هموم صناعية مزمنة.. ولا حلول!
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

هموم صناعية مزمنة.. ولا حلول!

تجمّع منطقة الكسوة الصناعي، ومحيطها، ليس تجمعاً لمنشآت صناعية فقط، بل يمكن اعتباره تجمعاً لمشكلات وصعوبات وهموم مزمنة، مرتبطة بالصناعة والصناعيين، وبالإنتاج الصناعي بمختلف قطاعاته، وبالاقتصاد الوطني عموماً.

اختصر بعض أصحاب المنشآت الصناعية معاناتهم، وهم من الصناعيين المخضرمين، بالقول: إن صعوبات ومشاكل ومعيقات كل سنوات الحرب والأزمة- وحتى ما قبلها- كانت بكفة، ومنذ مطلع العام الحالي وحتى الآن أصبحت بكفة أخرى، حيث تزايدت هذه الصعوبات بشكل كبير، متضافرة مع جملة صعوبات الواقع الاقتصادي المتراجع.

صعوبات مزمنة وتساؤلات مشروعة

معاناة الصناعيين، والصعوبات التي تواجه الصناعة، والمعيقات التي تحول دون التمكن من نهوضها، جميعها عناوين عريضة، جرى تكرار الحديث عنها خلال الأعوام، بل العقود الماضية.
فالمعاناة والصعوبات والمعيقات التي تواجه الصناعة والصناعيين ليست مستجدة، بل هي قديمة ومزمنة ومتراكمة دون حلول، بالرغم من كثرة الحديث عنها، سواء من قبل أصحاب الشأن من الصناعيين، أو على المستوى الرسمي.
ولعل جوهر المشاكل والصعوبات يتمحور حول تأمين مستلزمات الإنتاج، ومقومات ومساعدات العملية الإنتاجية واستمرارها وتطورها، وهو ما جرى التأكيد عليه من قبل بعض الصناعيين، حيث تساءلوا عن سبب غياب الخطة الإستراتيجية الحكومية بما يتعلق بالصناعة والإنتاج؟!
فما يجري على هذا المستوى، بحسب قولهم، منذ سنين ربما لا يتعدى عن كونه عبارة عن قرارات ارتجالية وعشوائية، انعكست وتنعكس سلباً على الصناعة والصناعيين، وعلى مجمل الواقع الاقتصادي بالنتيجة.
فمن يخطط، ومن ينفذ، ومن المسؤول عن تراجع الإنتاج الزراعي والصناعي (العام والخاص)، الذي بدأ الحديث عن أهميته مؤخراً، بعد أن توقفت عجلته في الكثير من القطاعات، وكيف سيترجم هذا الاهتمام خلال المرحلة القادمة، في حال صدق النوايا، إن كان الوضع سيستمر على ما هو عليه من التخبط وغياب الإستراتيجيات الوطنية الجادة على هذا المستوى؟!

مشكلة البنية التحتية

المشكلات التي تواجه الصناعة والمنشآت الصناعية والصناعيين تبدأ اعتباراً من تأمين البنية التحتية اللازمة للمنشآت الصناعية، المتمثلة بالطرق وشبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء والاتصالات، وغيرها من ضرورات أخرى، وهي من مسؤوليات المحافظة افتراضاً.
فعلى الرغم من تحمل الصناعيين في منطقة الكسوة مثلاً للكثير من التكاليف المرتبطة بهذه العناوين، بل وقيامهم وعلى نفقتهم من إنجاز الكثير منها عند إحداث منشآتهم، إلا أن ذلك لا يعني غياب عمليات الصيانة الدورية لهذه البنى، على أقل تقدير، والأهم على هذا المستوى مؤخراً هو: واقع الطرقات المؤدية إلى هذه المنطقة الصناعية، حيث تقتضي الضرورة إعادة النظر بهندستها المرورية، لتسهيل الوصول إليها ونقل البضائع منها وإليها، وهي مسؤولية المحافظة أيضاً.

مستلزمات الإنتاج وتذبذب سعر الصرف

من أهم المشاكل التي تعترض الصناعيين، هي: تأمين مستلزمات إنتاجهم، وخاصة المواد الأولية والمحروقات، ارتباطاً بعمليات الاستيراد المرتبطة حكماً بالقطع الأجنبي وسعره المتذبذب، والكلف الإجمالية التي تظهر من خلال عمليات التسعير النهائي بالنتيجة.
على هذا المستوى أكد الصناعيون على أن تذبذب سعر الصرف، والتلاعب فيه، كان له أثر سلبي كبير على صناعتهم وإنتاجهم، وقد كان لبعض القرارات المرتبطة بهذا الشأن نتائج سلبية إضافية على العملية الإنتاجية أيضاً، الأمر الذي وضعهم أمام مشكلة عدم التمكن من وضع خططهم الإنتاجية الخاصة كل في منشآتهم، مما أدى إلى توقف بعض المنشآت عن العمل، وتراجع إنتاج بعضها الآخر.
وقد رفض بعضهم ربط ذلك بالعقوبات والحصار، مستشهدين بمراحل تاريخية سابقة كان فيها سعر الصرف مستقراً برغم الحصار والعقوبات.
وقد ربط هؤلاء الصناعيين سعر الصرف ومقومات استقراره ودعمه بالإنتاج والصناعة، ملخصين ذلك بقولهم: إن الإنتاج الزراعي والصناعي من أهم مقومات دعم واستقرار قيمة الليرة، وبالتالي، ما يوازيها من سعر صرف لبقية العملات، مع انعكاس ذلك الإيجابي على مجمل الاقتصاد الوطني، وهذا يعتبر من بدهيات الاقتصاد.
على ذلك أكدوا تساؤلاتهم مجدداً عن حقيقة نوايا دعم الإنتاج عموماً؟!

مشاكل إضافية مؤرقة!

الحديث مع الصناعيين شمل أيضاً قطاع المصارف ودورها، والقروض، والاستعلام الضريبي، وإجازات الاستيراد، وأسواق التصريف الخارجية، وغيرها من العناوين الكثيرة المرتبطة بالصناعة، والتي تؤثر بشكل مباشر على استمرارها وتطورها، ولم يغب الحديث عن الجمارك ودورها تجاههم.
فأحد الصناعيين قال صراحة: «وكأن الصناعة محاربة في البلد لمصلحة حيتان الاستيراد والتهريب، بل والأنكى من ذلك: أن دوريات الجمارك تدخل إلى منشآتنا بذريعة البضائع المهربة»!
في المقابل، لقد أكد الصناعيون أن من أكثر ما تعانيه الصناعة هي المنافسة عبر البضائع المهربة أو المستوردة الشبيهة، مؤكدين أن كل المنتجين من مصلحتهم مكافحة التهريب وترشيد الاستيراد وتوجيهه وتصويبه بالشكل المناسب، لكن لا هذا ولا ذاك موجود كما هو مفترض، بل «أصبح الصناعي هو المتهم مع الأسف»، للتغطية ربما على حيتان الفساد والتهريب، وللتهرب من المسؤوليات الحقيقية على هذا المستوى، وخاصة على المنافذ الحدودية، الرسمية وغير الرسمية.

غرف الصناعة في واد آخر..

في معرض الحديث عن دور غرف الصناعة في نقل معاناة وصعوبات ومعيقات الصناعة والإنتاج الصناعي، أشار بعض الصناعيين إلى ضعف دور هذه الغرف، وتراجع دورها بشكل كبير مؤخراً.
وبشكل عام، اختصر أحد الصناعيين معاناتهم بالقول: إن وزن المنتجين بشكل عام على مستوى المشاركة في القرارات الحكومية التي تصب في مصلحة الصناعة والزراعة والإنتاج أصبح ضعيفاً، مقابل زيادة أوزان أصحاب المشاريع الريعية ذات الربح السريع والترفيّة في البلد، مستشهداً بمآل منطقة القابون الصناعية، التي جرت التضحية بها لمصلحة أصحاب مشاريع الأبراج السكنية، والأماكن الترفيهية المزمعة فيها، في الوقت الذي نحتاج فيه لكل منتج زراعي أو صناعي، في ظل الواقع الاقتصادي والأزمة التي تعيشها البلد!

عبارات منتقاة

فيما يلي بعض العبارات الهامة التي أتت على ألسنة الصناعيين خلال حديثنا معهم، وربما فيها تلخيص مكثف للواقع والمعاناة وما هو مطلوب:
«الحكومة يجب أن تعمل على توفير البيئة الآمنة للعمل، وأن تُفكر بمصلحة المواطن قبل الصناعي وقبل التاجر».
«قطاع عام قائد وناجح في البداية هام ولا بد منه».
«النشاط الاقتصادي السائد في البلد أصبح أسود».
«التضخم أصبح سيد الموقف وهو من يحكم».
«أولوية الجباية لا تخلق إنتاجاً».
«لا توجد مشاركة حكومية حقيقية مع الصناعيين».
«عزز الإنتاج (زراعة- صناعة) ثم انتقل للترف».
«كي نمارس دورنا كصناعيين أعطونا نصف ظروف ودعم شريحة أصحاب المشاريع الترفيّة ذات الربح السريع».
«لا يوجد بديل عن الصناعة والزراعة».
«لا يجب أن يغيب البعد الاجتماعي عن السياسات الاقتصادية».
«الأمل ينخفض لدى الناس، والمرحلة خطرة».
«الهجرة أكبر خسارة، وخاصة فئة الشباب».
«تفريغ الوطن من الشعب، يعني: لا يوجد وطن، ويتحول إلى جغرافيا فقط».

بكل اختصار

نختم بالقول، اختصاراً وتكراراً: إن مجمل ما تعانيه الصناعة، والإنتاج عموماً، وما يواجهه من صعوبات ومعيقات، هو نتاج جملة السياسات الليبرالية المحابية لمصالح كبار حيتان المال والفساد، الذين من مصلحتهم ضرب ووقف كل أشكال الإنتاج وبكافة قطاعاته، حفاظاً على حصتهم من الأرباح والبحث عن المزيد منها، ولا يمكن الحديث الجدّي عن دعم الإنتاج، الصناعي أو الزراعي أو الحرفي، العام أو الخاص، إلا من خلال التخلي عن هذه السياسات جملة وتفصيلاً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
975
آخر تعديل على الإثنين, 20 تموز/يوليو 2020 15:00