حماية المستهلك بين العقوبات والإيرادات
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

حماية المستهلك بين العقوبات والإيرادات

صدر بتاريخ 12/4/2021 المرسوم التشريعي رقم 8 لعام 2021 المتضمن قانون حماية المستهلك الجديد، وذلك بعد كثرة وعود وطول انتظار؛ فقد بدأ الحديث عن القانون الجديد بعد عام واحد من صدور القانون 14 لعام 2015، واستمر الحديث عن المشروع الجديد طيلة هذه الفترة.

فهل ستتحقق حماية المستهلك وتؤمن حقوقه بموجب القانون الجديد فعلاً، أم سيكون كسابقه من حيث النتيجة في الأسواق؟!

مراوحة لسنين وتسارع قبل رمضان

بدأ الحديث عن تعديلات على قانون حماية المستهلك رقم 14 لعام 2015 منذ عام 2016، وقد تم تشكيل لجان لهذه الغاية، وقد تناولت الصحف المحلية خلال السنين الماضية الحديث عن التعديلات المزمعة على قانون حماية المستهلك، كما تم تسجيل الكثير من التصريحات الرسمية بشأنه، وخاصة ما يتعلق بالتشدد في العقوبات بحال ثبوت المخالفات.
وبرغم كل سنين الانتظار، يبدو أن القانون قد صدر على عجالة مؤخراً، حيث لم يمر على مجلس الشعب ولجانه كما هو مفترض. وسبق أن صرح وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، خلال وجوده في حماة بتاريخ 5/4/2021: إن «الوزارة تحاول إصدار قانون حماية المستهلك المعدل، بالتنسيق مع وزارة العدل قبل شهر رمضان المبارك، وفيه مواد عقوبات مشددة، وتطال الموظف بالدولة مثله مثل التاجر أو البائع المخالف، إذا ثبتت تغطيته على مخالفته، وإذا وجدت المخالفة بمحله أو منشأته ولم يخالفه».

الحكومة بدت مستعجلة أيضاً

بتاريخ 6/4/2021 خلال جلسته الأسبوعية «ناقش مجلس الوزراء مشروع صك تشريعي خاص بتعديل أحكام قانون حماية المستهلك رقم 14 لعام 2015، والذي يتضمن التشدد في عقوبات المخالفات الجسيمة المتعلقة بالإتجار بالمواد المدعومة، والغش وبيع المواد منتهية الصلاحية، وإضافة عقوبات مشددة بحق مخالفات الاحتكار وبيع المواد مجهولة المصدر والمتاجرة بالمواد المقدمة من خلال البطاقة الإلكترونية، كذلك رفع قيم الغرامات المالية ومدة الإغلاق القضائي والإداري بما يشكل رادعاً يحول دون ارتكاب المخالفات والحد منها»، وذلك بحسب ما ورد على موقع الحكومة الرسمي.
الملاحظ هو أن الحكومة لم تقم بتحويل مشروع الصك التشريعي بعد نقاشه وإقراره من قبلها إلى مجلس الشعب كما هو مفترض، وربما كان ذلك بسبب عدم انعقاد دور تشريعي حالياً، بالتوازي مع ما قيل عن ضرورة سرعة الإنجاز قبل حلول شهر رمضان.
بحسب الموقع الحكومي بالتاريخ نفسه أعلاه أيضاً «وشدد المجلس خلال جلسته الأسبوعية على تكثيف الجهود لضبط الأسواق خلال شهر رمضان المبارك، وضمان توافر المواد الأساسية، واتخاذ أشد العقوبات بحق المخالفين».

تشدد في العقوبات وزيادة في الغرامات

بنظرة سريعة على مواد القانون الجديد، يتبين أن هناك تشديداً في العقوبات، سواء على مستوى الغرامات المالية المفروضة بحال ضبط بعض المخالفات، أو على مستوى الحبس ومدده ارتباطاً بنوعية المخالفات المضبوطة.
فقد تدرجت الغرامة المالية في نصوص القانون وصولاً إلى مبلغ 10 ملايين ليرة كعقوبة على بعض المخالفات، كذلك تدرجت عقوبة الحبس وصولاً إلى المؤقت لمدة 7 سنوات كعقوبة على بعض المخالفات.
كما يلاحظ دمج عقوبتي الحبس والغرامة على بعض المخالفات الجسيمة، على غير ما كان معمولاً به في القانون السابق.
كذلك فإن التشدد المنصوص عليه بموجب القانون قد شمل بعض العاملين الذين يخلّون بوظيفتهم ومهامهم أيضاً، مع ملاحظة أن هؤلاء قد شملهم القانون ببعض الميزات على مستوى التعويضات المستحقة لكل منهم بحسب طبيعة عمله.

ملاحظات أولية

تجدر الإشارة إلى أن غالبية المخالفات، أو الأكثر تفشياً وانتشاراً، وهي المخالفات المرتبطة بالغرامة المالية (مخالفة تعليق بيع مادة على مادة- بعض المخالفات الخاصة بالسجلات التجارية والصناعية والحرفية والصحية- مخالفة شروط الإعلان عن التنزيلات- المتاجرة ببعض المواد دون ترخيص- عدم حيازة فواتير أو الامتناع عن إعطائها للمستهلك- عدم الإعلان عن الأسعار)، بحال ضبطها تجري عليها التسوية بموجب نصوص مواد القانون، على أن تسدد نصف الغرامة من قبل المخالف لدى المديرية المعنية، وذلك خلال مدة محددة، بما يمنع تحويلها إلى القضاء وتسديدها كاملة لاحقاً.
وكذلك فإن عقوبة الإغلاق الإداري المنصوص عليها بموجب القانون يتم تلافيها واستبدالها لقاء غرامة مالية عن كل يوم إغلاق.

أما الملاحظة الأهم، فهي أن بعض العقوبات المنصوص عنها بموجب القانون، سواء كانت الغرامة المالية أو الحبس، بعضها كان مفتوحاً بين حدين (أعلى وأدنى)، وقد تركت مفتوحة هكذا لاستدراكها وإعادة تحديدها إما عبر التعليمات التنفيذية المنتظر صدورها، أو للقضاء تقديراً.
وبغض النظر عن آثار ونتائج القانون في حيّز التنفيذ على مستوى حماية المستهلك وحقوقه في الأسواق لاحقاً، فإن ما يسجل بهذا الصدد، هو أن الإيرادات المالية بموجب نصوص القانون الجديد، جرّاء ضبط المخالفات، أو التسويات، أو استبدال أيام الإغلاق، قد تزايدت وارتفعت بشكل ملحوظ، سواء كانت ستصب في صالح خزينة الدولة، أو في صندوق الوزارة، أو في حسابات مديريات حماية المستهلك في المحافظات، بحيث تظهر وكأنها غاية بحد ذاتها أهم من حماية المستهلك وحقوقه، الذي صدر القانون باسمه.

لم يوضع في التنفيذ بعد

أمام التسارع والسرعة المسجلة على صدور القانون مؤخراً، وبعد أن صدر قبل حلول شهر رمضان فعلاً، كان من المفترض أن يصدر وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك التعليمات التنفيذية له، وذلك بحسب ما نصت عليه المادة 81 منه.
فعلى الرغم من أن المادة أعلاه قد منحت الوزير مدة 30 يوماً من تاريخ نفاذ القانون لإصدار التعليمات التنفيذية، إلّا أنه من المفترض أن تكون هذه التعليمات مصاغة وجاهزة لدى الوزارة مسبقاً، خاصة وأنها هي من أعدت مشروع القانون ورفعته إلى الحكومة، وبالتالي، فمن الطبيعي أن تكون قد أعدت التعليمات التنفيذية له، والوزير نفسه هو من ربط إصدار القانون بشهر رمضان، وكذلك الحكومة... فلماذا التأخر إذاً؟!

التشدد بالعقوبات في ظل المحسوبية والفساد

سبق أن سجلت بعض الفعاليات التجارية تحفظها على مشروع القانون الجديد قبل صدوره، وذلك لعدم معرفتها بمضمون حيثياته كي تتمكن من وضع ملاحظاتها عليه من باب التشاركية والمسؤولية المشتركة عن السوق والمستهلكين، لكن سبق السيف العذل، فقد صدر القانون.
كذلك فإن بعض بائعي المفرق اعتبروا أنفسهم الأكثر تضرراً من التشدد في العقوبات بموجب نصوص مواد القانون الجديد.
فالمصيبة بالنسبة لهؤلاء أن التشدد بالعقوبات، في ظل تفشي المحسوبية والوساطة والفساد، سيتم استثماره من قبل بعض الفاسدين القائمين على تنفيذ مضمونه في الأسواق، عبر رفع تسعيرة الرشوة والإتاوة التي يتقاضونها لقاء غض الطرف أو تخفيف توصيف المخالفة بموجب الضبوط، بحيث تصبح قابلة للتسوية بالحد الأدنى لقاء غرامة مالية فقط، فهذا ما درجت عليه العادة بموجب نصوص مواد القوانين السابقة بحسب ما صرح به هؤلاء.
فالمشكلة بالنسبة لبائعي المفرق ليست مع المستهلك، ولا مع مراقبي التموين، بل مع كبار تجار الجملة والمستوردين الذين يتحكمون بهم وبالسوق وبالمستهلك، ويفرضون أسعارهم ومواصفات سلعهم كما يحلو لهم، وهؤلاء غالباً ما يكونون بعيدين عن أعين الرقابة، بل يبدو أنهم محميون.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1014