دف الشوك من الماء إلى الكهرباء وما بينهما من كوارث!
عمار سليم عمار سليم

دف الشوك من الماء إلى الكهرباء وما بينهما من كوارث!

يزداد وضع الكهرباء تردياً في كل المدن والأرياف السورية بشكل عام، وازداد الوضع تردياً منذ بداية هذا الصيف، وفي ظل الواقع المعيشي الذي تجاوز كل الخطوط الحمراء، يزداد الواقع الخدمي سوءاً، أهمها على الإطلاق: الكهرباء التي هي عصب الحياة بلا شك، وعليها يتوقف نشاط الإنسان وعمله وسائر شؤون حياته، ومع كل ما يصرح به من قبل الحكومة والمعنيين من عدالة في توزيع الطاقة وبذل الجهود لتحسينها، إلا أنّ الواقع الملموس يكذب زيف ادعائهم!

وقد تحدثنا في مواد سابقة عن واقع الخدمة في منطقة دف الشوك جنوب العاصمة دمشق، والتي هي من المناطق الملاصقة لقلب العاصمة إلا أنً التقسيم الإداري بين ريف ومدينة جعلها كرة لتقاذف المسؤوليات في شتى الخدمات، حيث يفصلها عن حي الزهور التابع لمحافظة دمشق الشارع الرئيسي الذي لا يتجاوز عرضه ستة أمتار، وتجد في الحي نفسه بناء يتبع لمنطقة التضامن الذي يتبع للمدينة، وبجانبه بناء يتبع للريف لبلدية يلدا.

بلدة بغالبية مفقرة

تقطن هذه المنطقة غالبية فقيرة، قسم كبير منها مهجرون من مختلف المناطق السورية وغير مالكين لهذه العقارات، وهي من المناطق العشوائية والمخالفات، أما أصحاب العقارات وغير المهجرين فهم شريحة شديدة الفقر، ازدادت معاناتهم مؤخراً من تردي وضع الكهرباء، حيث لا تصل إليهم الكهرباء إلا دقائق معدودات خلال الـ24 ساعة، وفي أحسن الأحوال ساعة مقابل ساعات قطع طويلة غير منتظمة، مع واقع الصيف الحار، وفي المقابل، يتم تزويد حي الزهور والتضامن بالكهرباء بساعتي وصل مقابل أربع ساعات قطع غالباً، فأين العدالة بالتوزيع؟

انعكاس أزمة الكهرباء على الغذاء

الكارثة أكبر من أن توصف في سطور، ولكن نوجزها بأن الناس مع تخليها عن تخزين المؤن في الثلاجات، حيث أصبح التجميد ضرباً من الخيال عندهم، وصلت الأمور إلى عدم قدرتهم على حفظ الأطعمة اليومية، وعدم قدرتهم على حفظ الطعام المطهي ليومين، وغيرها من الأطعمة سرعة الفساد كاللبن والحليب والأجبان والخضار، وهذا يزيدهم معناة فوق معاناتهم بتحملهم أعباء الطعام يوماً بيوم، عدا عن معاناتهم بعدم قدرتهم على تشغيل أدوات ضرورية من غسالات أو مكواة أو طهي الطعام عن طرق السخانات الكهربائية في ظل عدم وفرة الغاز المنزلي، فهل تعي الحكومة هذه التفاصيل أم إنها تعيش في كوكب آخر؟

استجرار غير مشرع ... مكره أخاك لا بطل

عندما لا يجد المواطن حاجته الماسة متوفرة مع وجودها وتوفرها في مكان لا يبعد عنه سوى أمتار، فإنه لن يجد طريقاً أمامه سوى أن يستجرها ولو كان بطريقة غير مشروعة، فبعض القاطنين في هذه المنطقة يعمد إلى مد سلك كهربائي من حارة مجاورة محسوبة على خط المدينة ليسد بعض حاجته من الكهرباء، والذي يدفعهم إلى هذا السلوك بدون شك هو انقطاع السبل أمامهم، وحاجتهم الماسة إلى الكهرباء، مع ما يترتب على هذا الاستجرار طبعاً من أضرار في الشبكة وتحملها ما لا تحتمل.

البدائل الكهربائية وأسعارها جريمة استغلال

إن أردت أن تهرب من الظلام المخيم طوال اليوم، عليك أن تستهلك بطارية لا يتجاوز عمرها ستة أشهر، وأن تجدد مصابيح «الليدات» كل عام، حيث وصل سعر البطارية الصغيرة إلى 100 ألف ليرة سورية، حسب نوعها وأدائها، وسعر المتر من الليدات أكثر من 2000 ليرة سورية، وكلما زاد التقنين كلما نشطت هذه السوق الاستغلالية، نظراً لزيادة الطلب عليها مع التدني المستمر لمواصفاتها وأدائها، فمن هم الشريحة المستهدفة لتسويق هذه البضائع؟ لا شك أنهم الذين يقطنون هذه المناطق، وهم الشريحة الأفقر والأكثر حاجة إلى البدائل، فإما أن يجوع أو يبقى المواطن في الظلام!

أزمة المياه جحيم غير محتمل

من المعلوم أن مناطق ريف دمشق لا تحصل على مياه الشرب إلا عن طريق الصهاريج عالية التكلفة، حيث وصل سعر المياه الصالحة للشرب إلى 200 ليرة لـ10لترات، أما المياه غير الصالحة للشرب فهي من الآبار، حيث تعمل وحدة المياه في كل منطقة على ضخها من الآبار إلى الشبكات الواصلة إلى الأبنية، ومؤخراً حصلت أزمة انقطاع كامل للمياه عن منطقة دف الشوك التابعة لريف دمشق، كما في مثيلاتها ببيلا، يلدا، بيت سحم، وحتى منطقة القزاز، فمشكلة المياه في هذه المنطقة تعود إلى سبب رئيس وهو: عدم توفر الكهرباء لضخ المياه إلى المنطقة، وتغذية الشبكات الواصلة إلى المنازل، أما عمال المضخة فيبررون أنه لا تصلهم المخصصات اللازمة لتشغيل المضخة أثناء انقطاع الكهرباء، وفي حال الحصول على المخصصات فإنها لا تكفي لضخ المياه لساعات طويلة، ما يسبب انقطاع المياه عن المنطقة، في وقت هم بأمس الحاجة إليها في هذا الوقت من الصيف الحار، وفي ظل وباء كورونا الذي لا يقاوم إلا بالغسل والتعقيم.

تكاليف باهظة للحصول على المياه

وصل سعر الخزان ذي سعة 500 لتر إلى 6000 آلاف ليرة سورية وتحتاج الأسرة إلى تعبئته مرتين من الصهاريج، أي 12000 ليرة سورية أسبوعياً أي 48000 ليرة شهرياً من أجل مياه الغسيل والاستحمام و12000 ليرة سورية لمياه الشرب ليصبح مجموع تكاليف الحصول على المياه 60000 ليرة سورية.
فهل يعقل أن يدفع المواطن دخله كاملاً من أجل الحصول على المياه التي هي من أول أولوياته وحقوقه الإنسانية؟
وما منطقة دف الشوك إلا نموذج من مئات المناطق والعشوائيات التي يعاني أهلها الأمرين في كل سبل الحياة، فهل تدخل هذه المناطق في حسابات المسؤولين؟ أم هي خارج حساباتهم؟ لكن يجب أن يعلموا أنهم لابدّ من إخراجهم من هذا الجحيم قبل فوات الأوان!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1027
آخر تعديل على الإثنين, 19 تموز/يوليو 2021 11:54