المواصلات في حلب.. مواطن دبر راسك..
تتفاقم أزمة المواصلات في حلب، مثلها كمثل العديد من المحافظات السورية اليوم، بسبب أزمة المشتقات النفطية عموماً، وبالتفصيل: بسبب أزمة البنزين بداية، وارتفاع سعره تالياً، وبسبب أزمة المازوت وذريعته الحالية.
فقد ارتفعت وتائر أزمة المواصلات في الفترات الأخيرة، وأدت إلى زيادة حجم التجمعات المنتظرة لوسائط النقل لساعات طويلة في كل موقف، بعد أن كانت مقتصرة على نقاط وخطوط سير معينة فقط.
الطلاب والموظفون «إلهن الله»!
لم تكن أزمة المواصلات وليدة اليوم، أو متعلقة بزمان ومكان معين، فهي مزمنة، وتتفاقم مع الافتتاح المدرسي كل عام، حيث تكون العديد من السرافيس في خدمة المدارس الخاصة صباحاً وظهراً، أو متعاقدة مع بعض المعامل الخاصة، لتأتي بعض الأسباب والذرائع لتزيد الأزمة وتفاقمها، وهذا ما يؤدي إلى تأخر الموظفين وطلاب المدارس عن دوامهم، كمتضررين مباشرين لكل ذلك بالمرتبة الأولى، ولعل الازدحام على سرافيس حلب الجديدة، بخطيها شمالي وجنوبي، والحمدانية و.. مثال فاقع على ذلك.
يحكي «رامي» لقاسيون قصة تأخره اليومي عن الحصة الأولى في مدرسته بسبب الازدحام الشديد على خط صلاح الدين، وهو حال «هبة» طالبة الأدب العربي، فعلى حد قولها كانت تجد صعوبة في وجود مكان في وسيلة النقل، وإن كان وقوفاً للوصول إلى الامتحان في الوقت المحدد، الذي يترافق مع وقت الذروة، مما اضطرها هي وبعض زميلاتها لاستقلال تكسي متقاسمات الأجر كي يكون عبء المبلغ أقل وطأة عليهن، ففي المرة الأولى طلب التكسي 1000 ل.س، وفي اليوم التالي بعد أن تكررت المعاناة ذاتها لجأن للأمر ذاته مع فروق أكبر في الأجور لتصل إلى 2500 ل.س، استغلالاً للحاجة الضرورية للوصول بسرعة إلى الامتحان، دون أدنى مراعاة لأوضاعهن كطالبات.
أما «رهام»، طالبة حقوق مفتوح، تقول: «من سوء حظي أنو توقيت امتحاني الساعة الثامنة صباحاً، ونظراً لسوء المواصلات فأنا كنت مضطرة مع كل مادة أن أعمل سباقاً مع الوقت، وأركض مشان أصل ع المادة، وألحق قدم قبل ما يخلص موعد الدخول لقاعة الامتحان».
أما «أحمد» فيقول: «الوضع سيء عموماً، فكيف إذا كنت من سكان بستان القصر أو الكلاسة، وكل ساعة ليعدي باص، وإذا بدك تاخد سرفيس بدك مشوار للفيض أو لجسر الحج، وفوقها نص ساعة أو أكتر لتلاقي مواصلات، وهيك...
يقول «يزن» طالب كيمياء من سكان الحمدانية: «بسبب الوضع السيئ للمواصلات عم تزيد نسب التأخير ع المحاضرات، ومع هيك الدكتور ما عندو استعداد يستقبل الطالب، ولو بعد خمس دقايق، حيث يرد على أسباب التأخير بقوله «طلاع بكير مشان ما تتأخر»، وهي معاناة كل الطلاب اللي عندن عملي الصبح.
وكذلك هي حال الموظفين المتأخرين عن أعمالهم صباحاً، حيث يضطر هؤلاء أيضاً للاستعانة بالتكاسي، أو إلى استخدام إجازاتهم الساعية لتغطية التأخر الصباحي، بل وحتى الإجازات الإدارية في بعض الأحيان.
الكورونا في وادٍ والإجراءات الاحترازية في وادٍ آخر..
عممت الحكومة الإجراءات الاحترازية من وباء الكورونا، وخاصة تلك المتعلقة بالازدحام نظرياً، لكنها لم تقم بما عليها بهذا الجانب عملياً على مستوى الازدحام على خطوط النقل، بسبب أزمة المواصلات، بتغاضيها عن إيجاد الحلول المناسبة لها.
فقد أصبحت أماكن خطوط النقل المزدحمة مرتعاً خصباً لتفشي الجائحة، سواء في الشوارع أمام المواقف، أو في مراكز الانطلاق، والأهم: داخل وسائط النقل نفسها، السرافيس والباصات التي تقل أكثر من العدد المسموح به، والأخطر في هذا المجال هو: زيادة الازدحام عند بدء الموسم المدرسي، وخاصة خلال ساعات الذروة صباحاً وظهراً، حيث تجمعات الطلاب وكثافتها.
فمنطقة باب الجنين مثلاً، والتي تشكل نقطة انطلاق لمعظم خطوط المواصلات، كانت قد أغلقت الطريق أمام باقي مواقف المواصلات من شدة الازدحام فيها، وسرافيس الحمدانية مثال حي، لا عن قلة المواصلات فقط، بل عن عدد الركاب الذي يفوق الحد الطبيعي، حيث يوجد على الخط باص لشركة خاصة، وسرفيسان 14 راكباً، وأخرى تستوعب 24 راكباً، أما في واقع الأمر فهي تنقل ما يقارب الـ 70 راكباً بين متعلقين بالنوافذ وآخرين على الباب، وهي 10 سرافيس كبار.. وبعض وسائط النقل كانت تحول سيرها لخطوط أخرى، مثل: باصات النقل الداخلي لشارع النيل التي بتنا نراها تخدم نقطة الدائري الشمالي.
من جيوب المعترين لجيوب المستغَلين
لم تقتصر أزمة المواصلات على أزمة البنزين والمازوت وقلة وسائل النقل وانحرافها عن الخط الرئيسي، بل تفاقمت لتصل إلى اختصار السرفيس خط السير المخصص له، وعدم إكماله الطريق بدون أية مبررات سوى الاستغلال، وقد كانت الشكاوى في المرتبة الأولى على خط صلاح الدين، الذي بات خط سيره مختصراً حتى دوار الصخرة، وكأقصى حد ساحة الجامعة، علماً أن نهاية الخط هي باب الجنين، وهي حال العديد من الخطوط الأخرى!، أما مساكن هنانو فتشكو من انعدام المواصلات واختصار خطوط النقل، حيث معظم السرافيس اختصرت الطريق حتى دوار الصاخور.
بالإضافة إلى توقف غالبية خطوط النقل في أوقات مبكرة بين الـ 8 وال 10 مساءً، ويعاني حي الأشرفية من رداءة مواصلات النقل الداخلي وشحاً في السرافيس، وحال الازدحام لا يقل وطأة عن باقي مناطق المحافظة.
يضاف إلى ذلك وجود تكاسي تقع تحت مسمى (سرفيس تكسي خط الميدان) والتي تقل بمعدل الـ 5 أشخاص بسعر الـ 400 ليرة بعد أن كانت 100ليرة بحجة ارتفاع سعر البنزين.
مع حرمان طريق الكراج من وسائل النقل، الداخلي والخاص، باستثناء التكاسي فقط، غير محدودة الأجر استغلالاً وتحكماً.
«الفراطة» في مهب الشفط
الاستغلال لم يقف عند حدود التهرب من خطوط السير، أو الاضطرار لاستخدام التكاسي مع تسعيرتها المرتفعة، فمنذ أن أصبحت تعرفة المواصلات 75 ليرة بات المواطن يدفع 100 ليرة دون أن ينتظر الباقي، وكأنه على علم مسبق بأن ارتفاع التعرفة بهذا الشكل ما هو إلا باب جديد للنهب، فسابقاً ووفقاً للتعرفة القديمة كان يتعامل السائق وكأن الـ 10 ليرات حق مكتسب له فوق التعرفة الرسمية بحجة (ما في فراطة) والحجة كانت ولا زالت وستستمر ذاتها، لكن بمعدلات شفط أعلى مع كل متغير بالتعرفة، والشكوى لغير الله مذلة بهذا الشأن.
غياب غير مبرر للجهات الرسمية
كل ما سبق، يجري على علم ودراية الجهات المعنية والمسؤولة عن المواصلات والنقل في المدينة، اعتباراً من المحافظة، مروراً بشرطة المرور، وليس انتهاءً بمن يسمون مشرفي الخطوط، والأهم: شركة النقل الداخلي.
حيث يسجل الغياب غير المشروع على مستوى الرقابة على خطوط السير المحددة، وعلى مستوى تقاضي أسعار مرتفعة استغلالاً لحاجة المواطنين، بما في ذلك التكاسي، أو تلك التي تعمل كتكسي سرفيس.
أما الأهم فهو: الرقابة على وسائط النقل المرخصة التي تتهرب من العمل الفعلي على خطوط المواصلات المسجلة فيها، سواء تلك المتعاقدة مع بعض المعامل أو المتعاقدة مع المدارس، أو التي تستخدم المحروقات المخصصة لها لغير غايتها، وخاصة المازوت خلال الموسم الشتوي، فبحسب بعض المواطنين فإن بعض أصحاب السرافيس يتوقفون عن العمل مطلع كل شتاء من أجل بيع مخصصاتهم من المازوت في السوق السوداء للتدفئة.
في المقابل، يقول بعض المواطنين: إن كان من المتعذر على شركة النقل الداخلي أن تغطي جميع خطوط النقل بالعدد الكافي من الباصات، فالحد الأدنى أن تغطيها وفقاً لعدد سفرات محدودة على كل خط منها، وخاصة خلال ساعات الذروة.
برسم المعنيين في محافظة حلب
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 989