بدلات الإيجار عامل ضغط فوق حدود الإمكانات
تزايدت الضغوط على المستأجرين خلال الفترة الأخيرة بشكل أكثر مما سبق، وذلك من قبل أصحاب البيوت وملاكها، من أجل إخلائها بذريعة الحاجة للبيت، حتى قبل أن تنتهي فترة العقد المبرم مع هؤلاء المستأجرين أحياناً!
أصبح من الواضح والمعلوم، وبحكم التجربة المريرة طيلة السنوات الماضية، أن الضغوط الممارسة، والذريعة المساقة، ليست إلاّ مدخلاً من أجل المساومة على رفع بدل الإيجار الشهري على هؤلاء المستأجرين، أو بحال عدم موافقتهم، فالإخلاء هو الخيار المتاح من أجل الإتيان بغيرهم، ممن يقبل بدفع المبلغ الشهري المطلوب من قبل صاحب الملك.
مبالغ خيالية
المبالغ التي وصلت إليها بدلات الإيجار الشهري في مدينة دمشق وريفها أصبحت خيالية، أما الخيالي أكثر فهو طلب تسديد بدل الإيجار عن عدة أشهر دفعة واحدة، وأحياناً تصل هذه الطلبات إلى تسديد كامل بدل الإيجار عن طيلة مدة العقد، سواء كانت 6 أشهر أو سنة كاملة، ولكم أن تتخيلوا المبلغ المرقوم الذي يُطلب من المستأجرين تسديده في بعض الأحيان!
ففي منطقة ركن الدين تتراوح بدلات الإيجار الشهري من 50 ألف ليرة- وذلك في الحارات الجبلية من المنطقة- وصولاً لأكثر من 150 ألف ليرة في شارع برنية مثلاً، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الموقع والمساحة والكسوة عوامل مساعدة على رفع قيمة بدلات الإيجار، وكذلك في حال كان البيت مفروشاً أم لا.
وبحال طلب 6 أشهر سلف، فإن ذلك يعني توفر مبلغ لا يقل عن 350 ألف ليرة وصولاً لمبلغ مليون ليرة بين أيدي المستأجر كي يستطيع الوفاء بالتزاماته مع صاحب الملك ومع أجور المكتب العقاري، ناهيك عن المبالغ الإضافية التي سيتكبدها المستأجر لقاء أجور النقل والعتالة.
وحال بدلات الإيجار في بقية المناطق والمدن ليست بأفضل من ذلك، فهي تقل أو ترتفع بحسب الموقع والمواصفة، سواء كانت داخل المدن أو في ريفها القريب والبعيد، وخاصة في المناطق المخدّمة، التي تصبح أكثر اكتظاظاً بالنتيجة.
ذرائع وواقع معيشي ضاغط
قد يقول بعض أصحاب الملكيات إن بدلات الإيجار تتباين ارتفاعاً أسوة بغيرها من أسعار السلع وبدلات الخدمات التي ترتفع بشكل دوري، مع تبرير المطالبة بتسديد دفعة واحدة عن عدة أشهر سلفاً على نفس المبدأ، خاصة وأن غالبية هؤلاء يستعينون بمبالغ بدلات الإيجار هذه في مواجهة متطلبات الحياة المعيشية ومصاعبها المعممة على الجميع، وليس من بوابة الإتجار والسمسرة، فبعض هؤلاء كانوا قد اقتطعوا أجزاء من بيوتهم لهذه الغاية، أيضاً على حساب راحتهم واستقرارهم، لكن ذلك لا يمكن تعميمه بمطلق الأحوال.
في المقابل، يقول المتضررون إن خساراتهم المتتالية لا تتمثل بما يطلبه هؤلاء من زيادات دورية فقط، والتي تكون دون طاقتهم على تحملها، لذلك يضطرون للإخلاء بحثاً عن منزل آخر، وطبعاً ذلك يعني تخفيض بعض المواصفات بحال عدم التمكن من دفع مبلغ شهري أكبر، بالإضافة للاضطرار للتنقل من بيت الى بيت بين الحين والآخر، مع ما يعنيه ذلك من انعكاسات على مدارس أبنائهم بشكل خاص، ناهيك عن متغيرات البيئة الاجتماعية والاضطرار للتعامل مع بيئات مختلفة أيضاً، إضافة لاستمرار أشكال الاستغلال المفرط من قبل المؤجرين.
مشكلة لا تنتظر مرحلة إعادة الإعمار
مشكلة زيادة الطلب على بيوت الإيجار مرتبطة بشكل مباشر بالنزوح والتشرد من المناطق الساخنة سابقاً نتيجة الحرب والمعارك الدائرة في محيطها وبداخلها، وهذه المشكلة لا حل نهائي لها على ما يبدو بالمدى المنظور، لذلك سيبقى الطلب على البيوت أعلى من العرض، وخاصة في المدن والبلدات المخدّمة والمكتظة، كما ستبقى عوامل الاستغلال هي السائدة.
ومع تزايد مبالغ بدلات الإيجار الشهري على هذا الشكل الدوري غير المسقوف، وفي ظل ثبات الأجور مع تدني القيمة الشرائية لليرة، فإن حال الضغوط على المستأجرين ستتزايد من كل حدب وصوب.
فاستيعاب السكان المهجرين من مناطقهم في مناطق أخرى لا يمكن حله إلاّ عبر مساعٍ جدية لإعادة هؤلاء إلى بيوتهم ومناطقهم، وبالحد الأدنى تسهيل عودة جزء هام منهم، بعيداً عن انتظار مشاريع إعادة الإعمار التي توقف الحديث عنها.
وبكل أريحية يمكن القول إنه من الممكن الإسراع بإنجاز بعض المهام على هذه المستويات، لكن ذلك يعني بدايةً العمل الجدي على إعادة تأهيل هذه المناطق، على مستوى البنى التحتية والخدمات الأساسية وخاصة المواصلات، بدلاً من تسخير بعض الاعتمادات المخصصة على القضايا الجانبية ذات الطابع الترفي الآن، مثل: مداخل المدن والساحات وغيرها، بالإضافة للمساعدة على ترميم كل ما يمكن ترميمه من بيوت المواطنين في هذه المناطق، وهذه وتلك لم يتم إنجازها إلا بشكل جزئي ومحدود حتى الآن، وفي بعض المناطق والبلدات فقط لا غير، برغم أن الإمكانات متاحة لإنجاز أكثر من ذلك، لكن اللامبالاة وعدم الجدية والفساد تعتبر عوامل كابحة بهذا المجال.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 968