دير الزور.. الكورونا يزيد المآسي

عانت دير الزور، كبقية محافظات الوطن، ما عانته طيلة سنوات الحرب والأزمة وبسببها، وجاءت الإجراءات بسبب الفيروس التاجي كورونا أخيراً، رغم أهميتها وضروريتها، لكن ضحيتها المواطنون الفقراء وهم الغالبية العظمى، وخاصة من العاملين بأجر قوتهم اليومي، الذين باتوا «شحادين» كما قال بعضهم لقاسيون.

فالحكومة تواصل محاباتها لقوى النهب والفساد وقوى السوق والسوء، حيث ما زالت تُجبى ما تسمى «رسوم الترسيم» الجائرة لصالح قوى الهيمنة والفساد، والتي تم فرضها على المواد والسلع القادمة من ريف المحافظة والمحافظات الأخرى، وتمارس عقوباتها الاقتصادية والاجتماعية على السوريين.
وزاد الطين بِلّة قيام مديرية الجمارك في دير الزور بملاحقتها للباعة داخل المدينة، وكل ذلك ينعكس على المواطن الفقير والمطعون في كرامته ولقمته، باعتبار أن كل النفقات والمصاريف تضاف بالنتيجة على تكلفة المواد والسلع، وبالتالي على سعرها النهائي الذي يضطر المواطن لتسديده صاغراً.

لهيب أسعار وجشع تجار

بحسب الأهالي، فقد ازداد جشع المستوردين والتجار والمستغلين، والحبل على الجرار مستمر، دون حسيبٍ أو رقيبٍ، والتهبت الأسعار وانتشر سعيرها وطال كل شيء، حيث ينامون على سعر ويستيقظون على سعر آخر!.
فسعر كغ السكر 700 ليرة، والشاي 9000 ليرة، وكغ لحم العجل 7000 ليرة، والضأن 9000 ليرة (رغم أن المحافظة تعتبر منتجة للحوم الحمراء)، وكغ الدجاج شيش 3300 والجوانح 1900 ليرة.
أمّا الخضار فسعر كغ البندورة 500، والخيار 500، والبطاطا 600، أما البصل اليابس فقد وصل إلى 1200 ليرة، أمّا الفواكه فباتت حسرة على المواطنين الفقراء، فأسوأ أنواع البرتقال والتفاح الذي يصنف نوعاً ثالثاً وصل إلى 900 ليرة، والموز اللبناني 1000 ليرة والصومالي 1200 ليرة.
وكغ الجبنة 1900 واللبن 400 (وأيضاً رغم أن المحافظة منتجة لهما)، إلاّ أن الترسيم المفروض من قبل الحواجز على أية مادة تدخل من الريف يضاعف أسعارها.
كما أن الزيوت والسمون والحبوب والدخان زادت أسعارها على الأقل 50% وبعضها إلى ضعف سعرها، فسعر علبة دخان الحمراء 400 ليرة، بعد أن كانت 200 ليرة، وأيضاً هذه المواد إنتاجها إما محلي أو ضمن الوطن، وحتى أكياس النايلون لوضع المشتريات ارتفعت مرات وتضاف تكاليفها على الموطنين من قبل الباعة أو تباع الأغراض دون أكياس.

دور الجمارك والبلدية

لقد دخلت على الخط أيضاً مديرية جمارك دير الزور بملاحقة المحلات داخل المدينة، والسيارات الداخلة للمدينة، والباعة، تحت حجج واهية غالباً!.
بحسب بعض الأهالي فقد تمت مصادرة سيارة قادمة من حمص تحمل خضاراً وفواكه بحجة أن فيها ثوماً صينياً غير مسموح به!.
والسؤال الذي طرحه هؤلاء: كيف دخلت المادة إلى حمص، وكيف عبرت عدة حواجز من حمص وصولاً إلى داخل دير الزور؟.
علماً أن هذه المادة تباع في دمشق العاصمة علناً وبسعرٍ فاحش 12000 ليرة للكغ، فكيف وصلت لها أيضاً كي تباع علناً؟.
بالإضافة لذلك، يقول الأهالي: ما زالت بلدية دير الزور تلاحق باعة المفرق وأصحاب البسطات بالضرائب المتصاعدة المترافقة مع التهديد والوعيد، وهذا أيضاً ينعكس على المواطن المستهلك، بينما كبار التجار معفيون من الضرائب أو يدفعون جزءاً قليلاً ويتهربون من القسم الكبير.

مشكلة الخبز

يشكل الخبز الغذاء الرئيسي للفقراء، ومأساته ليست بنوعيته السيئة وكميته غير الكافية كباقي المحافظات، ففي ظروف الحظر الصحي، يباع الخبز فرط دون أكياس، ومكشوفاً في عربات وسيارات، وبالتالي خطر تفشي فيروس كورونا سهل جداً في المدينة، ناهيك عن الازدحام.
أما في الريف فالوضع أسوأ أيضاً، حيث خصص مندوبون لبيعه، وغالبية المندوبين لديهم سجل بأسماء المواطنين وأقل واحد لديه 100 اسم، لكن ترسل له كمية 25 ربطة أي ربع الكمية، وبالتالي كل 4 أيام حتى تحصل الأسرة على ربطة، بحسب الأهالي.
وفي الريف الشرقي جنوبي نهر الفرات (الشامية) خصوصاً والذي يقع تحت سيطرة الدولة، حيث الزراعة متوقفة نهائياً نتيجة توقف مشاريع الري في استصلاح الأراضي والجمعيات، يضطر الأهالي لاستجرار القمح والطحين من الريف الشمالي (الجزيرة) الواقعة تحت سيطرة قوات قسد، وهذا الاستجرار يكلفهم كثيراً بسبب الترسيم المفروض على المعابر والحواجز دون اهتمام بالظروف التي تعيشها المحافظة نتيجة الحظر، بل إن الترسيم تضاعف أكثر من السابق، وما زال يطال كل شيء وليس القمح والطحين، سواء كانت المواد تنتقل داخل المحافظة أم تأتي من خارجها من الجزيرة أو من المحافظات السورية الأخرى.

المأساة المضافة

يضاف إلى كل ما سبق أعلاه الغياب شبه التام لإجراءات الحماية من انتشار فيروس كورونا، في المدينة وريفها، في ظل ما تم تعميمه من إجراءات احترازية ووقائية بالمقارنة مع الإمكانات المتاحة في المحافظة.
فالمشكلة بهذا الصدد مزمنة وتتمثل بقلة المشافي والمستوصفات والمراكز الصحية والكادر الطبي والصحي ووسائل الإسعاف والمواد والتجهيزات الطبية والأدوية، سواء في المدن الرئيسة كموحسن والمياذين والبوكمال، أو في المناطق والنواحي والقرى والبلدات، بل حتى ما هو متوفر في المدينة لا يكفي ولو جزءاً بسيطاً من الحاجات الضرورية، مع صعوبة تطبيق الحظر والتواصل بين الناس، الأمر الذي يعني أن كافة إجراءات الحظر والوقاية المعممة تعتبر نظرية.

ظواهر سلبية متفاقمة

تفاقمت مظاهر الفقر والجوع بشكل كبير، دافعة باتجاه زيادة المآسي، فالأطفال على الحاويات ينبشون ويبحثون عمّا يمكن أن يؤكل، أو الاستفادة منه كالبلاستيك وغيره، بالإضافة لزيادة انتشار أمراض وظواهر اجتماعية سلبية عديدة أخرى نتيجة الفقر والجوع والأزمة وتداعياتها، كالتسول والدعارة واستغلال الأطفال في العمل وغيره.
كما تزايدت السرقات التي أصبحت تطال كل شيء، بدءاً من محركات ضخ الماء في المنازل إلى العفش المنزلي، بالإضافة لجرائم القتل التي تحدث على هامش عمليات السرقة أحياناً، والتي يكون أبطالها غالباً من حملة السلاح والمستقوين به، والمحسوبين على بعض القوى النافذة، مثل قصة مقتل سائق سيارة التكسي مؤخراً، التي انتشرت تفاصيلها بين الأهالي.

إجراءات آنية ممكنة

كل ما سبق ذكره لا يعني تجاهل بعض الإجراءات الضرورية التي يمكن القيام بها خلال المرحلة الراهنة التي يطغى عليها الحديث عن الجائحة المرضية وأهوالها، مثل:
زيادة الاهتمام بالقطاع الصحي ومستلزماته الضرورية في المحافظة، مع زيادة الاهتمام برغيف الخبز، كماً ونوعاً، وتوفير المواد الغذائية والطبية ومواد النظافة والتعقيم مجاناً خلال أزمة كورونا على الأقل، بدل تقديم الدعم للتجار والصمت على ممارسات قوى النهب والفساد والسوق والسوء، وخاصة على مستوى زيادة انتشار وتوسع الظواهر والمظاهر السلبية، بالإضافة لأن يكون ذلك بإشراف المواطنين أنفسهم، وليس عبر قوى الهيمنة والفساد التي تحول كل إيجابية ممكنة ومتاحة إلى عكس مصلحة الوطن والمواطنين!.

معلومات إضافية

العدد رقم:
960
آخر تعديل على الإثنين, 11 أيار 2020 13:57