دعم القطاع الزراعي.. تصريحات الأمس تمحوها قرارات اليوم!
يعتبر قطاع الزراعة في سورية من القطاعات الهامة المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي، يضاف إلى ذلك أنه أحد أكثر القطاعات المساهمة بتوفير فرص العمل، ومصدر دخل أساسي يعيل عدداً كبيراً من الأسر السورية.
ومع ذلك فمحاولات الإجهاز عليه والمتكررة لضربه ما زالت مستمرة وتفعل فعلها، عبر القرارات التي تحول دون تطوره، أو حتى استمراره.
تصريحات الأمس تمحوها قرارات اليوم
من سمع وقرأ البيان الحكومي أمام مجلس الشعب، بتاريخ 20/9/2020، وما حمله ذلك البيان في بند قطاع الزراعة من عبارات طنانة لتنميته وتطويره ودعمه، يجد أن تلك التصريحات لا تتعدى كونها حبراً على ورق مقارنة مع ما يصدر من قرارات معاكسة لها.
وللتذكير فقط، نذكر جزءاً مما جاء في البيان «النهوض بالقطاع الزراعي، وبذل جميع الجهود الممكنة لتنميته وتطويره، عبر:
• تحسين واقع الأمن الغذائي الذي يعتمد على دعم الإنتاج الزراعي والصناعات الزراعية، وتوفير جميع مستلزمات الإنتاج والخدمات المساعدة، لإعادة استثمار الأراضي القابلة للاستثمار، وزيادة الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، وتوفير حاجة السكان من الغذاء، مع تحقيق مخزون مستدام من المحاصيل ذات الأهمية، ووفقاً لمعايير الجودة.
• رفع كفاءة الإنتاج الزراعي، اعتماداً على البحوث العلمية الزراعية التطبيقية والإرشاد الزراعي، وتطوير الخدمات المساعدة المقدمة للفلاحين، والتوسّع بالمشاريع الزراعية التنموية الصغيرة والمتوسطة، التي تزيد فرص العمل في المناطق الريفية، واستخدام التقانات الحديثة التي تحقق الاستثمار المستدام للموارد الطبيعية والزراعية، وتتيح تحسين الدخل للفلاحين والمتعاملين بسلاسل القيمة للمنتجات الزراعية؛ إضافة إلى تطوير نظام التعاون الزراعي كأداة فاعلة في تحقيق برامج التنمية الزراعية.»
ضربات أرهقت القطاع الزراعي، ومازالت مستمرة...
رغم ما تلقاه القطاع الزراعي من ضربات مستمرة أدت لتراجعه، ابتداءً من سلسلة تخفيض الدعم عن المازوت منذ سنوات عديدة، إلى ما يواجهه من تحديات هذا العام نتيجة لانخفاض الهطولات المطرية والتحذيرات المستمرة كونه عاماً تواجه فيه جميع المحافظات السورية جفافاً حاداً نتيجةً للتغيرات المناخية، ورغم كل تلك المخاطر التي تهدد القطاع الزراعي، جاء قرار رفع الدعم عن الأسمدة «كالشعرة التي ستقصم ظهر البعير»، في الوقت الذي يعتبر دعم القطاع الزراعي من الأوليات التي تقع على عاتق الحكومة، لتحسينه وتطويره بالشكل الذي يؤمن الاكتفاء الذاتي في ظل التضييقات والعقوبات الأمريكية والغربية.
فقد أعلن مجلس إدارة المصرف الزراعي التعاوني، التوقف عن دعم الأسمدة للفلاحين وفقاً للسعر المدعوم، وجاء ذلك بتوصية من اللجنة الاقتصادية في مجلس الوزراء، ليتم بيعها بسعر التكلفة دون تسجيل أي ربح للمصرف.
وحدد المصرف سعر مبيع طن سماد السوبر فوسفات بـ 1,112 مليون ليرة سورية. وسعر مبيع الطن من سماد اليوريا بـ 1,366 مليون ل. س، وسعر مبيع الطن الواحد من سماد نترات الأمونيوم بـ 789,600 ليرة.
وطلبت إدارة المصرف من الفروع استئناف عملية بيع الأسمدة للفلاحين أصولاً، وفق الترخيص الزراعي وجدول الاحتياج المعمول به لدى المصرف اعتباراً من تاريخه، والتريث في بيع مادة سماد سلفات البوتاس حتى إبلاغ الفروع باستئناف البيع.
وأكد «ابراهيم زيدان» مدير المصرف الزراعي التعاوني، أن تسعيرة الأسمدة الجديدة تمت بناءً على التكلفة الحقيقية الواردة إلى المصرف، مع إضافة تكاليف الشحن وأجور العتالة والعاملين، دون هامش ربح، وبأقل من السعر الرائج بـ ـ10-15%.
وفقاً للتصريح أعلاه، فإن الأسمدة ستباع بتكلفتها دون مرابح، لكن بالمقابل تعني رفع الدعم بشكل نهائي عنها!
منعكسات رفع الدعم على الفلاح وجيبة المستهلك
من المؤكد، أن قرار رفع الدعم سيؤدي إلى زيادة التكلفة التي يتحمل عبئها الفلاح أولاً ليتلوه المستهلك ثانياً، فرفع الدعم لن يتحمله الفلاح وحده، ومن الطبيعي أن يتسبب ذلك بموجة ارتفاع أسعار جديدة للمحاصيل والمنتجات الزراعية، بما في ذلك المحاصيل الإستراتيجية التي تدخل في عمق الأمن الغذائي.
فالمشاكل التي تواجه الفلاح أصبحت كبيرة ولم يعد الإنتاج الزراعي يحقق المردود الكافي للفلاح كي يتمكن من تغطية تكاليف المعيشة الباهظة، ومن المؤكد أنّ المحاصيل المنتجة، وخاصة التي تحتاج للأسمدة كالقمح والشعير...إلخ، ستتأثر بقرار رفع الدعم أعلاه، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ قسماً كبيراً من الفلاحين قد يتوجهون لاحقاً للزراعات البديلة التي لا تحتاج إلى تلك الأسمدة النوعية، أو بالحد الأدنى إلى كميات كبيرة منها، علماً أن الكميات من الأسمدة التي كانت توزع عبر المصرف الزراعي للفلاحين لم تكن كافية، حيث كان هؤلاء يضطرون لشراء الكميات الإضافية اللازمة من السوق المتحكم بها من قبل حيتان الاستيراد، كماً وسعراً ونوعاً، بل وحتى التحكم بعامل الزمن، الأمر الذي يزيد من التكاليف النهائية المحسوبة لكل محصول ومنتج زراعي، وصولاً إلى تكبد الخسائر في كثير من الأحيان، مع نتائج ذلك على مستوى هجرة الأرض والعمل الزراعي، وبالتالي، انخفاض كميات المحاصيل السنوية تباعاً، وتراجع القطاع الزراعي بشكل عام.
بالنتيجة، كل ذلك يقتطع من حساب المواطن الذي أرهقته الأزمات المتتالية، والذي اعتاد أن التصريحات تبقى تصريحات مكتوبة بقلم رصاص على الورق، وأن مصالح المتنفذين والفاسدين والحيتان ستمحوها لتنفذ ما تقتضيه مصلحتها لزيادة أرصدتها من جيب المواطن الذي لم يعد لديه ما يخسره أكثر.
فقرار الأسمدة الأخير يصب من الناحية العملية في مصلحة حيتان الاستيراد أولاً وأخيراً، سواء كانوا مستوردي الأسمدة أنفسهم، أم مستوردي المنتجات الزراعية التي سيحتاجها السوق المحلي على ضوء تراجع الإنتاج الزراعي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1021