلال السنوات الماضية من جيوب العباد، وعلى حساب الاقتصاد الوطني طبعاً كون هذه البدائل دولارية، سواء كانت مستوردة أو مهربة.
وبهذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن مشاريع توليد الكهرباء للاستخدام المنزلي عبر الطاقة الشمسية، وفقاً للتوجه الحكومي مؤخراً، تكلف بين 5 ملايين ليرة بالحد الأدنى، وتصل إلى 15 مليون ليرة، مع الأخذ بعين الاعتبار تكاليف الصيانة الدورية والاضطرار لاستبدال المدخرات بين الحين والآخر، وبحال الحديث عن منشآت حرفية أو صناعية فالتكلفة تقدر بمئات الملايين، وهذه التكاليف تصبح مليارية بحساباتها العامة، وفقاً للتوجه أعلاه واللجوء الاضطراري إليه! وهي تكاليف دولارية أيضاً وغير اقتصادية على المستوى البعيد.
واقع يرثى له
بحسب صحيفة البعث بتاريخ 17/7/2021، نقلاً عن مصدر مسؤول في وزارة الكهرباء: «هناك تخوف كبير من عدم قدرة القطاع على تلبية متطلبات الطلب على الكهرباء، ولو في الحدود الدنيا، نتيجة لواقع عدد من محطات التوليد التي انتهى عمرها الاستثماري، وبالتالي جدواها الاقتصادية، حيث تعني محاولات الإبقاء عليها حية كلفاً تشغيلية وصيانة وتعميراً، باهظة ومكلفة مادياً وتصل إلى مليارات الدولارات!؟»
وقد أضاف المسؤول أيضاً: «وضع محطة توليد بانياس كارثي.. كذلك وضع محطة تشرين الحرارية العاملة على الفيول، والتي أكل الدهر عليها وشرب، ومهما كانت محاولات صيانتها فلن ترجع بأدائها إلى الحد الذي يمكن قبوله، مقارنة بالكلف الكبيرة التي تنفق على ذلك والمقدرة بـ 50 مليون دولار!».
تكاليف مليارية بالدولار
بحسب الصحيفة، «يحتاج قطاع الكهرباء لـ 15 مليار دولار (توليد ونقل وتوزيع) حتى عام 2030، كي يكون قادراً على تأمين الطلب على الطاقة الكهربائية، وهذه الـ 15 مليار دولار، هي كلف تأسيسية، غير مُتضمنة للتكاليف التشغيلية! وإذا أردنا توليد 3000 ميغاواط، من عنفات بخارية تعمل على الفيول لا الغاز، سنحتاج لـ 3 مليار دولار ككلفة تأسيسية، وفي الآن نفسه يستدعي ويرتب تأمين كلفة تشغيلية كبيرة وأكبر من الجدوى، وهذا غير الزمن اللازم لتركيب العنفات البخارية لتوليد الثلاثة آلاف ميغاواط، والبالغ 3 سنوات!».
النقص 4500 ميغا فقط
أضاف مدير الإنتاج في المؤسسة العامة لتوليد الكهرباء أيضاً، أن: «الأمر متعلق بواردات الغاز، حيث كلما زادت الواردات كلما أضفنا للشبكة كميات توليد إضافية.. بالنسبة لتوليد الطاقة عن طريق الفيول هناك مجموعتا توليد بخارية، واحدة في محردة، وواحدة في بانياس، ومجموعة تشرين خارج الخدمة، ونعمل على الصيانة لإعادة وضع المجموعات بالخدمة، حيث سيتحسن وضع الكهرباء بعد الصيانة.. في حال تمت صيانة المحطات البخارية المتوقفة كاملة ستضيف إلى الشبكة 600 ميغا واط، حيث سيصل الإنتاج إلى حدود 2500 ميغا واط، وسيؤدي إلى تحسن 10% من وضع الكهرباء.. مشروع الطاقة البديلة يؤمن من 30 إلى 100 ميغا واط، وهي نسبة قليلة، لأننا نحتاج إلى 4500 ميغا واط لسد العجز في القطر.. بإمكان الطاقة الشمسية أن ترفد الشبكة وتساعد وتساهم إلى جانب ما تنتجه محطات التوليد لبعض القرى».
التصريح أعلاه، يضع بعض النقاط على الحروف، فالنقص في كمية الإنتاج يقدر بحدود 4500 ميغا واط حتى يتم سد النقص، ولا ندري هل هذه الكمية تكفي لوقف التقنين، أم أنها للحد منه فقط؟!
وما يجب التوقف عنده أيضاً، أن مشاريع الطاقة الشمسية التي يتم الحديث عنها تعتبر متواضعة على مستوى كم الإنتاج، بحيث لا تشكل مصدراً كافياً لسد العجز، وهي بالكاد تساهم بسد الحاجة لبعض القرى بالتوازي مع عمل المحطات، باعتراف المدير أعلاه.
ومن الناحية العملية، فإن المليارات من الدولارات تصرف سنوياً على قطاع الطاقة الكهربائية، يذهب جزء هام منها إلى جيوب بعض التجار والفاسدين والمتنفذين، ومع ذلك فإن الوضع من سيئ إلى أسوأ!
مفارقات التكلفة اقليمياً
هل تعلم عزيزي المواطن أن مجمع الطاقة الشمسية في دبي، والذي يعتبر الأكبر من نوعه في موقع واحد على مستوى العالم، ستبلغ قدرته الإنتاجية 5000 ميجاوات بحلول عام 2030 باستثمارات تصل إلى 50 مليار درهم (13,61 مليار دولار)!؟
وهل تعلم أن تكلفة مشروع «براكة» للطاقة النووية للأغراض السلمية، في منطقة الظفرة بإمارة أبوظبي، بلغت 73 مليار درهم (20 مليار دولار أمريكي)، وستكون المحطات قادرة على إنتاج 5600 ميغاواط/ ساعية من الطاقة الكهربائية النووية!؟
وهل تعلم أن العراق يجري محادثات مباشرة مع روسيا وكوريا الجنوبية لدراسة خيارات بناء ثمانية مفاعلات نووية قادرة على إنتاج حوالي 11 غيغاوات من الطاقة بتكلفة (40 مليار دولار)!؟
الأمثلة أعلاه تعتبر متقاربة، أو تفوق، من حيث كم الإنتاج مع احتياجاتنا المحلية الكلية للطاقة الكهربائية، ولا تعتبر مرتفعة التكاليف بالمقارنة مع ما يتم صرفه سنوياً على قطاع الطاقة الكهربائية محلياً، فالمليارات الرسمية وغير الرسمية أعلاه تتحدث، وهي جزء صغير من التكلفة الإجمالية، التي يتم المزاودة علينا بها باسم «الدعم»!
فأين المليارات التي تصرف سنوياً، من حسابات الخزينة ومن جيوب المواطنين، بالمقارنة مع المشاريع الإقليمية أعلاه؟
وأين الاستراتيجية الحكومية أمام مثل هذه المقارنات؟!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1027