الخلط المتعمد بين الأجر  ومتمماته ومستوى المعيشة
عادل ابراهيم عادل ابراهيم

الخلط المتعمد بين الأجر ومتمماته ومستوى المعيشة

نُقل عن معاون وزير المالية خلال الأسبوع الماضي، أن «الوزارة تتبع أساليب جديدة لتحسين مستوى المعيشة عن طريق الحوافز والتحفيز»، وذلك إثر إعلان طرح الفئة النقدية الجديدة 5000 ليرة في التداول، وأثرها على القدرة الشرائية للمواطن.

لن نخوض بالحديث هنا عن الفئة النقدية الجديدة وآثارها ونتائجها، لكننا سنقف عند الخلط الرسمي المتعمد بين مفهوم الأجر كحق مصان لأصحاب الأجور، والذي من المفترض أن يغطي تكاليف المعيشة لأسرة العامل، مع بقية الحقوق النقدية والعينية للعاملين وأصحاب الأجور، التي جرى انتزاعها تباعاً من خلال نضالات الطبقة العاملة عبر العقود الماضية، والتي درج على استخدام مصطلح «متممات الأجر» عليها، الذي جرى تبنيه وتعميمه رسمياً خلال السنين الماضية، للالتفاف عليها وعلى مفهوم الأجر نفسه.

توجه حكومي

التوجه الحكومي بالتركيز على متممات الأجر، بعيداً عن التركيز على إعادة النظر بالأجر نفسه، ليس جديداً، بل سبق أن تكرر عدة مرات وخاصة خلال السنوات القليلة الماضية، سواء عبر التصريحات أو عبر التوجيهات، وذلك للهروب من استحقاق إعادة النظر بالأجور بما يتناسب مع متطلبات المعيشة، وبما يحفظ للعاملين بأجر مع أفراد أسرهم العيش الكريم.
ففي جلسة الحكومة بتاريخ 12/7/2020، ورد على الموقع الرسمي للحكومة كتغطية لمجرياتها التالي: «وافق المجلس على رصد الاعتمادات اللازمة في موازنة العام القادم لتحسين متممات الرواتب وزيادة قيمة الوجبة الغذائية للعمال ومراجعة أنظمة الحوافز وتفعيلها مع إطلاق نظام مكافآت يستهدف العمال الأكثر إنتاجية».

حقوق مهضومة سلفاً

لن نتوه في تفاصيل متممات الأجر، كحقوق من المفترض أنها مصانة للعاملين، ولا بالتعاريف الخاصة بكل منها وبحيثياتها وموجباتها، مثل: عبارة «الحوافز والتحفيز» المدمجة التي وردت على لسان معاون وزير المالية أعلاه، في سياق الحديث عن تحسين مستوى المعيشة.
فبعضها يرتبط بجهد العاملين وبالعملية الإنتاجية كالحوافز، وبعضها ذو طابع إداري تشجيعي، مثل: المكافآت، وبعضها مرتبط بنوعية العمل ومشاقه، مثل: طبيعة العمل، وبعضها مرتبط بالسلامة المهنية، مثل: الوجبة الوقائية واللباس العمالي، وبعضها مرتبط بصحة العامل نفسه، مثل: الطبابة والعلاج، والتي يظهر أنها جميعاً، بمختلف مسمياتها، أقل مما يجب أن تكون عليه كقيمة نقدية تعبر عن الحقوق، خاصة وأن غالبيتها مرتبطة بنسبة من الأجر المقطوع غير الكافي أصلاً، وبعضها مسقوف بمبلغ نقدي تحكمه الموازنات والتعليمات النافذة، أي: إن هذه الحقوق أصبحت مهضومة سلفاً، ويتم تقزيمها يوماً بعد آخر!.

المتممات والتعليمات النافذة

مشكلة الخلط المتعمد، بين الأجور ومتمماتها، أصبحت بنتائجها أعمق وأكثر كارثية على العاملين وأصحاب الأجور، وذلك بعد أن دخلت الأجور في الثلاجة الحكومية، فهي لا تتناسب ولا تغطي متطلبات المعيشة وتكاليفها لا من قريب ولا من بعيد، وكل الحديث الرسمي أصبح يدور حول بقية حقوق أصحاب الأجور العينية والنقدية كمتمات للأجر (تعويضات- حوافز- مكافآت- وجبة وقائية- لباس عمالي- طبابة...)، بل وأصبحت هذه المتممات هي السبيل المتاح لتحسين المستوى المعيشي بحسب التوجهات الحكومية، وهو ما يتم التأكيد عليه بشكل رسمي، بما في ذلك التصريح الأخير أعلاه.
والنتيجة، ألّا توجه بزيادة على الأجور، علماً أنها بالواقع العملي لا تغطي تكاليف المعيشة، ولا حتى بحدودها الدنيا، بالمقابل، فإن بقية الحقوق، كمتممات للأجر، مرتبطة عملياً بالاعتمادات المخصصة لها في موازنات الجهات العامة، وبموافقة وزارة المالية، بعد التعديلات اللازمة على ما يخصها من قوانين وتعليمات نافذة!
وبأحسن الأحوال، فإن متممات الأجر، بمختلف مسمياتها، بالكاد تصل بمجموعها لحدود 100% من الأجر المقطوع الحالي، أي: ما يعادل وسطياً 60 ألف ليرة شهرياً، ولا يتقاضاها بهذه النسبة من الناحية العملية إلّا جزء بسيط من أصحاب الأجور في الجهات الحكومية، وليس جميعهم.

ماذا عن بقية المواطنين؟

الطامة الكبرى بهذا الصدد هي الحديث العام عن تحسين المستوى المعيشي للمواطنين ربطاً مع الحديث عن متممات الأجر، أي، إن الإجراءات الحكومية بهذا المجال، ومهما بلغت كقيمة نقدية كما سلف، ستطال جزءاً من العاملين في الدولة فقط، في الوقت الذي يعاني فيه كافة المواطنين من تردٍّ وتراجع مستوى المعيشة، سواء كانوا عاملين في الدولة، أو في بقية القطاعات الإنتاجية والخدمية الخاصة، أو المتقاعدين من أصحاب الأجور «حاف» بلا متممات، والأهم، شريحة المتعطلين عن العمل والمهمشين، وهؤلاء جميعاً على ما يبدو أن الحكومة غير معنية بهم!.
فعن أي تحسين لمستوى المعيشة يجري الحديث هنا؟!
وإلى متى سيستمر الخلط بين الأجر ومتمماته ومستوى المعيشة بهذا الشكل الفاقع والفج؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
1003
آخر تعديل على الإثنين, 01 شباط/فبراير 2021 14:30