عالقٌ على الحدود.. مأساةٌ برعاية حكومية
عادل إبراهيم عادل إبراهيم

عالقٌ على الحدود.. مأساةٌ برعاية حكومية

تزايدت الأحاديث، وارتفعت وتيرة التذمر والاعتراض، على القرار الحكومي الذي فرض على السوريين الراغبين بالدخول إلى وطنهم بتسديد مبلغ 100 دولار، أو ما يعادلها من الليرات السورية، وذلك على ضوء استمرار مشكلة بعض السوريين «العالقين» على الحدود السورية اللبنانية دون حل.

الجديد في الأمر، هو ما تم نقله عبر أحد أعضاء مجلس الشعب عن إلغاء القرار الحكومي أعلاه، والذي جرى نفيه، خلال مدة وجيزة جداً، عبر وزير المالية بأنه «لم يصدر أي قرار بهذا الشأن حتى الآن»، وكأن هناك إصراراً على استمرار مأساة البعض على الحدود!.

تصريح بمثابة الشرارة

تزايدت وتيرة التذمر أتت بعد أن اعترف مدير إدارة الهجرة والجوازات، في لقاء مصور عبر إذاعة نينار جرى تداوله بكثافة عبر مواقع التواصل، بوجود سوريين «عالقين» على الحدود السورية اللبنانية بسبب عدم امتلاكهم 100 دولار أو ما يعادلها من الليرات السورية، كي يسمح لهم بالدخول إلى وطنهم سورية، وذلك تنفيذاً لقرارات الحكومة بهذا الشأن.
فلبنان لا يسمح لهؤلاء بالعودة إلى أراضيه، ووطنهم يرفض استقبالهم دون تسديد المبلغ المطلوب، والحل بحسب مدير إدارة الهجرة والجوازات هو استمرار انتظار هؤلاء إلى حين وصول المبلغ إليهم من أقاربهم أو أصدقائهم!.
أما لماذا وكيف ومن أين وإلى متى؟ فهذا ما لا يعني الحكومة لا من قريب ولا من بعيد! وجل ما يعنيها هو اعتصار جيوب المواطنين، ولو أصبحوا «عالقين» على حدود وطنهم، ممنوعين من دخوله.

أعباء مالية كبيرة وإتاوات

موضوع تأمين الدولار في لبنان يعتبر مشكلة كبيرة وهي معروفة طبعاً للقاصي والداني، وفي حال توفره فهو بسعر السوق السوداء هناك، وعند تصريفه على الحدود السورية للدخول يصرف بالسعر الرسمي طبعاً، والعملية برمتها ليست أكثر من مقص يقتطع من خلاله جزء كبير من المبلغ على حساب السوريين ومن جيوبهم بالنتيجة.
المشكلة على هذا المستوى ليست بالنسبة للأفراد فقط، بل ربما هي مشكلة أكبر بالنسبة للأسر المقيمة في لبنان أصلاً، أي ليس بحوزتها دولارات، والتي ترغب في العودة إلى سورية، وما تشكله المبالغ المطلوبة للصرف والتسديد وإعادة الصرف من أعباء كبيرة تعجز عن حملها.
فأسرة مكونة من خمسة أفراد تتطلب الحصول على 500 دولار من السوق السوداء اللبنانية، وما يليها من عمليات إعادة صرف لليرة السورية، ولعل بعض هذه الأسر الكبيرة عدداً، هي من العالقين على الحدود بأفرادها.
أما الطامة الكبرى فهي ما يتم فرضه من إتاوات إضافية، صغيرة وكبيرة، حسب الحال، تحكماً وفساداً من قبل البعض المتنفذ، لاستكمال إجراءات الدخول إلى سورية، فبحسب بعض القادمين فإن التكاليف الاجمالية الإضافية غير الرسمية قد تصل إلى أكثر من 15 ألف ليرة سورية على كل فرد.. وهكذا..

نفيٌ مستجد

جديد آخر صدر عن مدير إدارة الهجرة والجوازات، وتداولته وسائل الإعلام مؤخراً.
فقد «نفى مدير إدارة الهجرة والجوازات وجود أي عائق على الحدود حول تصريف الـ 100 ‏دولار بالنسبة للسوريين القادمين إلى سورية، وواجهتنا بعض ‏المشاكل البسيطة بالنسبة لعدم حاملي هذا المبلغ تم حلها ‏بالتواصل مع الجهات المختصة».
مرة أخرى يدخلنا التصريح أعلاه بمتاهة تفسيرات وتأويلات جديدة، فالنفي لم يتطرق للقرار لا من قريب ولا من بعيد، بل لدور الهجرة والجوازات كجهة تنفيذية له، أما الحل بالنسبة لها فقد كان عبر «التواصل مع الجهات المختصة»، التي لم ترشح أية تفصيلات لا عنها ولا عن آليات الحل التي تم التوصل لها من خلالها، ولا عن مصير العالقين على الحدود بنتيجة ذلك!.
ولعل عبارة «الجهات المختصة» لوحدها لها مالها من حيثيات في أذهان السوريين، ارتباطاً بالتصريح السابق!.

تساؤلات مشروعة

هل يحق لنا، كما لغيرنا، وخاصة هؤلاء العالقين، من إعادة الاستفسار عن دستورية ومشروعية وقانونية مثل هذا القرار الحكومي، المجحف والظالم، الذي يمنع السوري من الدخول إلى وطنه؟.
وبغض النظر عن الجانب الحقوقي والقانوني، هل من الإنسانية والوطنية ترك هؤلاء عالقين معلقين بسبب قرار حكومي، عليه ما عليه من الملاحظات منذ لحظة صدوره؟.
إن هؤلاء «العالقين» على الحدود، وبغض النظر عن دور «الجهات المختصة» بمعالجة شأنهم، هم مواطنون سوريون، وأمر عدم امتلاكهم المبلغ المطلوب حكومياً لا يعفي من المسؤولية الحكومية والوطنية تجاههم، فكيف وهي المسؤولة عن مأساتهم مفتوحة الأجل؟!.
ولعل الحل، الذي لا بد منه، هو إلغاء هذا القرار الحكومي المجحف، كلاً وتفصيلاً.
فإن لم يكن لمخالفته الدستور وحقوق المواطنة والإنسانية، فمن أجل التخفيف من تداعياته الاستغلالية، وأعبائه المالية الكبيرة، على السوريين الراغبين بالعودة إلى وطنهم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
982
آخر تعديل على الإثنين, 07 أيلول/سبتمبر 2020 13:15