في الحسكة أزمة الخبز حياتية وليست خدمية

في الحسكة أزمة الخبز حياتية وليست خدمية

تطفو على السطح أزمات ومشاكل عديدة تنغص عيش السوريين (اقتصادية- معيشية- خدمية- اجتماعية إلخ..) ليبقى حل كل هذه الأزمات جزئياً ومؤقتا،ً دون السعي الجدي إلى إيجاد حلول نهائية ودائمة لها، ما يثير الشك حول وجود أيادٍ خفية وراء افتعال بعض الأزمات لتستفيد منها، وتعتبر مشكلة الخبز من المشاكل المستعصية عن الحل حتى تاريخه.

ربما لم تستثنَ أية محافظة أو مدينة أو قرية سورية من هذه المشكلة، التي قد يكون تأثيرها متفاوتاً بين مكان وآخر، ولكن بالمجمل فإنها قائمة ومستمرة بالتوازي مع الأوضاع المعيشية التي تزداد سوءاً يوماً بعد آخر على كامل الجغرافية السورية.

توثيق المأساة

انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مؤخراً فيديو لرجل مسن وهو ينادي من أمام باب أحد الأفران في مدينة القامشلي قائلاً: «لثلاث مرات آتي إلى هنا، أحاول الحصول على ربطة خبز دون جدوى، ماذا يريدون منا؟ القمح قمحنا، والبلاد بلادنا، هل يريدون أن نموت من الجوع؟ لن نترك القامشلي، وسنبقى هنا غصباً عمّن يرضى أو لا يرضى». 

لعل ما ورد على لسان هذا المسن في الفيديو المذكور كان خير ملخصٍ للواقع المرير الذي يعيشه أبناء المحافظة، بل والبلد عموماً، في ظل استمرار أزمة الخبز. 

من جورة إلى أخرى

تعد محافظة الحسكة خزاناً لمختلف أنواع الثروات السورية، الباطنية منها والسطحية، مثل: القمح والقطن والنفط والغاز وغيرها، ولكن هذا الغنى في الثروات لم يكن سوى فرص نهب لهذه الخيرات لمصلحة كبار أصحاب الأرباح والفاسدين، من ذوي البطون المنتفخة، وواقع جحيم على حساب الغالبية من أصحاب الأجور، ذوي البطون الخاوية. 

ففي محافظة الحسكة لا تكاد تنتهي أزمة- ولو بشكل جزئي- حتى تبدأ أزمة أخرى كانت قد (حُلت) سابقاً، لتعود وتظهر بصورة أقسى، بفضل الحلول المؤقتة التي يتم اعتمادها. ولعل أحد أهم هذه الأزمات، هي أزمة الخبز، القديمة- الجديدة، التي يعاني منها سكان المحافظة.

ففي نهاية عام 2019 شهدت مدن محافظة الحسكة رغيفاً أسودَ هشاً لا يصلح للاستهلاك الآدمي، وقد عزا بعض المسؤولين في تلك الأثناء رداءة الرغيف إلى نقص كمية الخميرة التي تصل إلى المحافظة، وغيرها من الحجج الواهية. 

بعد مضي فترة على هذا المنوال، تم إيجاد حلٍّ لهذه المعضلة، ولكن كما أسلفنا، لا يمكن تصنيف هذه الحلول إلّا كحلول جزئية ومؤقتة، فقد عادت مشكلة الخبز إلى الواجهة من جديد مضافاً إليها عوامل قاسية أخرى.

فبعد التحسن النسبي لجودة الرغيف (ونقول: نسبي لأنه لا يزال رديئاً في الكثير من مناطق المحافظة)، بعد هذا التحسن باتت تظهر أشكال أخرى للمعاناة تتجلى في نقص كمية الخبز، وسوء التوزيع، وصعوبة في تأمينهِ، وغيرها من المشاكل.

بطولة تأمين الخبز

في الموجة الأولى من أزمة الخبز التي تحدثنا عنها حيث (رداءة الجودة) كان البعض (من غير المفقرين طبعاً) يستطيع أن يؤمن حاجته من البدائل إلى حد ما، مثل: خبز التنور والخبز السياحي وغيرها من البدائل التي أشرنا إليها سابقاً بمادة بعنوان «في الدرباسية الخبز الحكومي سيّئ»، التي كانت مخصصة للحديث عن واقع الخبز في المدينة. 

أما الآن، ومع ظهور الموجة الجديدة من الأزمة، لا يمكننا الحديث عن البدائل التي كنا قد تحثنا عنها سابقاً، حيث إن هذه الموجة ترافقت مع زيادة أسعار البدائل المتاحة إلى الضعف كحد أدنى.

فعلى سبيل المثال لا الحصر: ربطة الخبز السياحي التي تحتوي على ستة أرغفة كان سعرها في ذلك الوقت 200 ل.س، أما الآن فقد بلغ سعرها 500 ل.س، مع تصغير حجم الرغيف، أي: مزيد من النقص في وزنها، أضف إلى ذلك مطالبة الأفران السياحية برفع سعر الربطة إلى 800 ل.س. 

ونظراً لنقص كمية الخبز في بعض الأفران تمتد الطوابير أمامها لأمتار عدة، قد يستغرق الشخص عدة ساعات للحصول على كيسين (كل كيس يحتوي على ربطتين)، وقد وصل الحال بالبعض إلى الصياح والرقص فرحاً بعد حصوله على خبزه، كما بات الناس يشعرون بإنجاز عظيم عند حصولهم على رغيفهم.

ويعود سبب امتداد الطوابير هذا في أحد أسبابه إلى ارتفاع أسعار البدائل كما ذكرنا، فمن كان قادراً في السابق على تأمين تلك البدائل هرباً من الازدحام والطوابير، بات الآن غير قادر على فعل ذلك في ظل تدهور الواقع الاقتصادي والمعيشي، ما اضطره إلى العودة إلى الخبز الحكومي، وهذا بدوره زاد من الازدحام على الطوابير. 

وفي ظل كل الأزمات المعيشية، لا يزال المواطن الحسكاوي ينتظر حلولاً جدية وجذرية لمشكلة الخبز، بعد أن أرهقته ساعات الانتظار الطويل على الطوابير، وبعد أن أثقلت البدائل باهظة الثمن كاهله، وهذه المشكلة ليست خدمية فقط، كما يرغب البعض في تسويقها، بل حياتية، ومن الواجب حلها بشكل نهائي بعيداً عن أيدي النهب والفساد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1002