غلاء المعيشة قضى على موسم «المونة»
دعاء دادو دعاء دادو

غلاء المعيشة قضى على موسم «المونة»

للتذكرة، لأُناس حتماً باتت قد نست ما يسمى بموسم «المونة».
موسم «المونة» هو تقليد ملازم الشعب السوري ككل منذ مئات السنين، يمتد بالفترة الزمنية من الربيع حتى الخريف، حيث يقوم الأهالي بحفظ وتخزين جميع المواد الغذائية وأصنافها والطعام «المونة» لاستخدامها في غير موسمها دون أي استثناء لأي طبق من الأطباق.

مصدر الحرمان

من المعلوم، أن موسم «المونة» هو موسم محبب لدى غالبية النساء السوريات، ويعد عنصراً للمفاخرة بينهن بحسب الطريقة التي يقمن بها بالاحتفاظ بالمواد الغذائية لمدة طويلة، وبشكل صحيح وكيفية الحفاظ على لون الطازج من هذه المواد.
ولكن بالتزامن مع الأزمة السورية وما تلاها من أزمات مُفتعلة وحقيقية والتي أنهكت بدورها الكبير- عاتق الشعب السوري ككل، بدايةً بـانقطاع التيار الكهربائي المزمن، وما تلاه من تدني مستوى المعيشة وانخفاض القدرة الشرائية للأجور أمام الأسعار بذريعة سعر الصرف في السوق السوداء.. إلخ، فقد باتت هذه الأزمات مصدراً للحرمان من أهم التقاليد الملازمة للشعب السوري منذ عقود طويلة.
فمن المعلوم والمؤكد، أن جميع العائلات السورية لن تستطيع الإقدام على التفكير حتى بـ موسم «المونة»، الذي فعلياً يحتاج إلى ميزانية تساوي راتب الموظف مضروباً بـ عشرات أضعافه، باستثناء تلك الفئة- الناهبة- من الحيتان وكبار التجار والناهبين للاقتصاد السوري الذين يستطيعون إيجاد أصعب المقومات المعيشية التي يعاني من فقدانها المفقرين السوريين، وهذا على صعيد السعر والثمن. أمّا على صعيد توفير التيار الكهربائي، فإن استطاع أحد في يومنا هذا أن يقوم بالإقدام على «المونة» كما يُقال «من قريبو»، فلن يحالفه الحظ ولن ينعم بالفرح، لأن الانقطاع المستمر والترددي للتيار يُفسد كل تعب وعمل ومشقة للمرأة السورية، تماماً كما هو الحال مع الفساد الحكومي وأفعاله بنا في ابتلاع وتشويه نتائج عملنا وجهدنا.
ولذلك فإن الغالبية من النساء السوريات لجأن إلى الطرق البديلة وللعودة إلى نمط الأجداد في اعتماد فكرة المونة المجففة، وكما قالت إحداهن: «فالشمس لن تنقطع عنا بفعل فاعل».

فروقات حادة

يعاني اليوم المواطن السوري من فروقات سعرية حادة ما بين راتبه الذي يبلغ حوالي الـ (60) ألف، وبين متطلبات حياته والتي من بينها «المونة» مثلاً، فعاماً بعد عام أو إن صح القول: يوماً بعد يوم تختلف الأسعار، وتكون المفارقات السعرية كبيرة بالنسبة لسابقها.
فمثلاً: بالنسبة لسعر كيلو الفول والبازلاء «المونة» في العام الماضي لم يصل إلى حدود الـ (1000) ليرة سورية حتى! أما اليوم وبحسب إحدى صفحات المواقع الاقتصادية على فيسبوك: فقد ارتفعت أسعار «المونة» حوالي ثلاثة أضعاف، كيلو البازلاء بقشرو بـ 3200 ل. س، كيلو البازلاء مفصص بـ 9500 ل. س! كيلو الفول بقشرو بـ 2500 ل. س، كيلو الفول المفصص بـ 8000 ل. س!
وفي الوقت ذاته، نقلاً على لسان وزير التموين لصحيفة الوطن الرسمية «اليوم وبعد استقرار سعر الصرف، تبين أن هناك انخفاضاً بالأسعار ولاسيما المواد الأساسية بنسبة 30%».
وأمام هذه الأسعار على سبيل المثال: نرى أن كل ما يتم التصريح عنه عبارة عن «صف كلام» كالمعتاد لا شيء حقيقياً على أرض الواقع، وجميع تلك الأسعار عبارة عن عبء حقيقي على جيبة المواطن السوري ذي الدخل المحدود.
وبالمقابل، لم يعد تخزين المواد الغذائية «المونة» أولوية لجميع السوريين كما هو الحال سابقاً، حيث يتركز تفكيرهم على تأمين قوتهم يوماً بيوم هذا إن استطاعوا تأمينه بالمحصلة.

نعمل لأجلكم

في هذا السياق، فقد قامت مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك في دمشق بتعديل نشرة أسعار الفروج والبيض والشاورما بتاريخ 27 الشهر الجاري، وانخفضت الأسعار فيها بقيمة تراوحت بين الـ 100 ليرة والـ 500 ليرة للكيلو الواحد، مقارنة مع نشرة الأسعار الصادرة قبل يومين، أي: بتاريخ 25 الشهر.
بحيث إن هذه الأسعار «بعد الانخفاض الرهيب» قد ناسبت دخل الفرد وأصبحت الأسعار أكثر واقعية ويمكن تقبُلها خصوصاً ذاك الهبوط من فئة الـ 100 ليرة.
على سبيل المثال: الموظف الحكومي الذي لا يملك دخلاً إضافياً وليس لديه أية مساعدات خارجية كغيره مثلاً، كان لا يستطيع أن يشتري فروج حي بـ 5100 ليرة للكيلو الواحد، أما اليوم وبعد هبوط الأسعار، التي تتناسب طرداً مع مدخوله الشهري، فيمكنه وبكل أريحية أن ينعم بأكل الفروج بعدما أن أصبح سعر الكيلو الواحد منه 5000 ليرة فقط! فهل الحال كما يروج فعلاً؟!
«تخيل يا يرعاك الله» الضحك على اللحى وعلى عقول المعدومين بهذا النوع من انخفاض التسعيرة الفريدة من نوعها، إضافةً إلى ذلك الأسعار على أرض الواقع لم تنخفض في أغلب المحلات، فما زال كل محل يبيع بتسعيرة تختلف عن غيرها حسب المنطقة وحسب مزاج البائع.
ويمكننا العودة إلى الموضوع نفسه، ألا وهو التصريحات الصادرة من قِبل المعنيين دون مراقبة حقيقية، وأيضاً يمكننا اعتبارها أنها لا تصب في مصلحة ومعالجة مشكلة حقيقية للمواطن السوري في تأمين مستلزماته الغذائية، واعتبارها رفاهية مطلقة لكل من يستطيع الحصول على الغذاء في سورية.

غصة

واقعياً، يُمثل موسم «المونة» غصة لكثير من العائلات السورية والتي بالكاد تستطيع تأمين غذاء يومها، لأن السوريين يتجهون إلى عملية التخزين في محاولة للحفاظ على أمنهم الغذائي لاستمرار حياتهم، والتي تعمل الحكومة ومن خلفها من الحيتان جاهدين على حرمانهم منه.
والتصريحات الحكومية التي تقوم على خفض الأسعار، لم تعد محل ثقة لدى المواطن السوري لأنها ما زالت عبئاً كبير على مدخوله، رغم كل محاولاتهم بإقناعه أنهم يعملون لأجله، لذلك بقي في قلق بشأن أمنه الغذائي لتوقعه دائماً ما هو أسوء في ظل القرارات الحكومية التي ما زالت ليومنا هذا تنهك كاهل الشعب السوري ككل دون رحمة منهم، ولا حتى تأنيب الضمير.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1020