خطوة جديدة باتجاه تقنين مجانية التعليم
استبشر الطلاب الجامعيون خيراً بالمرسوم القاضي بالسماح لطلاب مرحلة الإجازة المستنفدين لفرص التسجيل المحددة بالمرسوم رقم 250 لعام 2006 التسجيل مرة ثانية في كلياتهم، ومنح عام استثنائي لطلاب دراسات التأهيل والتخصص ودرجة الماجستير المستنفدين فرص التقدم للامتحانات من خارج الجامعة، وسنة ميلادية إضافية لطلاب درجة الماجستير والدكتوراه المسجلين في مرحلة الأطروحة قبل 1/3/2019.
بالمقابل، فقد شكل مضمون المرسوم بالنسبة لبعض الطلاب صدمة، خاصة بما يتعلق بالرسوم المفروضة بموجبه على المستنفدين، عبر تحويل هؤلاء من نظام التعليم العام إلى نظام التعليم الموازي مع رسومه، والمسجلين بنظام التعليم الموازي بمضاعفة رسومهم السنوية، بالإضافة لإعادة وضع سقوف زمنية للاستنفاد.
عامل اطمئنان
المرسوم شكل عامل اطمئنان لكافة الطلاب الجامعيين، حيث لن يضطر المستنفدون من هؤلاء لانتظار مرسوم استثنائي يمنحهم فرصة استكمال دراستهم، كما جرت العادة، خاصة أنه شمل أيضاً كافة المستنفدين بدءاً من العام الدراسي 2010-2011.
فقد تضمن المرسوم تعديلاً على بعض المواد من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات الصادر بالمرسوم 250 لعام 2006، بما يخص السماح للمستنفدين بالتسجيل مرة ثانية، وهذا التعديل حسم بشكل نهائي موضوع الانتظار، وفوات السنين أحياناً، فهو بالإضافة الى أنه يشمل أعداداً كبيرة من الطلاب سنوياً، فقد وفر عليهم فترات الانتظار، التي كانت تطول وتقصر، وأصبح من حق هؤلاء استكمال تعليمهم بعد الاستنفاد بشكل منظم ومقونن.
فرحة لم تكتمل
لكن فرحة الطلاب لم تكتمل، فقد تم فرض رسوم إضافية على المستنفدين، بالإضافة لوضع سقوف زمنية للاستنفاد مجددا!
فقد صدر المرسوم رقم /125/ لعام 2020، وتضمن في مادته الأولى ما يلي: تعدل المادة /103/ من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات الصادرة بالمرسوم رقم /250/ لعام 2006 وتعديلاتها لتصبح وفق الآتي:
يسمح للطالب في مرحلة الإجازة الذي استنفد فرص التسجيل المحددة في المادة “102” من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات الصادرة بالمرسوم رقم “250” لعام 2005 وتعديلاته بدءاً من تاريخ صدور هذا المرسوم، التسجيل مرة ثانية في كليته لقاء رسوم لا تقل عن مثل الرسوم المحددة للطلاب المقبولين وفق مفاضلة التعليم الموازي بالنسبة إلى الطلاب المقبولين وفق المفاضلة العامة، ولا تقل عن مثلي الرسوم المحددة للطلاب المقبولين وفق مفاضلة التعليم الموازي بالنسبة إلى الطلاب السوريين، ومثلي الرسوم المحددة للطلاب المقبولين وفق مفاضلة العرب والأجانب بالنسبة إلى الطلاب غير السوريين.
لا يجوز أن يبقى الطالب المستفيد من أحكام الفقرة السابقة مسجلاً في الجامعة مدة إضافية تزيد على مثلي مدة الدراسة المتبقية له في كليته إضافة إلى السنة التي استنفد فيها.
يستفيد طالب السنة الأخيرة من أحكام الفقرة “ج” من المادة “102” من هذه اللائحة، أما الطالب الذي استفاد من أحكام هذه الفقرة فيتم منحه عامين دراسيين على الأكثر.
تطبق الرسوم المذكورة في الفقرة “أ” من هذه المادة على جميع الطلاب مهما كانت طريقة قبولهم في الجامعة.
لا يسمح للمستفيد من أحكام هذه المادة بتغيير القيد.
فتحٌ للأفق من طرف وإغلاقٌ من طرف آخر
من المفروغ منه، أن غالبية طلاب التعليم الجامعي الحكومي، العام والموازي، هم من أبناء الطبقات الفقيرة والمسحوقة، وهؤلاء بالكاد يستطيعون تأمين الرسوم السنوية، بالإضافة لما يتحمله ذويهم من نفقات إضافية على الكتب والمحاضرات والمراجع والمواصلات، وغيرها من النفقات النثرية الأخرى، خاصة في ظل الواقع المعيشي الصعب الذي لا يخفى على أحد، بما في ذلك الحكومة طبعاً.
فعلى الرغم من إيجابية المرسوم على مستوى عدم إغلاق الأفق أمام المستنفدين، وإعادة فسح المجال أمامهم لاستكمال دراستهم الجامعية بشكل مقونن، ودون هدر أية سنة دراسية، إلا أن فرض الرسوم السنوية وفقاً لمضمونه قد يكون عاملاً ضاغطاً على الكثير من هؤلاء، يدفع بهم نحو استنكاف متابعة تعليمهم الجامعي، ليس بسبب ضعف إمكاناتهم ومقدرتهم على الدراسة، بل بسبب عدم تمكنهم من تحمل تكاليف إضافية على حساب معيشتهم ومعيشة ذويهم في ظل الواقع المعيشي المتردي، الذي دفع ببعضهم سلفاً للعمل من أجل مساعدة ذويهم بجزء من تكاليف المعيشة الصعبة.
فما جرى فتحه من أفق وفقاً لمضمون المرسوم أعلاه، تم إغلاقه من طرف آخر من الناحية العملية، سواء عبر الرسوم الباهظة التي سيتكبدها سنوياً هؤلاء المستنفدين، أو من خلال إعادة وضع سقوف زمنية للاستنفاد.
وهؤلاء يتساءلون: طالما تم فرض هذه الرسوم السنوية، لماذا وضع شرط السقف الزمني مجدداً؟!.
سلسلة إزاحة طبقية
من الناحية العملية، إن المضمون التنفيذي للمرسوم سيشكل سلسلة إزاحة للطلاب، عبر دفع المزيد من هؤلاء من نظام التعليم العام ذي الرسوم المخفضة إلى التعليم الموازي ذي الرسوم المرتفعة، وبالتالي ستزداد أعداد الطلاب في هذا النظام التعليمي على حساب تراجعها في نظام التعليم العام، أي، مزيد من تقنين التعليم الحكومي الجامعي المجاني، مع ما يعنيه ذلك من انعكاسات ربما على سياسات القبول الجامعي مستقبلاً، خاصة بظل عدم التوسع بالتعليم الحكومي، العام والموازي، بما يتناسب مع زيادة أعداد الطلاب السنوية، لا على مستوى تعداد الجامعات والكليات، ولا على مستوى الكراسي الجامعية وتعداد المقبولين، ولا على مستوى الأبنية والمساحات الإضافية المطلوبة سنوياً، ولا على مستوى الكادر التدريسي والإداري، بغض النظر عن كل ما يقال سنوياً عن سياسة الاستيعاب الشامل لكافة حملة شهادة التعليم الثانوية.
فواقع الإزاحة للطلاب على مستوى المخرجات النهائية محصلتها نحو التعليم الجامعي الخاص ولمصلحته على ما يبدو، وطبعاً لمن استطاع إليه سبيلاً من أبناء النخبة الأثرياء، بظل هذا النمط من الدفع المتسلسل والبطيء نحو استنكاف العملية التعليمية من قبل المفقرين، بشكل مباشر أو غير مباشر، أي مزيد من الفرز الطبقي على مستوى التحصيل الجامعي مع الأسف.
بانتظار التعليمات التنفيذية
الطلاب الجامعيون ينتظرون صدور التعليمات التنفيذية للمرسوم، التي قد تبين وتوضح بعض فقراته ومواده، مع عدم إخفاء خشيتهم من أن تحمل هذه التعليمات بعض الصدمات الإضافية.
فقد نُقل عن لسان وزير التعليم العالي، بحسب بعض وسائل الإعلام، أن: «الفريق الفني في الوزارة بدأ بوضع التعليمات التنفيذية لمرسوم المستنفدين على أن تصدر للمرحلة الجامعية الأولى والدراسات العليا حتى الاثنين كأقصى حد».
وما على الطلاب إلا الانتظار للمزيد من التبيان!.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 968