قانون التطوير والاستثمار العقاري.. مصالح أصحاب الأرباح أولاً وأخيراً
«معالجة مناطق السكن العشوائي» جديد التعديلات المزمعة على مشروع قانون التطوير والاستثمار العقاري، الذي تناقشه حالياً لجنة الإدارة المحلية والتنمية العمرانية في مجلس الشعب، تمهيداً لعرضه على المجلس لمناقشته وإقراره النهائي، وذلك بحسب ما تم تداوله عبر بعض وسائل الإعلام.
لا شك أن الحديث عن المشروع الجديد مغرياً بحيثياته وتفاصيله الكثيرة، خاصة إذا علمنا أن عدد مواده تجاوزت الـ 70 مادة، حيث سنعرج على بعضها، بعد الإضاءة على الأسباب الموجبة.
مع عدم الرهان طبعاً على جوهر ما يصدر من قوانين وتشريعات بمحاباتها لمصالح أصحاب الأرباح، بالتوافق مع السياسات الليبرالية المنحازة لمصلحة هؤلاء على طول الخط، على حساب مصالح بقية الشرائح الاجتماعية.
الأسباب الموجبة
تتلخص الأسباب الموجبة لتعديل قانون التطوير والاستثمار العقاري، وفقاً للمشروع الجديد، والمقدمة من وزارة الأشغال العامة والإسكان، بحسب ما رشح عبر بعض وسائل الإعلام، بالنقاط التالية:
ظهور قصور في بعض مواده من حيث عدم إعطاء الهيئة (الهيئة العامة للتطوير والاستثمار العقاري) المرونة اللازمة للقيام بمهامها في مجال التطوير العقاري.
ظهور العديد من التداخلات مع عمل الوحدات الإدارية، الأمر الذي أدى إلى التأخر في إعلان مناطق التطوير العقاري المحدثة.
إضافة مهام جديدة للهيئة بموجب القانون الجديد في معالجة مناطق السكن العشوائي كأولوية بدلاً من إحداث هيئة للارتقاء بالسكن العشوائي.
منح المطورين العقاريين المزيد من التسهيلات والمزايا، وخاصة الوعد بالبيع والبيع على الخريطة.
تخفيض نسبة ضمانة حسن التنفيذ وإعفاءات تخفض من الأعباء المالية على المطورين.
إعطاء الهيئة صلاحيات أوسع.
القراءة السريعة للأسباب الموجبة أعلاه تبين وكأن المشكلة في القانون المعمول به، والتي دعت الضرورة إلى تعديله المقترح، هي مشكلة صلاحيات ومرونة وتسهيلات، فهل الأمر كذلك فعلاً؟!
مزيد من التسهيلات
الجدير بالذكر، أن القانون المعمول به سبق أن وضعت عليه الكثير من الملاحظات سابقاً، وخاصة ما يتعلق بمناطق التطوير العقاري، ناحية حقوق وملكيات المواطنين والجهات الإدارية والمطورين العقاريين، وما يتعلق بالمزايا والإعفاءات الممنوحة للمطورين العقاريين.
فهل تم تجاوز الملاحظات بهذا الشأن، أم إن الوضع بقي على ما هو عليه؟
في متن تفصيلات المواد الـ 70 بموجب المشروع المقترح الجديد جميعها، نلحظ بعض التسهيلات والمرونة بما يخص صلاحيات هيئة التطوير والاستثمار العقاري، مع تحديد للعلاقة بين الهيئة والجهة الإدارية والمطور العقاري، بالإضافة إلى العلاقة مع أصحاب الملكيات والحقوق من المواطنين في المناطق التي ستعتبر مناطق تطوير عقاري، لكن لعل الأهم: هو المزيد من التسهيلات والإعفاءات الممنوحة للمطورين العقاريين، على حساب الملكيات العامة والخاصة عملياً.
أهداف ومهام
الأهداف والمهام العامة لم يطرأ عليها تغيير كبير يذكر عن القانون السابق، فبعض الأهداف المناطة بالهيئة بحسب المشروع الجديد: «تنظيم نشاط التطوير العقاري والمشاركة في تنفيذ سياسات التنمية العمرانية، وتوجهات التخطيط الإقليمي وتشجيع الاستثمارات المحلية والعربية والأجنبية وتوفير وتهيئة الأراضي لإقامة مدن وضواحٍ متكاملة وتوفير الاحتياجات الإسكانية لذوي الدخل المحدود بشروط ميسرة». وكذلك «معالجة مناطق السكن العشوائي وفق مفهوم التنمية الحضرية المستدامة وإعادة بناء أو تأهيل مناطق سكنية قائمة، وإقامة مناطق الخدمات الخاصة غير السياحية».
ومن مهام الهيئة: «منح صفة مطور عقاري وإحداث مناطق تطوير عقاري ومشاركة الجهة الإدارية في إحداثها، والمشاركة في إعداد دراسات معالجة مناطق السكن العشوائي، بما يتفق مع الخريطة الوطنية للسكن العشوائي وتثبيت حقوق المالكين والشاغلين في هذه المناطق».
أما عن أسس اختيار مناطق التطوير العقاري فقد تم تجييرها للتعليمات التنفيذية للقانون التي ستصدر لاحقاً.
حقوق المالكين وحقوق المطور العقاري
في المشروع المقترح، تم التأكيد على حقوق المطور العقاري بالدرجة الأولى، وليس على حقوق المالكين.
ففي إحدى مواد المشروع ورد التالي: «تحدد نسبة مساحة العقارات وأجزاء العقارات الخاصة والحصص السهمية المثبتة التي يجوز استملاكها في حال عائدية الأرض المقترحة منطقة تطوير عقاري للمطور العقاري بعد تعذر الاتفاق بين المطور العقاري والمالكين، وذلك بنسبة لا تزيد على 10 بالمئة من مساحة المنطقة المقترحة».. «تلتزم كل من الجهة الإدارية والمطور العقاري بتخصيص 40 بالمئة من المساحات الطابقية السكنية الناتجة عن العقارات المستملكة كمقاسم سكنية لبيعها لأصحاب العقارات المستملكة، كل بنسبة مساحة عقاراته».. «تلتزم الجهة الإدارية بتحديد قيمة المقاسم السكنية المباعة لأصحاب الأراضي المستملكة وفق أحكام المرسوم رقم 20 لعام 1983».. «تأمين السكن البديل للشاغلين المستحقين أو دفع البدل النقدي بالاتفاق بين المطور العقاري والجهة الإدارية».
مناطق السكن العشوائي
إحدى المواد في المشروع نصت على: «أولويات التدخل والمعالجة في مناطق السكن العشوائي وفق الخريطة الوطنية للسكن العشوائي وتعديل هذه الأولويات داخل أو خارج المخططات التنظيمية، عبر الهدم وإعادة البناء أو الارتقاء وإعادة التأهيل أو كلتا الحالتين».. «تعد منطقة تطوير السكن العشوائي المحدثة شخصية اعتبارية تحل محل جميع المالكين وأصحاب الحقوق فيها».. «تقدر قيمة عقارات منطقة تطوير السكن العشوائي من خلال لجنة يشكلها المحافظ»..
وفي مادة أخرى: » يجوز للوحدة الإدارية معالجة مناطق سكن عشوائي تقع ضمن حدودها وفق القوانين والأنظمة النافذة دون التقيد بأحكام هذا القانون وتعليماته التنفيذية».
مزيد من اللجان
بموجب المشروع الجديد، هناك العديد من اللجان المختصة، (لجنة لحل الخلافات، ولجنة أخرى لتقدير قيمة العقارات، بالإضافة إلى لجان المسح الاجتماعي)، ولا جديد بهذا الصدد، إن جرى الحديث عن مسارب الفساد، الكبير والصغير، طبعاً.
ففي إحدى مواد المشروع ورد التالي: «تُشكل لجنة لحل الخلافات حول الملكية وحقوق المالكين في المنطقة بعد تنفيذها، بحيث يستحق أصحاب العقارات غير المبنية بدلاً نقدياً مقابل قيمة عقاراتهم، وفق أسعار تحددها لجنة تقدير قيمة العقارات، ويقع على عاتق المطور العقار ولحين تنفيذ المنطقة وتسليمها للوحدة الإدارية تأمين مسكن بديل مؤقت، أو دفع بدل إيجار سنوي يعادل 5 بالمئة من قيمة العقارات المقدرة من لجنة تقدير قيمة العقارات، بناء على نتائج المسح الاجتماعي ولجنة حل الخلافات».
تسهيلات وإعفاءات
من الإعفاءات القديمة الجديدة لشركات التطوير العقاري بحسب بعض مواد المشروع: «التسهيلات والمزايا في استيراد احتياجات المشروع من آلات وآليات وأجهزة وتجهيزات ومعدات وسيارات لتنفيذ المشاريع ومواد البناء والأرباح والمعدلات الضريبية المخفضة».. «إعفاء من رسم الطابع وفتح حساب بالنقد الأجنبي لدى المصارف العاملة في سورية لتمويل المشاريع وتحويل النقد وتحويل قيمة حصة المطور العقاري الصافية من النقد الأجنبي من المشروع بعملة قابلة للتحويل إلى الخارج على أساس القيمة الفعلية للمشروع، ووفق التعليمات التنفيذية الناظمة لعمليات القطع الأجنبي من مصرف سورية المركزي، والسماح بتحويل الأرباح سنوياً إلى الخارج للمستثمر الخارجي».
يضاف إلى ذلك طبعاً ما تتمتع به شركات التطوير العقاري من مزايا وتسهيلات إضافية وفقاً لبعض مواد القوانين النافذة الأخرى.
التعليمات التنفيذية والحقوق المغيبة
ربما تجدر الإشارة إلى أن مشروع القانون الجديد سيتبعه تعليمات تنفيذية بعد صدوره، ولنا أن نتوقع سلفاً كيف ستكون عليها حال هذه التعليمات، بجوهرها ولمصلحة من ستؤول بالنتيجة، سواء وفقاً لمضمون مواد القانون المنحازة لمصلحة المطورين العقاريين سلفاً، أو بما يتوافق مع نمط المحاباة لأصحاب الأرباح تماشياً مع السياسات الليبرالية المطبقة.
وبغض النظر عن كل الملاحظات على المشروع الجديد، ربما يمكن القول: إن مصيره لن يكون على المستوى التنفيذي بأفضل من سابقه، إلّا بحال الوصول للحلول السياسية التي تُخرج سورية من أزمتها العميقة.
فجوهر المشكلة في عدم تفعيل القانون المعمول به حالياً، ليست محصورة بنصوص مواده أو بتعليماته التنفيذية، برغم انحيازهما لمصلحة المطورين العقاريين على اختلاف جنسيتهم، بقدر ارتباطها بالواقع السياسي والاقتصادي الاجتماعي العام في البلاد، في ظل استمرار الأزمة الوطنية دون حل جذري وعميق حتى الآن، وعندها سيكون لأصحاب الحقوق المغيبة حديث آخر!
قانون البيوع العقارية ومصالح الحيتان
ليس بعيداً عن الحديث عن قانون التطوير العقاري ومشاريعه الخلبية، والحديث عن مناطق السكن العشوائي بموجبه، يأتي مشروع قانون البيوع العقارية الجديد، بجوهره المحابي لمصالح حيتان الاستثمار والمضاربة بالأراضي والعقارات أيضاً، ليزيد الطين بلة على المسحوقين من الراغبين في امتلاك شقة سكنية.
فبذريعة حقوق الخزينة والحفاظ عليها، جرت مناورة ضريبية بين تجار العقارات وسماسرتها، وبين بقية المواطنين الراغبين في امتلاك سكنهم الصحي والنظامي، على حساب الأخيرين طبعاً.
فبموجب القانون الجديد تم الإلزام بوضع القيمة الرائجة للعقار كأساس لفرض الضريبة ورسوم التسجيل العقاري، وفقاً لنسب تم تحديدها بموجب القانون، وذلك من قبل لجان تشكل لهذه الغاية، وهذا طبعاً لا غبار عليه بصيغته العامة، بعيداً عن النسب الكبيرة الموضوعة بمتنه، لكن بالواقع العملي فإن هذه الضريبة ستكون من جيوب المواطنين تحصيلاً لمصلحة الخزينة، وليس من جيوب كبار تجار العقارات وسماسرتها.
فالحديث عن العدالة الضريبية هنا ليس أكثر من ذر للرماد في العيون، بل وبحسب بعض القانونيين فقد أصبحت الخزينة شريكة المالك في ملكه بذريعة الضريبة والعدالة الضريبية بموجب مشروع القانون الجديد المزمع إحالته الى مجلس الشعب لإقراره.
ولنا وقفة لاحقة حول القانون وتفصيلات مواده، وتداعياته ونتائجه السلبية المتوقعة، مادياً واجتماعياً وقانونياً.
مشروع قانون الاستثمار رهان خاسر أيضاً
على هامش الحديث عن مشروع قانون التطوير العقاري، ربما لا بد من الإشارة إلى مشروع قانون الاستثمار الجديد أيضاً، وما يرشح حوله من أحاديث تتناول حيثيات مواده، بجوهرها المحابي طبعاً لمصالح أصحاب الأرباح توافقاً مع السياسات الليبرالية المطبقة.
فالمشروع الجديد لا جيد به إلّا المزيد من المزايا والتسهيلات والإعفاءات التي سيتمتع بها المستثمر، محلياً أو عربياً أو أجنبياً، بالإضافة طبعاً إلى كل المزايا التي يتمتع بها بموجب القانون السابق، أو غيره من القوانين النافذة، على حساب المصلحة الوطنية طبعاً.
ودون الخوض في تفاصيل مواد المشروع الجديد وحيثياتها، والملاحظات الكثيرة والكبيرة والعميقة التي يمكن إيرادها بشأنها، فإن المصير المحتوم لمشروع القانون الجديد لن يكون بأفضل حالاً من غيره من القوانين الشبيهة النافذة، أو مشاريع تعديلها المزمعة.
فالرهان على استقطاب الاستثمارات الكبيرة، وخاصة المشاريع الاستثمارية ذات الصبغة الإنتاجية طويلة الأمد والهامة وطنياً، في ظل استمرار الأزمة الوطنية، هو رهان خاسر، مهما قُدم لها من مزايا وإعفاءات وتسهيلات، اللهم باستثناء المشاريع الهامشية، محدودة الفترة الزمنية، وغير الإنتاجية، وذات الربح السريع المضمون، وهو قائم من الناحية العملية بموجب قوانين الاستثمار النافذة بتعددها، مع تسجيل تراجعها وانكفائها أيضاً.
وبكل اختصار يمكن القول أيضاً: إنه بدون الوصول للاستقرار المطلوب على أرضية الحل السياسي الشامل والناجز، فلا استثمارات جدية، ولا من يحزنون!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1003