معارض ومبادرات خُلّبية وتضليلية!؟
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

معارض ومبادرات خُلّبية وتضليلية!؟

تتتالى الأخبار عن المبادرات الاقتصادية والمعارض النوعية المقامة، أو المزمع إقامتها، مع اختلاف الجهات المشاركة والمنظمة والراعية لها، وأماكنها والشريحة المستهدفة منها، لكن يغلب على جميعها الإيهام أنها ستخرج الزير من البير، سواء بالنسبة للمواطنين بحال كانت موجهة لهم، أو للفعاليات المشاركة بها.

ففي كل سنة تقام العشرات من المعارض (الدورية والنوعية والتخصصية)، لكن تأثيرها على الواقع الاقتصادي المعيشي بالنسبة للمواطنين يكاد يكون هامشياً ومحدوداً، بل وتضليلياً في بعض الأحيان، وحتى بالنسبة لبعض المشاركين من الفعاليات الاقتصادية (الصناعية والتجارية والزراعية والحرفية) فيها تكون النتائج الاقتصادية والتجارية المحققة ليست ذات جدوى بحسب ما هو متوقع منها.

عشرات المعارض والتدهور مستمر

كثيرة هي عناوين وأسماء المعارض التي طرقت أسماعنا خلال السنوات الماضية، والمستمرة حتى الآن، منها على سبيل المثال لا الحصر: (معرض صنع في سورية للألبسة والنسيج ومستلزمات الإنتاج- معرض سيلا للأحذية والجلديات ومستلزمات الإنتاج- معرض المفروشات والسجاد والموكيت- المعرض الطبي للصناعات الدوائية والتجهيزات الطبية والمخبرية وخدمات المشافي وطبابة الأسنان- معرض الربيع الدولي (غذائي- نسيج- هندسي) معرض متخصص بالأعراس والمناسبات ومستلزماتها- معارض المستلزمات المدرسية.. وغيرها الكثير من أسماء المعارض الأخرى) وهذه المعارض تكون مفتوحة للمختصين داخلاً وخارجاً، وكذلك للعموم من المواطنين.
يضاف إلى هذه المعارض ما يسمى بمبادرات تحت مسمى الأسواق أحياناً بمختلف تلاوينها (غذائي- خيري- أسواق الأكل..) التي تستهدف المواطنين بشكل مباشر وخاص.
ومن كثرة المعارض والمبادرات السنوية المقامة يكاد المرء يتوقع أن واقعنا الاقتصادي على أحسن حال، وواقع المواطنين المعاشي على أحسن ما يرام، على العكس تماماً مما هو قائم ومستمر على مستوى التدهور الاقتصادي المعيشي عموماً!

غياب بعض المعطيات الرقمية

يقف خلف المعارض المقامة مختصون، سواء من حيث المشاركة أو من حيث التنظيم، وغالبيتها يتم افتتاحه رسمياً برعاية حكومية، مع تغطية إعلامية مكثفة لها، قبلها وخلالها، وحتى بعد انتهائها كرصد لنتائجها بالمقارنة مع المتوقع منها.
فقبل كل معرض من المعارض يتم إيراد أعداد الشركات المساهمة والمشاركة فيها، والمشاركات الدولية في بعضها، مع الكثير من الدعاية الإعلامية والترويجية لها، وبعد انتهائها يتم أحياناً إيراد أعداد العقود والصفقات الموقعة خلالها، والنتائج المحققة منها، بينما تغيب عن غالبيتها الكثير من المعطيات حول نتائجها، بما في ذلك الجانب الرقمي من المبيعات خلالها، وخاصة تلك الموجهة للمواطنين داخلاً.

تكاليف مضافة إلى الأسعار

من المفروغ منه، أن إقامة المعارض، وخاصة الموجهة لعموم المواطنين، وبغض النظر عن كل ما يشاع حولها بشأن تخفيض الأسعار خلالها على بعض ما يعرض فيها، تعتبر مكلفة، ويمكن إيراد بعض التكاليف الخاصة بالمعارض والمتمثلة بالتالي: (ستاندات العرض- أجور النقل- أجور الحمل والتنزيل للسلع والبضائع- أجور الموظفين والعارضين- أجور المكان التي تحسب بالمتر المربع المشغول...) بالإضافة طبعاً إلى رسوم الجهة المنظمة المتخصصة بالمعارض، ورسوم الجهة الراعية..
ومن المفروغ منه أيضا،ً أن كل هذه التكاليف ستتم إضافتها إلى سعر البضائع والسلع المعروضة والمعدة للبيع للمواطنين بالنتيجة، طبعاً مع الاحتفاظ بهوامش الربح المعتادة، فالغاية الأولى والأخيرة بالنسبة للمشاركين في المعارض من الفعاليات الاقتصادية هي ما سيحققونه من أرباح طبعاً.
ومن غير المستغرب بعد ذلك ألّا يجد المواطنون أية فوارق سعرية على السلع والبضائع التي يرونها معروضة بالمقارنة مع أسعارها في الأسواق، حيث يستنكف غالبيتهم عن الشراء بالنتيجة، مكتفين بالمشاهدة فقط، وهو ما يجري غالباً، علماً أن هؤلاء يسجلون خسارتهم لأجور انتقالهم إلى أماكن إقامة هذه المعارض، بالإضافة إلى التعب والإرهاق أيضاً، وخاصة بحال كانت مدينة المعارض الجديدة على طريق المطار في دمشق مثلاً هي الحيز الجغرافي الذي تقام فيه هذه المعارض.

تضليل بمشاركة رسمية

بحث الجهات المشاركة في المعارض من الفعاليات الاقتصادية، عن مزيد من فرص الترويج والبيع لمنتجاتها، وبالتالي المزيد من الأرباح، وخاصة بحال كان هناك مشاركات خارجية بغايات الاستفادة من أسواق التصدير لبعض المنتجات المحلية، يعتبر أمراً إيجابياً للمشاركين وللاقتصاد الوطني عموماً، والرعاية الرسمية لمثل هذه المعارض تكون إيجابية كذلك الأمر، علماً أنها غير كافية بحال من الأحوال.
لكن يسجل على بعض المعارض الطابع التضليلي والخلبي، وخاصة عندما تكون موجهة للمواطنين كشريحة مستهدفة، كما سلف ذكره عن واقع التكاليف والأسعار بالنتيجة، والرعاية الرسمية لمثل هذه المعارض ما هي إلّا مشاركة في العملية التضليلية من الناحية العملية، للعلم المسبق أنها لن تكون ذات جدوى حقيقية بالنسبة للمواطنين على مستوى السعر والمواصفة والجودة.
فالرعاية الرسمية للمعارض والمبادرات المقامة والمخصصة للمواطنين كشريحة مستهدفة ربما تأتي من باب أن الحكومة وجهاتها التابعة تقوم ببعض ما عليها من واجبات، بمقابل تقاعسها عن بعض واجباتها ومهامها الفعلية، ليس على مستوى مصلحة المواطنين وحقوقهم ومعاشهم وخدماتهم فقط، بل وعلى المستوى الاقتصادي العام، وواقع الحال فيه الكثير من الشواهد على التقاعس الرسمي في الكثير من القضايا.
ولعله من الأجدى لو كانت الرعاية الرسمية قائمة فعلاً على مستوى دعم الإنتاج (الصناعي والزراعي)، والعملية الإنتاجية ومستلزماتها، وحلقات التوزيع والبيع وصولاً إلى المستهلكين، لكن ذلك يبدو متعذراً وصعباً جداً في ظل النهج الاقتصادي الليبرالي المعمول به حكومياً!

سوق رمضان الخيري

آخر ما حرر بشأن المبادرات هي مبادرة وزارة الأوقاف بإطلاق مبادرة «سوق رمضان الخيري»، الذي أُعلن عن إقامته خلال شهر رمضان القادم، بالتعاون مع غرفة صناعة دمشق وريفها، وذلك في مدينة المعارض القديمة في دمشق، والذي سيضم أيضاً مساحة مخصصة لألعاب الأطفال، وسوقاً للمأكولات الشعبية، وسوقاً للخضار، ومسرحاً مخصصاَ للأناشيد والابتهالات الرمضانية.
المبادرة المسجلة باسم وزارة الأوقاف لم تقف عند حدود الرعاية وإطلاقها فقط، بل ستقدم أيضاً المكان وكافة تجهيزات الأجنحة للشركات المشاركة والبنية التحتية لهذا السوق مجاناً، بينما من المفترض أن يقدم التاجر والصناعي المشارك فقط بضائعه للبيع بسعر التكلفة، وبدون أية هوامش ربح!
ننتظر الحدث الرمضاني ونتائجه، مع تسجيل موقف إيجابي من المبادرة بحسب ما ورد آنفاً بخصوص البيع بسعر التكلفة للمواطنين طبعاً.
لكن ذلك لن يمنعنا من تسجيل التساؤل التالي:
إذا كان بالإمكان الاستفادة من مدينة المعارض القديمة، وتقديم المكان وكافة تجهيزات الأجنحة للشركات المشاركة والبنية التحتية لهذا السوق مجاناً من قبل وزارة الأوقاف، وهي غير المعنية بحسب مهامها ومرسوم إحداثها بمثل هذه المهام، فلماذا لم نر مثل هذه التقدمات المجانية التي يستفيد منها المواطن المستهلك من قبل وزارة الصناعة أو الزراعة أو التجارة الداخلية وحماية المستهلك، أو الحكومة ككل، كونها المعنية مباشرة في رعاية المعارض والمبادرات، وهي من صلب مهامها؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1006