بعد الحرائق... هل سيثبت المزارعون في أراضيهم؟!

بعد الحرائق... هل سيثبت المزارعون في أراضيهم؟!

انتهت ضجة الحرائق، واختتم الإعلان عن سلسلة الإجراءات الموعودة للتعويض والدعم... وبقيت أكثر من 28 ألف أسرة متضررة مباشرة أمام الأراضي المحروقة، بعد أن خسروا الدخل الزراعي المرتقب من موسم الزيتون أو الليمون، أو من ماشية يربونها أو من خلايا النحل أو من أراضي مزروعة بالتبغ أو الخضار... بعضهم الآخر تضرر منزله بالكامل، وبعضهم خسر الكثير من أثاث المنزل، ومجمل القرى المتضررة تدهورت خدماتها العامة بعد أن طالت الحرائق شبكات مياه ومحولات كهرباء وغيرها.

إن وقائع مثل هذه تحتاج إلى إغاثة مباشرة، وهي تعني خسارة طويلة الأجل في الدخل الزراعي المرتقب من المحاصيل والمنتجات المحروقة. وهذه الأسر المتضررة التي يقدر عدد سكانها بحوالي 140 ألف مزارع بحاجة لحلول عاجلة إسعافية، حتى تستطيع الحلول متوسطة وطويلة الأجل أن تجدي نفعاً... ودون ذلك فإن تغيرات كبرى ستطال البنية الاجتماعية لهذه القرى والإنتاج الزراعي فيها.

تعتبر أراضي المناطق الساحلية الزراعية فقيرة من حيث الدخل الزراعي، وذلك نتيجة متوسط المساحة المنخفض والحيازات الصغيرة التي لا تتعدى في القرى الجبلية 5 دونم، حيث يعتبر من تقاس أرضه بالهكتار (10 دونم وما فوق) من أصحاب الأراضي الواسعة! وكلما قلت المساحة كلما قلت المرونة والقدرة على التكيف مع ظروف طارئة وكوارث من هذا النوع وخسارات مباشرة في الدخل الزراعي.

وفي تلك المنطقة غالباً ما يتنازع الدخل العقاري مع الدخل الزراعي، حيث ترتفع أسعار الأراضي بالقياس إلى دخلها الزراعي القليل، وتجوب رؤوس الأموال بعض المناطق الريفية باحثة عن الساعين إلى بيع أراضيهم... وسيؤدي عدم القدرة على تعويض المزارعين مباشرة وتثبيتهم في قراهم إلى تغيرات كبرى في الملكية وفي طبيعة الإنتاج الزراعي ويرفع من النزعة العقارية المضاربية في تلك المناطق.

وكلما كانت إجراءات الحكومة في التعويض أقل فعالية، كلما أصبح هذا الاحتمال أكثر واقعية... بل ربما يتدخل أمثال هؤلاء المضاربين العقاريين في سير إجراءات التعويض ليدفعوا المزارعين إلى اليأس وبيع أراضيهم والزحف نحو أحياء المدينة الفقيرة أو ضواحيها.

الخطة الحكومية للتعويض أتت بعناوين متعددة الجوانب، وقد عهدنا أن يتحول تطبيق القرارات الحكومية إلى عملية مضنية من البيروقراطية والتمييز والأولويات والاختصار بحيث يصل للمستهدفين: «من الجمل.. إدنه».

الحكومة في بيانها للتعويض أشارت إلى أنها ستعطي المتضررين 50% من قيمة الموسم الحالي المتضرر، والباقي سيتم توزيعه على عامين قادمين، أي الضرر المباشر في مصادر الدخل لن يُرفع كاملاً وفي الوقت الحالي... كما أشارت إلى أنها ستكون مسؤولة عن تأهيل الأراضي، وعن ترميم المنازل.

أما الإجراءات المتعلقة باستعادة الاستثمار الزراعي فسيكون عبر القروض، فمن خسر ماشية سيحصل على تخفيض بقيمتها بمقدار النصف، كما سيحصل المزارعين على شتول مجاناً، وعلى قروض دون فوائد، وإعفاء ليس من قروضهم السابقة بل فقط من فوائدها وغرامات تأخيرها.

إنّ تراجع الدخل الزراعي هو واحدة من أهم أسباب التغيرات الديمغرافية في سورية، ومن أهم أسباب تراجع الإنتاج الزراعي... فالمعارك قد أبعدت ملايين أبناء الريف السوري عن قراهم ودفعتهم للنزوح الداخلي أو اللجوء للخارج، ووتيرة العودة لا تزال قليلة بينما الكثير من الأراضي الزراعية متروكة، أو تغيرت طبيعة استثمارها أو يتم استثمارها من قبل جهات ومليشيات وغيرها، بينما يعيش ملاكها الأصليون بالأجار وفي فقر حال... هذه المرّة الحرائق وليس المعارك هي السبب، فهل سيكون لأهالي المناطق الجبلية مصير غيرهم من المزارعين السوريين ويضطروا مع إجراءات تعويض ودعم قليلة أن يتركوا هذه الأراضي ونمط إنتاجهم الزراعي للمستثمرين العقاريين الجدد؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
000