المواقف المأجورة مليارات سهلة في جيوب البعض!
عبير حداد عبير حداد

المواقف المأجورة مليارات سهلة في جيوب البعض!

لم يعد أمراً مستغرباً على المواطن السوري، أن تطلق الجهات الرسمية مشاريع واستثمارات على حساب جيبه ومرافقه العامة، وليس بجديد عليه أن توجد التبريرات والحجج اللامنطقية، والتي تحاول تسويقها على أنها مشاريع وجدت لخدمة المواطن وتلبيةً لاحتياجاته التي تشغل بالها به.

فقد أعلنت محافظة دمشق بتاريخ 2 حزيران الماضي الانتهاء من تجهيز ألف موقف مأجور للسيارات من أصل 3500 من مشروع خدمة مواقف السيارات المأجورة على الأملاك العامة الموزعة في الشوارع الرئيسة للمدينة، والذي سيكون جاهزاً للإطلاق بتاريخ 5 حزيران، على أن يتم استكمال تجهيز المواقف المتبقية خلال مدة أقصاها ستة أشهر.

على حساب المواطنين وحقوقهم

بحسب تصريحات مدير هندسة المرور والنقل في محافظة دمشق ياسر بستوني لإحدى الصحف الرسمية، تم منح الاستثمار لصالح شركة خاصة، لم يتم الإفصاح عنها، وذلك ضمن مزاد علني، ووفق شروط قانونية محددة، تحدد التزاماتها والتزامات الإدارة، بقيمة مليارين ومئة مليون ليرة سورية سنوياً ولمدة سبع سنوات، كما أشار بستوني أن المواقف التي وضعت بالخدمة تم تجهيزها من قبل الشركة المستثمرة للمواقف المأجورة كمرحلة أولى، مضيفاً أن المواقف المجهزة موزعة على مناطق الحريقة وشارع النصر وسوق الكهرباء، والسنجقدار محيط مجمع يلبغا وشارعي الثورة وأبي فراس الحمداني بالمرجة، ومحيط فندق سميراميس والمتحف الوطني والحربي وشارع مسلم البارودي بالحلبوني وشارع خالد بن الوليد.
ومن الأهداف المعلنة عن المشروع بحسب مدير هندسة المرور والنقل في محافظة دمشق: تنظيم الوقوف في المناطق المزدحمة بالدرجة الأولى- ومنع الوقوف نسقاً ثانياً للسيارات- وتحقيق إيراد مالي للمحافظة لاستثماره في المشاريع الخدمية.
وكأن إمكانات الشركة الخاصة المحظية بعقد استثمار المواقف المأجورة، على حساب المواطنين وحقوقهم ومن جيوبهم، أكبر من إمكانات المحافظة والمرور على مستوى الأهداف المعلنة أعلاه!

استثمارات جاهزة للربح والتحاصص

ميزة شبكات الفساد في سورية أنها تبحث عن الاستثمارات ذات التكلفة الأقل، والجاهزة لتدر الأرباح الوفيرة والمضمونة، من غير جهد أو تعب، بل من دون رأس مال، والأكثر من ذلك: أن شبكات الفساد «المستثمرة» والجهات الرسمية تلتقي مصالحهما معاً، وجُل ما يهمهم بنهاية الأمر ما ستحققه تلك الاستثمارات من الأرباح، بغض النظر عن الجهة التي ستتضرر، والأكثر استفزازاً تحول الجهات المعنية «المحافظة» لمتطفل يقبل أن يقتات على فتات تلك الاستثمارات، التي بالمحصلة ستكون عائدة من جيب المواطن، بعد ذلك الكم الهائل من المنغصات على حياته.
فاستثمار المواقف الجاهزة ذات الملكية العامة، توفر على جيب المستثمر تكاليف عدة لمشروع مشابه له بحال الحديث عن مرائب مخصصة ومجهزة لهذه الغاية، من تكلفة الأرض، وتكلفة بناء بعدة طوابق ليتسع لمثل هذا العدد الكبير من السيارات، ولو حدث عندها سيكون ذلك الموقف المأجور اختيارياً للمواطن، ولن يكون مكرهاً ومجبراً أن يسدد تكاليف وقوفه الاضطراري لخمس دقائق أحياناً، كانت بالأصل من حقه الطبيعي في الشارع الذي هو مرفق عام.

المحافظة «أكرمت» سكان المناطق الأصليين!

أوضح بستوني، أن مواقف السيارات الجديدة (المأجورة) ستكون متاحة للأهالي لركن سياراتهم خلال ساعات الليل دون رسوم، فقد سمحت لهم المحافظة (متكرمة)، باستخدام مواقفهم المسلوبة من الساعة 9 مساءً حتى الساعة 9 صباحاً، «عيشوا بهل نعمة».
وبما أنه ستكون هناك حالة من الازدحام الدائم، فغالباً لن تكون هناك إمكانية لاستخدام تلك المواقف من قبل الأهالي عينهم في الساعات غير المأجورة، وفي حال اعتبرنا أنهم استفادوا منها خلال ساعات الليل، فهل من المنطقي أن يسدد هؤلاء خلال ساعات الصباح، لقاء كل ساعة مبلغ 500 ليرة، على اعتبار أن كثيراً منهم لا يحرك سيارته خلال الأوقات المأجورة؟ وهل من المنطقي أن يتم ركن السيارة على بعد كيلو مترات في الأماكن غير المأجورة «إن توفرت»، بعيداً عن البيت أو المحال التجارية مثلاً، تجنباً لتسديد مبلغ يومي باهظ لا يمكن سداده بشكل دوري وعلى المدى البعيد؟
والسؤال على ألسنة المواطنين هنا: أليس من الضروري إيجاد صيغة مرضية لمن هم من سكان تلك المناطق، ومن لديهم محال تجارية قرب المواقف المأجورة، أو حتى العاملين ضمن قطاع الدولة الحكومي، أو أن يعامل هؤلاء معاملة خاصة، كمنحهم حسومات على أقل تقدير، إن كانت ميزة الوقوف المجاني لسياراتهم أصبحت من سابع المستحيلات؟! فأين الإكرام هنا؟!

الأرباح بالمليارات

التعرفة الرسمية لكل ساعة مأجورة وما دونها هي 500 ليرة سورية، وحسب التصريحات سيتم استكمال تجهيز المواقف المتبقية، والبالغ عددها 2500 موقف خلال الأشهر الستة المقبلة، وعليه سيكون العدد الإجمالي للمواقف الموضوعة بالخدمة 3500.
وعلى اعتبار أن ساعات الاستثمار اليومي للمواقف البالغة 12 ساعة، من التاسعة صباحاً حتى التاسعة ليلاً، تعتبر ساعات ذروة دائمة، في ظل الازدحام المروري المستمر وتزايد تعداد السيارات في دمشق، بحيث يمكن اعتبار العاصمة وكأنها مرآب كبير، فسيكون العائد المالي من كل ساعة استثمار للمواقف المأجورة مبلغ مليون و750 ألف ليرة، وبإجمالي يومي بحدود 21 مليون ليرة، وشهري بحدود 630 مليون ليرة، وسنوي بحدود 7 مليارات و560 مليون ليرة، حصة المحافظة منه هو مبلغ مليارين ومئة مليون، يبقى ربح تجاري للشركة المستثمرة بحدود 5 مليارات و460 مليون ليرة، يقتطع منه ما يمكن اعتباره تكاليف وتجهيزات (الدهان- قيمة أجهزة التحصيل- أجور العمالة- تكاليف ونفقات إدارية ونثرية- رسوم وضرائب..)، قد تغطيها مئات الملايين الفائضة عن المليارات الخمسة السابقة، بحيث يمكن الوصول إلى ربح صافٍ من مجمل العقد السنوي مبلغ 5 مليارات ليرة فقط لا غير!.
هي حسبة تقريبية لأرباح مشروع استثماري سهل، سيزيد من ربح الشركة المستثمرة، بلا رأسمال، لمدة سبع سنوات بمبلغ 35 مليار ليرة، لتغنى جيوب بعض الحيتان على حساب إلحاق الضرر بالفئة المستضعفة دائماً، فكل هذه المبالغ من جيب المواطن، الذي سيدفع لقاء ما هو ملك وحق عام له، من المفترض أنه محمي بالقانون والدستور!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1021