المواطن للمسؤول.. بلغ السيل الزبى!
ملّ المواطنون من كثرة التصريحات الرسمية فيما يخص معيشتهم ومأكلهم وملبسهم وخدماتهم، لكن لم يملّ الرسميون من تصريحاتهم تلك، على الرغم من تكرارها، وفراغها من المحتوى الإيجابي الملموس بالنسبة للمواطنين، بل وعجزهم عن إيجاد حلول حقيقية لما يعانيه هؤلاء يومياً على كافة المستويات.
وما يجعل من الأمر أكثر إضحاكاً وأسفاً هي محاولات تجيير ما لا يُجيّر من واجبات، سواء عبر اللف والدوران المفضوح حولها، أو من خلال تقاذف المسؤوليات فيما بين الجهات العامة، أو محاولات إشراك المواطن بالمسؤولية المباشرة حيال بعضها، وكأنه غاوي معاناة؟!.
ثقة الحكومة بالمواطنين والثقة بها
من الأمثلة الأخيرة على ما سبق أعلاه: أن الحكومة، وبعد أن بدأت بالتخفيف من إجراءاتها الاحترازية بما يخص الكورونا، والاستثناءات الواسعة التي أعادت من خلالها الكثير من الأنشطة الاقتصادية، وما سيرافقها من ازدحام يكسر كل إجراءات العزل والتباعد الاجتماعي، بالإضافة لما كان مستمراً منها دون انقطاع أصلاً طيلة الفترة الماضية، وبغض النظر عن أهمية هذه الإجراءات من عدمها، فقد حمّلت الحكومة المواطن مسؤولية استمراره بإجراءات الحجر الطوعي، مؤكدة على ثقتها بوعيه على هذا المستوى، فقد جدد مجلس الوزراء بتاريخ 20/4/2020 ثقته بوعي المواطنين والتزامهم بالحجر الطوعي في المنازل وعدم الخروج إلا للضرورة!.
ربما لا داعي لتفنيد هذه الثقة مع نتائجها المتوقعة بعد كل القرارات التي فرغت كل الإجراءات الاحترازية من جوهرها، ولم يبق منها إلا ساعات الحظر الليلي، مع استمرار منع التنقل فيما بين المحافظات، والتي من المتوقع أن يتم التخفيف منها تباعاً خلال الأيام القريبة القادمة، وما على المواطنين إلا أن يعملوا جاهدين كيلا تتزعزع ثقة الحكومة بهم!، أما عن ثقتهم بالحكومة فهذا شأن آخر غير موجود في قاموسها على ما يبدو، بدليل ترك المواطنين لمصيرهم بالمواجهة مع الوباء بالنتيجة، فلا هي أمّنت لهم مستلزمات البقاء على قيد الحياة في منازلهم كي يستمروا بإجراءات الحجر الطوعي، ولا أمّنت لهم وسائل الحماية والوقاية على مستوى المعقمات والكمامات بحال اضرارهم للاحتكاك مع بعضهم، في ظل إعادة نشاط الكثير من القطاعات تباعاً!.
أسعار المشتقات النفطية و»الدعم» المستمر
المثال الآخر على ما سبق كان التفاف وزير النفط على تسعير المشتقات النفطية محلياً على إثر انخفاض الأسعار العالمية خلال الأسبوع الماضي، وذلك خلال حديثه عبر الفضائية السورية يوم الخميس الفائت.
فقد أقر الوزير بأن «آلية التسعير تُبنى على أساس وسطي السعر الشهري»، بالمقابل، قال بأننا «مرتبطون بمؤشر أسعار «برنت» وهذا المؤشر لم ينخفض كما انخفض «تكساس»»، علماً أن كافة الأسعار قد انخفضت بشكل ملحوظ ومنذ أكثر من شهر، لذلك ربما استدرك قائلاً: إن «الدعم مستمر»، لكن كتلته قد انخفضت إلى 552 مليون ليرة يومياً، بعد أن كان يتجاوز المليار ليرة، مجيّراً الحديث عن انخفاض الأسعار العالمية إلى «الدعم» الذي ينعم به المواطن بالنتيجة، ولم يتطرق لأسعار المشتقات النفطية غير المدعومة، ولا إلى لماذا لم تعمل الحكومة على إفادة المواطنين بهذا الانخفاض؟، والأهم: أن الوزير لم يتطرق للحديث عن الأرباح والعمولات الكبيرة، التي يتقاضاها البعض بذريعة العقوبات والحصار استغلالاً وفساداً، والتي لم ولن تتأثر من كل بد بأي انخفاض سعري، وطبعاً على حساب المواطنين ومن جيوبهم!.
وما على المواطنين إلا التّكيّف مع هذا التصريح ومضمونه، والإقرار بأن «الدعم» الحكومي مستمر، كاذباً على نفسه!.
التهرب من مسؤولية التسعير!
أما ما يخلب الألباب فهو حديث وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عن الأسعار والتسعير، عبر الفضائية السورية بنفس اللقاء، حيث قال فيما قال: إن «المنتج المحلي تُسعره المكاتب التنفيذية في المحافظات، ودور الوزارة هو مراقبة التسعيرة الصادرة عن المكتب التنفيذي».
مضمون العبارة أعلاه ليس تهرباً من المسؤولية أو تجييراً لها فقط، بل فيه نوع من اعتبار المواطنين «جهلة» بكل ما تعنيه المفردة من معنى!.
فمن المعروف مثلاً: أن أسعار الخضار والفواكه، التي تخضع للعرض والطلب كما يحلوا لبعض الرسميين توصيفها، تصدر بها نشرات سعرية أسبوعية من مديريات التجارة الداخلية وحماية المستهلك في المحافظات، وكذلك الحال بالنسبة لأسعار اللحوم الحمراء والبيضاء، وذلك بالتنسيق مع المكتب التنفيذي لمجلس المحافظة.
وبشكل عام، إن أسعار كافة السلع التي تعتبر «مكانية» هي من اختصاص مديريات التجارة الداخلية في المحافظات بالتنسيق مع المكاتب التنفيذية فيها، وربما تراعى في ذلك أجور النقل بين المحافظة المنتجة والمحافظة المستهلكة عند تحديد هذه الأسعار.
أما أسعار كافة السلع المستوردة فيتم اعتمادها مركزياً، من قبل مديرية الأسعار في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، بعد دراستها من قبل لجنة تسعير مركزية كما هو مفترض، تضم ممثلين عن وزارة الاقتصاد والمصرف المركزي والجمارك العامة، والاستثناء في ذلك يتعلق بأسعار المواد والسلع الأساسية، حيث تصدر بها قرارات سعرية مركزية موقعة من قبل الوزير شخصياً.
ربما من يجب أن يرد على الوزير بهذه المغالطة هم أعضاء المكاتب التنفيذية في المحافظات، قبل المواطنين المكتوين من ارتفاعات الأسعار المستمرة.
فهذا التجيير والتّهرّب من المسؤولية وَضَعهم موضع المسؤولية المباشرة عن الأسعار، في الوقت الذي لا يتحملون إلا جزءاً من هذه المسؤولية، فالمسؤولية الأولى والأخيرة بمجال الأسعار هي مسؤولية الوزارة ومديرياتها، وكذلك المسؤولية حيال رقابتها والمحاسبة على المخالفات فيها.
المعاناة ستُسمع حيّاً.. عاجلاً وليس آجلاً!
قد ينطبق على كل ما سبق مقولة: « اقعود أعوج.. بس احكي جالس»!.. لكن عبثاً بظل استمرار هذا النمط من الحوار من طرف واحد بين المسؤولين والمواطنين، بحال أطلق عليه حوار!.
فطرف المواطنين مستمع ومُفنّد جيد لكل ما يتم التصريح به رسمياً، برغم كل مللهم منه ومن مضمونه المكرر وغير المثمر لهم بالنتيجة.
فهؤلاء موجوعون ومتألمون وجائعون ومتعطلون ومهمشون ومشردون و..، لكن آذان المسؤولين المفتوحة على مصراعيها لتلبية مصالح حيتان المال والفساد في البلاد، مغلقة عمداً بوجه صرخات معاناتهم، التي تتعالى يوماً بعد آخر عسى تُسمع حيّاً، علماً أنهم بحال لم يجدوه، حتى موعد يبدو قريباً، فربما يفرضون وجوده عنوةً بالمحصلة، فقد بلغ السيل الزبى!.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 963