المواصلات.. أزمة قديمة متجددة!
عبير حداد عبير حداد

المواصلات.. أزمة قديمة متجددة!

تندرج أزمة المواصلات المزمنة ضمن جملة من الأعباء التي فرضت على المواطن السوري أن يتعايش معها رغماً عنه!

فمن طوابير الخبز، إلى الانتظار على أبواب المؤسسات، وصولاً إلى ساعات الانتظار الطويلة التي يقضيها أمام محطات الوقود، ناهيك عن الغلاء الفاحش، وصولاً إلى أزمة المواصلات المستمرة بين القديمة والمستمرة، ولا حلول جذرية، أو حتى مؤقتة توقف المعاناة اليومية للمواطنين.

أزمة مستمرة ولا رقابة

لم تعد أزمة المواصلات تقتصر على أوقات الذروة، أو أماكن محددة، أو خطوط سير معينة، بل أصبح مشهد انتظار مئات المواطنين على الطرقات والمواقف العامة لساعات طويلة مشهداً يومياً، ناهيك عن التدافع والسباق الماراثوني خلف السرافيس للحصول على مقعد، للعودة للمنزل بعد نهار العمل الطويل.
وفي ظل غياب الرقابة لا يلتزم بعض سائقي الباصات بالتعرفة المحددة، وبعض أصحاب السرافيس يتعاقدون مع موظفي المعامل أو المدارس، بالإضافة إلى تهرب البعض من خط السير المخصص كاملاً، وكل ذلك على حساب المزيد من المعاناة بالنسبة للمواطنين.

معاناة وشهادات

قال «أيمن»، وهو موظف: رزق الله أيام الـ 50 ليرة، كنا نعطيون 100 يقلك الشوفير ما في فراطة.. اليوم الأجرة 100 بتعطي 200 بقلك ما في فراطة ...عوجة!
أحد ركاب ضاحية قدسيا تحدث قائلاً: إن السائق طلب أجرة 200 بدل 150 ناقلا عنه: ما بكفي ساعات الوقفة بالكازية، مكملاً قوله: أعاننا الله وأعانهم من وين بدنا نلقاها!؟

كذلك تحدثت فاطمة، والتي تقطن في الريف الدمشقي، عن معاناتها للوصول إلى عملها في المنطقة الحرة وعودتها إلى المنزل، في ظل انعدام فرص العمل في الريف، نظراً لنتائج الدمار التي لحقت بمقومات العيش في مناطق الريف عامة، والتي دفعت الكثير من القاطنين هناك بالبحث عن العمل ضمن المدن، مما شكل عبئاً أكبر على وسائل النقل.
أما سيارات الأجرة فقد أصبحت من المنسيات، كونها تشكل عبئاً مالياً كبيراً على المواطنين في ظل تردي الأوضاع المعيشية والغلاء المستشري.

حلول الضرورة

ربما يكون الاعتماد على التكسي سرفيس أحد الحلول التي يتم اللجوء إليها اضطراراً من قبل المواطنين، عند عدم توفر وسائط المواصلات المخصصة لخطوط النقل، ومع ذلك فهي غير متاحة في كل الأوقات وعلى كل الخطوط، والأهم: أن عوامل الاستغلال، وخاصة خلال ساعات الذروة، أو عند ساعات المساء والليل، تتزايد من قبل العاملين على التكسي سرفيس.

ومن الحلول الاضطرارية من قبل المواطن كوسيلة لحفظ الوقت الضائع على الطرقات وللحد من الاستغلال، فقد اختار البعض المشي كوسيلة بديلة عن وسائل النقل العامة وسيارات الأجرة التي حلقت أسعار أجرتها، حتى أصبحت رفاهية من الطراز الرفيع، لكن هذا الحل غير متاح أو ممكن بالنسبة لخطوط المواصلات ذات المسافات الطويلة، سواء داخل المدينة، أو بين الريف والمدينة، ومن المستحيل الاعتماد عليه بالنسبة للمرضى أو لكبار السن والأطفال.

للسائقين معاناتهم أيضاً

على الطرف المقابل، لا بد من الإشارة إلى معاناة سائقي الباصات والسرافيس وسيارات الأجرة، الذين ينتظرون لساعات طويلة أمام محطات الوقود للحصول على المخصصات من المشتقات النفطية، والتي تشكل عبئاً وتعباً كبيرين.
فقد ذكر أحد السائقين، أن ساعات الانتظار الطويلة تضيع من وقت عملهم، بالإضافة إلى حاجتهم لقسط من الراحة بعد هذه المعاناة الطويلة، وأشار إلى أن أجرة الراكب تعتبر زهيدة مقارنة بساعات الانتظار أمام الكازيات، بالإضافة إلى الارتفاع الخيالي بأسعار قطع الغيار وعملية الصيانة الشهرية والسنوية، مضيفاً بقوله: السيارة حتى تعطيك عليك أن تعطيها، مما يجعل البعض يفضل بيع المازوت المخصص في السوق السوداء بأسعار تصل لـ1300 للتر الواحد، مستغنين بذلك عن عناء العمل وتكلفة الصيانة والإصلاح، ومع انتشار هذه الظاهرة فقد انخفض عدد وسائط النقل التي تعمل فعلياً على خطوط المواصلات، مما ساهم بتضخم الأزمة.

الأزمة المركبة

أحد الأسباب الرئيسية لأزمة المواصلات تتعلق بالمشتقات النفطية وتوفرها، فمع استمرار غياب الحلول الجذرية والنهائية، أو حتى المؤقتة منها، وفي ظل غياب الرقابة من قبل الجهات الرسمية، تتزايد الآثار السلبية لأزمة المواصلات مع كل أزمة محروقات، مع ما يرافقها من إجراءات رسمية تزيد عملياً من تداعيات الأزمة المركبة ولا تحلها، مثل: بطاقات التعبئة للوقود بغاية الرقابة والمتابعة لوسائل المواصلات، بالإضافة طبعاً إلى الإجراء المتعلق بالبطاقة الذكية للمحروقات، والتي لم تثمر النتائج الإيجابية المتوقعة منها!

فموضوع تخفيض كميات المشتقات النفطية الموزعة على المحافظات، وفق نسب محددة، ليس إجراءً جديداً، فقد سبق أن تم اتخاذه أكثر من مرة خلال فترات سابقة، سواء كان للبنزين أو المازوت، وطالما سمعنا أن ذلك مرتبط زمنياً بموضوع التوريدات الجديدة القادمة، طبعاً مع إعادة الحديث عن العقوبات والحصار!

أما ما يفقأ العين، فهو أن الأزمة تبدو كأنها نقص في كميات المشتقات النفطية المتوفرة، لكن في نفس الوقت فإن السوق السوداء تتوفر فيها كل الكميات المطلوبة بما يكفي سد النقص في حاجات الاستهلاك، وطبعاً على حساب المواطنين، ولمصلحة شبكات المستغلين والفاسدين!

والنتيجة هي: استمرار الأزمة، التي ترافقت مع تخفيض الدعم على المشتقات النفطية عملياً، سواء من خلال رفع السعر المباشر لها، أو من خلال تخفيض الكميات المخصصة، مع استمرار نشاط السوق السوداء طبعاً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1009
آخر تعديل على الإثنين, 15 آذار/مارس 2021 09:54