موسم القمح في دير الزور بين العطش والتكاليف!

موسم القمح في دير الزور بين العطش والتكاليف!

على الرغم من كل الحديث الرسمي وتسمية هذا العام بعام القمح، إلا أن الإنتاج والنتائج لم تكن كما جرى الترويج له والمبالغة في الإعلام على مستوى البلاد، ومنها دير الزور.

رغم أن زراعة القمح في دير الزور تعتمد على السقي من نهر الفرات، بخلاف المنطقة الشرقية، وخاصة الجزيرة والمناطق الأخرى، إلاّ أن الفلاحين الذين استبشروا خيراً بأحاديث المسؤولين عن أهمية زراعة القمح هذا العام ودعمها، مما حفزهم للزراعة، فقد كانت حسابات الحقل لا تتناسب مع حسابات البيدر!
فالتكاليف المرتفعة، من أسعار البذار والمحروقات إلى الحراثة والأسمدة والحصاد والتسويق، كانت كبيرة، ناهيك عن الملحقات التي تحدث بها الفلاحون أثناء الموسم وأثناء التسليم، وحتى بالسعر الرسمي 800 ليرة للكغ الذي لا يتناسب مع التكاليف وأسعار السوق.

تكاليف الزراعة العالية!

البداية من تكلفة حراثة الدونم، والتي حددها محافظ دير الزور أثناء زيارته لمدينة موحسن في الريف الشرقي بـ 5000 ليرة، إلاّ أن أصحاب الجرارات يأخذون 15 ألف ليرة، متعللين أنهم لم يحصلوا على المازوت بالسعر الرسمي ويضطرون لشرائه من السوق السوداء بضعفين أو ثلاثة أضعاف، بالإضافة إلى بقية المواد التي يحتاجونها كالزيوت وتكاليف الصيانة، ومع ذلك قام الفلاحون بحراثة أرضهم وزراعتها، لتأتي أسعار البذار العالية التي تختلف من تاجر إلى آخر..
ولعل المأساة الثانية هي: عدم توفر السماد في الجمعيات والمصرف الزراعي ليتفاجؤوا برفع أسعاره رسمياً أيضاً، وغالبيتهم لم يسمدوا محاصيلهم، وإنما اعتمدوا أن أراضيهم لم تزرع منذ سنوات، وبالتالي تكون قد ارتاحت واستعادت شيئاً من خصوبتها المستهلكة سابقاً.
أما المأساة الثالثة: فهي أنهم بعد ريتين لمحصولهم، توقفت مشاريع الري في حوض الفرات والجمعيات نتيجة عدم وجود محروقات، والانقطاعات المستمرة للكهرباء وانخفاض منسوب مياه نهر الفرات نتيجة قلة الأمطار وحبس تركيا لمياه النهر، مما أدى لتوقف المحركات التي تعمل عليها، رغم عودتها لاحقاً متأخرةً، حيث اضطر الفلاحون لشراء المحروقات لمحركاتهم بأسعار السوق السوداء وسقاية محصولهم ريتان أخريان، وهذا أدى إلى انخفاض الإنتاج في الدونم بين كيسين وثلاثة أكياس، أي بمعدل بين 250 و350 كغ للدونم الواحد..

تكاليف الحصاد

كما حدث في الفرق بين أسعار الحراثة المحددة رسمياً والواقع، كذلك كان هناك فرق مضاعف في أجرة الحصاد للدونم والمحددة بـ 15 ألف ليرة، بينما أصحاب الحصادات يأخذون 30 ألف ليرة، وبنفس الحجج التي قدمها أصحاب التراكتورات وغيرها، وطبعاً يتحمل الفلاحون هذه الفروق على حساب جهودهم وإنتاجهم ومعيشتهم.

التسويق وما أدراك ما التسويق

يحصل الفلاحون على أكياس القمح من الجمعيات ومؤسسة الحبوب والمصرف الزراعي، وسعر الكيس الجديد 4 آلاف ليرة، أما المستعمل فسعره ألفا ليرة، بينما سعره في السوق 1000 ليرة، وهذه أيضاً يتحمل الفلاحون قيمتها، وقد حددت مراكز تسليم الأقماح في الريف الشرقي في مدينتي المياذين والبوكمال، وفي الريف الغربي في مدينة التبني، بالإضافة إلى المدينة، وتبدأ معاناة الفلاحين أثناء التسويق بأجور النقل العالية، والتي تختلف حسب القرب والبعد من مراكز التسليم، وحسب الحواجز الموجودة في كل منطقة والإتاوات التي تفرضها، والمعاناة الأكبر في المخابر في هذه المراكز، حيث يجري رفع متعمد لنسبة التجريم، لتصل إلى نسبة 23% للأتربة والحصى والزوان، بالإضافة إلى نسبة التفحم، وفق جدول التصنيفات التي وضعته مؤسسة الحبوب، وهذه النسبة تتطلب فرض قيمة الغربلة على الفلاح والمحددة بـ 40 ليرة للكغ، ونتيجة شكاوى الفلاحين مؤخراً جرى حذف تكلفة الغربلة، إضافة إلى كل ذلك يجري تأخير إرسال النتائج من المخابر، وعلى سبيل المثال: الأقماح التي جرى تسليمها في 13/6 لم تصل نتائجها وفواتيرها إلى مؤسسة الحبوب في دير الزور لغاية يوم الخميس 17/6 ولتأتي العطلة الأسبوعية يومي الجمعة والسبت ولغاية كتابة هذه المادة صباح يوم الأحد 20/6 لم تصل، وهذا أيضاً سيؤدي إلى تأخيرٍ آخر لتدقيقها في المؤسسة وإعطاء القيمة النهائية، وتحويلها للصرف.

حسابات البيدر

أحجمت نسبة عالية من الفلاحين عن تسليم محاصيلها لمراكز الحبوب لعدة أسباب، منها:
الإنتاج القليل، والذي حسب ما نقل عن مدير مؤسسة الحبوب أنه لم يتم تسليم سوى 10 آلاف طن، بينما في الإعلام 18 ألف طن، والإنتاج القليل يدفع الفلاحين لإبقائه في منازلهم لحاجتهم له في الخبز والتغذية.
انخفاض السعر الرسمي المحدد بـ 800 ليرة للكغ، بينما يدفع التجار في السوق 1100 و1200، ويجري تهريبه إلى الجزيرة السورية، ويباع على الأقل بـ 1500 ليرة.
ولعل الفائدة الوحيدة هي في أسعار التبن، حيث وصل سعر الكغ إلى 400 ليرة سورية، سواء بكونه علفاً لمن لديه حيوانات، أو بيعه للتجار الذين يقومون بشرائه واحتكاره لبيعه بأرباحٍ عالية لاحقاً.
لا شك أن الظروف البيئية كالجفاف، والتكاليف العالية، و»التنتيف» الذي يتعرض له الفلاحون في التسويق، أدى إلى انخفاض عائدية المحصول، وهذا أيضاً سينعكس على استقرارهم وزراعتهم لأراضيهم، بينما استفاد أكثر المستثمرون المتنفذون الذين استأجروا أراضي الفلاحين الذين هُجّروا من أراضيهم، سواء في الداخل أو الخارج دون علمهم وموافقتهم، بعقودٍ صورية من مجالس المدن والجمعيات واتحاد الفلاحين، بسبب علاقاتهم مع المسؤولين والمتنفذين.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1023