تفشيشة غضب المواطن ليس رخيصاً.. والوطن ليس سلعة
عادل إبراهيم عادل إبراهيم

تفشيشة غضب المواطن ليس رخيصاً.. والوطن ليس سلعة

أكثر عبارة مستهلكة جرى تداولها خلال العقود الماضية من خلال التصريحات الرسمية، وما زالت متداولة حتى الآن، هي عبارة «الأسعار لدينا أرخص من دول الجوار»، فكل مسؤول، وعلى مختلف مستويات المسؤولية، يستشهد بهذه العبارة بما يخص قطاعه ومسؤوليته عندما يواجه بارتفاع الأسعار المحلية على سلعة ما، وربما لا داعي لسرد أمثلة على ذلك ممن صرح بهذه العبارة وكررها، فهي كثيرة جداً ولا تحصى!.

الاستشهاد بالعبارة أعلاه، بالإضافة لما تعنيه من تسليع كل شيء في تركيبة وبنية الذهنية التي تتبناها، فهي كانت وما زالت إحدى وسائل الهروب من استحقاق الاعتراف بارتفاع الأسعار وحقوق المستهلكين، مع ما يلي هذا الاعتراف، بحال حصوله، من استحقاقات إضافية تفرض إعادة النظر بالكثير من التوجهات والقرارات، بل بالقوانين النافذة والسياسات الليبرالية المجحفة المطبقة أيضاً.

المواطن مُدان ويستحق القصاص

المحروقات لدينا أرخص من دول الجوار، الخبز، المواد الغذائية، الخضار والفواكه والمنتجات الحيوانية، أجور النقل، الكهرباء، التعليم، حتى رسوم شبكة الإنترنت أدنى من دول الجوار، وقس على ذلك مما هو أدنى من دول الجوار، بحسب بعض التصريحات الرسمية وغير الرسمية.
وعلى الرغم من كل هذا الرخص ما زال المواطن يتشكى من الأسعار والاستغلال، ليظهر في ظل هذه المقارنات مع دول الجوار وكأنه متجنٍ على الحكومة ومسؤوليها، كما على كبار المستغلين والفاسدين في البلد، وناكر لجميل هؤلاء، خاصة في ظل استهلاك مفردة تماثلها بالتكرار الممجوج أيضاً على ألسنة المسؤولين وهي مفردة «الدعم»، برغم تآكله.
والنتيجة، أن المواطن ليس فقط متجنٍ وناكر للجميل، بل هو غير محق ومجحف أيضاً، وبالتالي مدان من كل بد، وربما لذلك لا غرابة من كل أشكال العداء، المبطن والصريح، الممارسة تجاهه وبحقه، وعلى كل ضرس ولون، ومن قبل المسؤولين والمستغلين والفاسدين.
فهذا المواطن المنكوب بحياته ومعيشته وخدماته، أصبح منكوباً أيضاً بالإدانة الرسمية وغير الرسمية، مع كل أشكال القصاص التي تنال منه في كل لحظة، ومن المفروغ منه ألاّ يوجد من يلتجئ إليه، فمن يحمي المدان، أو يجرؤ على الدفاع عنه؟.

المواطن الأرخص

ما لا يتم ذكره أو الاعتراف به رسمياً، بل وتغييبه عمداً، على مستوى المقارنة مع دول الجوار، والتي تعتبر مستوياتها لدينا أدنى أيضاً، في ظل السياسات الليبرالية المعمول بها، وبسببها، وعلى أيدي المستفيدين منها، فهي على سبيل المثال لا الحصر (مصلحة المواطن- الأجور المتدنية- الحقوق المنتهكة- الإنسانية المفقودة- الكرامة المهدورة- ..) لتتوج بمصلحة الوطن التي تم إدخالها في بازارات العهر كسلعة أيضاً على أيدي هؤلاء!.
وما يتم إغفاله على مستوى الزيادة لدينا عن دول الجوار، كذلك على سبيل المثال لا الحصر (مستويات الفساد العالية- معدلات الاستغلال المرتفعة- مستويات البطالة المتزايدة- معدلات الفقر والجوع- النزوح- اللجوء- التشرد- الظلم- القهر- القمع...).
لتكون النتيجة، أن المواطن نفسه أصبح هو الأرخص والأبخس ثمناً بالمقارنة مع كل دول الجوار أيضاً، وكذلك المصلحة الوطنية التي ضرب بها بعرض الحائط، وطبعاً الشكر موصول بهذه وتلك، مع تفاصيلها الكثيرة، للسياسات والقائمين عليها والمستفيدين منها!!.
فأي بؤس أوصلتنا له هذه السياسات الظالمة، وأية جرائم كبيرة ارتكبت وترتكب بحقنا وبحق الوطن يومياً بسببها، والتي تزايدت خلال سني الحرب والأزمة، واستفحلت توحشاً مؤخراً، على أيدي القلة من كبار المستغلين والفاسدين، الطغمة المتحكمة والعابثة بمصيرنا وبمصير البلد!.
فالمواطن ليس بخساً ورخيصاً، والوطن ليس سلعة، ومن كل بد لا خيار أمامنا كمواطنين، في ظل هذا العداء المستشري تجاهنا وتجاه المصلحة الوطنية، إلاّ بالتغيير الجذري والعميق والشامل، من أجل الحفاظ على مصلحتنا وعلى مصلحة الوطن، وهو قادم لا محالة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
966
آخر تعديل على الأربعاء, 20 أيار 2020 14:01